بعد تنامي التحرّش الجنسي.. هل يتفق البرلمان الجزائري على تجريمه؟

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
بعد تنامي التحرّش الجنسي.. هل يتفق البرلمان الجزائري على تجريمه؟
Credit: FAROUK BATICHE/AFP/Getty Images

تقرير: حمزة عتبي

الجزائر (CNN)-- اهتزّت قبل أيام، بلدة "مقرة" بولاية المسيلة (270 كلم عن العاصمة الجزائر) على وقع جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها الشابة "رزيقة شريف" في عقدها الثالث، ذنبها الوحيد أنها رفضت الإذعان لتحرشات رجل كان يقود سيارته أراد بأي ثمن أن تستسلم له، فالمجرم اغتنم فرصة خروج الفتاة من عملها ليقوم بضربها في الشارع ويدهسها بسيارته مما تسبب في وفاتها.

هذه الحادثة أعادت إلى سطح النقاش مجددا مشروع قانون العقوبات، الذي يتضمن أحكاما عن التحرش الجنسي، المجمّد على مستوى مجلس الأمة منذ شهر مارس/آذار من العام الجاري، في ظل انعدام مبررات مقنعة، لاسيما أن القانون صودق عليه في الغرفة السفلى (المجلس الوطني الشعبي)، وأثار الكثير من اللغط الإعلامي بعد انسحاب أحزاب وامتناع أخرى عن التصويت.

تكرّر حالات التحرش الجنسي بالجزائر مع ما يحيطها من التكتم لارتباطها بالخوف الاجتماعي، دفع العديد من المنظمات للمطالبة بسن تشريع أو قانون يُجرمها ويحد منها بعد تناميها بطريقة متسارعة، بسبب تكريس سياسة اللاعقاب وعدم صرامة الدولة لانعدام قوانين رادعة، ممّا أسّس لسياسة الإفلات من العقاب وتدّني القيم الأخلاقية لجزء من المجتمع الجزائري.

فقبل سنة 2004، لم يكن التحرش الجنسي مُجرّما في القانون الجزائري إلى غاية تعديل قانون العقوبات في نهاية تلك السنة، بحيث وردت فيه أحكام تجرّم هذا الفعل في مواقع العمل فقط، إلا أن هذا لم يشفِ غليل المنظمات الحقوقية والنسائية التي لازالت تطالب بحماية أكثر للمرأة وخاصة في الأماكن العامة نظرا لتنامي الظاهرة .

مشروع القانون المطروح على البرلمان، تضمّن إجراءات جديدة لحماية المرأة من كل أشكال العنف والتحرش، وذلك تنفيذا لأوامر رئيس الجمهورية الذي أكد في رسالته الأخيرة بمناسبة عيد المرأة المصادف لـ 8 مارس/آذار بأنه "أوعز للحكومة بإدخال تحسينات على النصوص التشريعية الخاصة بحماية المرأة وذلك بتعديل قانون العقوبات في أحكامه المتعلقة بالعنف الممارس عليها".

ولم يسبق للجزائريين وأن أبدوا اهتمامهم بقانون ما، كما هو الشأن بالنسبة لقانون العقوبات الذي فتح النقاش واسعا وسط تضارب وجهات النظر حوله، بين من يعتقد أن الحكومة تريد الرفع من قيمة المرأة على حساب الرجل والمطالبة بسحبه ومن يرى ضرورة التعجيل باستصداره ليضع حدا لانتشار الظاهرة.

ووفقا لتصريحات العديد من نواب مجلس الأمة التابعين لأحزاب الموالاة لـ CNN بالعربية، فإن مشروع قانون العقوبات سيُطرح للنقاش مباشرة بعد المصادقة على قانون المالية الذي يجري مناقشته هذا الأسبوع، مؤكدين أن أسباب تأخر المصادقة عليه هي سياسية.

أما برأي الحقوقي مصطفى بوشاشي، فإن سن القوانين ليس حلا ، واعتبر أن الإشكالية هي قضية مجتمع وليست قانون، فحسبه نحتاج إلى تربية أكثر من القانون والتشريعات "القانون يساهم ولكن يجب تربية الناس على احترام المرأة".

و تُعد المادة التي تتحدث عن صفح المرأة  التي تضع حدا للمتابعة القانونية للمتحرش من أبرز النقاط التي اعترض عليها حزب العمال (حزب يساري معارض يتبنى المبادئ التروتسكية)، وقدم بخصوصها تعديلات ويقرر بعد ذلك الامتناع عن التصويت عليه خلال عرضه على المصادقة في الغرفة السفلى والدعوة إلى "سن قوانين رادعة"، حسب ما أكده لـ CNN  بالعربية البرلماني عن الحزب جلول جودي.

في مقابل ذلك، اتهم لخضر بن خلاف نائب عن حزب جبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي معارض) الحكومة بتنفيذ أجندة غربية أملتها أطراف أجنبية لتمرير المشروع، معتبرا أن القانون جاء لمعالجة مشاكل غير موجودة في المجتمع الجزائري، وأضاف بن خلاف "الأحكام الواردة فيه جاءت لمعاقبة الرجل فقط وكأن المرأة لا تتحرش بالرجل" .

ورغم أن الأحزاب الإسلامية طالبت بسحب المشروع، فان الأحزاب الموالية لرئيس الجمهورية تعمل على إعادة تحريكه والسعي من أجل تمريره بكل السبل، بعدما أحدث جدلا واسعا خلال المصادقة عليه في المجلس الشعبي الوطني "بدون اكتمال النصاب القانوني".

تخصيص بعض المواد مرفقة من حيث مناسبة التعديل بمواد متعلقة بالعنف ضد المرأة، كان سببا كافيا لحركة مجتمع السلم "حمس"، أكبر حزب معارض، لرفض التعديلات لأنه حسبها "أساء للتعاطي التشريعي مع ظاهرة التحرش الجنسي".

وبررت البرلمانية سميرة ضوايفية موقف حزبها قائلة "بعض المواد لا تعبر عن حجم الظاهرة وحقيقتها "، ومن اجل وقف تنامي التحرش الجنسي دعت ضوايفية إلى إفراد الظاهرة عناية خاصة وتشريعات منفصلة بعيدا عن تلك المتعلقة بالأسرة.

وتوجد الحكومة الحالية في حرج تجاه مشروع قانون العقوبات الذي يتضمن أحكاما عن التحرش الجنسي، فمن جهة، أرادت تحسين صورتها في الخارج عبر سن قوانين قريبة من قوانين غربية، ومن جهة ثانية، تحاوب استرضاء المنظمات النسائية في الداخل، ومن جهة ثالثة تبحث عن استمالة الأحزاب الإسلامية بعد تجميده على مستوى مجلس الأمة، فلهذا الحكومة الجزائرية ستجد نفسها في النهاية ملزمة بكسب طرف والتضحية بباقي الأطراف.