شيعة الجزائر.. أقلية تعيش بصمت وسط التجاهل الرسمي و الرفض الشعبي

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
شيعة الجزائر.. أقلية تعيش بصمت وسط  التجاهل الرسمي و الرفض الشعبي
Credit: MOHAMMED SAWAF/AFP/Getty Images

تقرير: حمزة عتبي

الجزائر (CNN)-- في آخر تقرير لها حول الحرية الدينية، غفلت الخارجية الأمريكية عن ذكر الجماعات الدينية الإسلامية بالجزائر، ومنها المجموعات الشيعية، وقد اكتفى التقرير بالحديث عن الحالة المسيحية واليهودية من حيث العدد والصعوبات البيروقراطية في ممارسة نشاطاتهم وشعائرهم.

تعود الجذور التاريخية لوجود الشيعة في الجزائر - حسب بعض البحوث التاريخية- إلى فترة قيام الدولة الشيعية في شمال إفريقيا على يد عبيد الله الشيعي الذي جند من الشمال القسنطيني نحو 4 آلاف من أتباعه إلى مصر أين قاموا ببناء جامع الأزهر، وتجزم دراسات حول الصوفيين الشيعة أن جذور التشيع كانت قبل قيام الدولة الفاطمية.

 وبعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979، بدأت ملامح المشهد السياسي في الوطن العربي عموما والجزائر خصوصا تأخذ شكلا جديدا، متأثرة بالفكر الثوري، مما جعل التيار الديني في الجزائر يقتنع بقيام الإسلام السياسي ووصوله إلى السلطة وأصبحت هذه الثورة بمثابة قدوة ونموذج ناجح.

انطلاقا من كل هذا، سعت CNN بالعربية للاتصال بمجموعة من المنتسبين لهذا المذهب بالجزائر لملامسة أوضاعهم عن قرب والحصول على شهادات حية، لأول مرة، عن حياتهم، التي تتصف بالسرية والكتمان، وكذا محاولة معرفة عددهم بالتقريب.

وفي الموضوع، قال الصادق سيالمية، أحد أتباع هذا المذهب، في هذا الصدد "من يسأل عن عدد الشيعة في الجزائر عليه أولا إعطاءهم الحق في الوجود والاجتماع ليدرك كم عددهم".

وأرجع سيالمية، وهو أحد ابرز وجوه الشيعة في الجزائر، سبب تخفيهم إلى "أن شعوبنا عبر 14 قرنا تربّت على الفكر الواحد والمذهب الواحد وعدم التسامح، فالعرب تعودت على قتل المعارض ورفضه". وأضاف أن "عقلية الرفض والتحجر تجعل الشيعي لدى الكثير من الناس في صورة الشيطان ولذلك يتحاشى الكثير منا إعلان وجوده ".

أما عن أماكن العبادة وممارسة الطقوس الخاصة بالشيعة في الجزائر –يقول- سيالمية "مذهبنا ليس هندوسيًا حتى تكون له أماكن خاصة، فنحن نصلي في المسجد ونحج إلى بيت الله الحرام ونصوم رمضان، أما بخصوص الحسينيات ومكان التجمعات للقيام بها، فالحق فيها لازال ممنوعا".

الحديث عن الشيعة لم يمنع محدثنا عن إشهار سهامه ضد سفارة السعودية في الجزائر ودورها المسكوت عنه في نشر المذهب الوهابي الذي "فاق كل الحدود" حتى وصلت كتب ابن تيمية المجانية إلى المداشر قبل أن يصلها الكهرباء بعشرات السنين على حد تعبيره.

مهما يكن، لا يمكن إنكار وجود الشيعة خاصة بالمدن الكبرى كالعاصمة، ووهران، وقسنطينة وغيرها، بيد أن أتباع المذهب الشيعي يجدون صعوبة في الإقرار به، والإعلان عنه في خضم مجتمع سني، وترفض هذه المجموعات الشيعية الظهور لأنها مهددة من طرف الوهابيين المتعصبين، فلهذا يتخفون وراء التصوف لأن التصوف أقرب منهجا وسلوكا من التشيع حسب تعبيرعبد القادر بوخيرة .

وينفي عبد القادر، وهو أحد المنتسبين للمذهب الشيعي في الجزائر، أن يكون للأساتذة العراقيين الذين قدموا للتدريس بالجزائر سنوات السبعينات والثمانينات يد في ظهور موجة المد الشيعي، مرجعا سبب انتشار المد الشيعي في الجزائر إلى "انتصارات إيران أولا ثم حزب الله "، إذ يتحدث أن بعض الجزائريين تأثروا بهذا المذهب في أعقاب نجاح الثورة الإسلامية في إيران وما حققه حزب الله من انتصارات في جنوب لبنان.

ولمعرفة أسباب تشيع بعض الجزائريين، يرى الأستاذ عبد الحفيظ غرس الله، وهو باحث في هذا الحقل " أن ضعف المؤسسة الدينية في تأطير المفاهيم السنية عقائديا وفكريا جعلهم لا يحملون في الغالب هوية سنية قارة "، معتبرا أن "الهشاشة الهوياتية الدينية تجعلهم يستهلكون كل النماذج الوافدة من الخارج خاصة تلك التي تخضع لاستراتجية قوية وتدعمها دولة وسياسة توسعية".

أما الباحث في الانتروبولوجية الدينية بجامعة تلمسان حمو فرعون، يعتقد أن "التشيع في منطلقاته وفي أصوله وفصوله هو مذهب سياسي وليس مذهبا عقائديا"، مؤكدا "أن عقائد الشيعة التي ظهرت متأخرة في التاريخ  قد أخذوها أصلا من المعتزلة".

واعترف فرعون "أن التصوف تعرض ويتعرض لمحاولة توظيف واستغلال من الشيعة، لكن من يخلط بينهم فهو جاهل بالتصوف وجاهل بالتشيع معا"، مبينا أن " التصوف عقيدة جامعة وعقيدة عابرة للأيديولوجيات والمذاهب والديانات".

ويتصور محدثنا أن عوامل انتشار المذهب الشيعي في الجزائر كان نتيجة "العولمة والثورة الخمينية وشعارات حزب الله وصراعه مع الصهاينة، وكذا تواجد جماعة حزب الدعوة العراقي في السبعينات والثمانيات بالجزائر"، وأكد فرعون لـ CNN بالعربية "التقيت بمثقفين جزائريين متبنين لهذا المذهب في وهران والعاصمة وباتنة، وغيرها من ولايات الشرق والجنوب الجزائري".

وبالعودة إلى تقرير الخارجية الأمريكية حول الحرية الدينية في الجزائر، يرجح أستاذ علم الاجتماع الديني بجامعة مستغانم مصطفى راجعي إغفال التقرير الأمريكي للحالة الشيعية بان " ليس للسفارة الأمريكية في الجزائر اتصالات مع المتحولين إلى الحالة الشيعية في الجزائر"، منتقدا بذلك الخارجية الأمريكية، فـ"رغم ما لديها من وسائل تعجز عن كتابة تقارير تمتاز بالشمولية و الدقة".