رأي.. مع حلول عيد الميلاد فلنتذكر أن المسيح كان لاجئاً

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
بالأرقام والصور: لاجئو العالم 59 مليونا.. أزمة فاقمتها الحرب السورية وأوروبا الوجهة الأولى

مقال رأي لجاي باريني، وهو شاعر وكاتب، يُدرّس في كلية ميدلبري في ولاية فيرمونت الأمريكية، وهو مؤلف كتاب المسيح: الوجه الإنساني لله".. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)- بالتزامن مع حلول عيد الميلاد، يبدأ أكثر من مليار شخص في العالم من المسيحيين بإعادة التركيز بطريقة معينة، والتفكير في معنى هذا الاحتفال المقدس.. ويفعلون ذلك، بطبيعة الحال، بدرجات متفاوتة من الشدة.

بالنسبة للبعض، إن كل ما في الأمر هو قرع الأجراس وتبادل الهدايا، وربما قبلة تحت الهدال، وعادة ما تكون هناك شجرة مزينة بالأضواء والحلي، وقد تُشعل الشموع قرب النوافذ، وقد يلعب بابا نويل أو "سانتا كلوز" دوراً أكثر أهمية من المسيح في حياة العديد منهم.

ولكن أولئك الذين يهتمون بممارسة دينهم، يُبقون المسيح محور الاهتمام، فذكرى ولادته وقصته هو السبب لعيد الميلاد، ورسالته يجب أن تغّني بصوت عال خلال هذا الموسم.. إنها قصة مؤثرة، بها عناصر من الفرح والإرهاب.

تأتي عائلة شابة من الجليل إلى بلدة صغيرة كغرباء، الأم حامل، و"لا مكان لهم في النزل" (لوقا 2: 7). وعند ولادة الطفل، يأتي السحرة، للبحث عنه من الشرق ليعبدوه، بعد أن أخبروا عن غير قصد ملكا شريرا عن هذا المولود وإمكانياته العظيمة. ويريد الملك قتله، لأنه يعتقد أن الطفل قد يكون ندا له في المستقبل. ويظهر الملاك لجوزيف، ويقول له أن يهرب مع عائلته الصغيرة ويختبأ في مصر. ويُصبح حينها لاجئا، هاربا طوال حياته.

شاهد بالصور.. أجواء عيد الميلاد من أبرز مدن العالم

تُظهر قصة عيد الميلاد في إنجيل "متى" و"لوقا"، وفي "متى" تُبرز القصة جانب الرعب والهروب، حيث يأمر الملك القاتل بالذبح الفوري لجميع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن السنتين في محيط مدينة بيت لحم (متى 2: 16-18).

وذلك أمر يوجد في سجلات الإرهاب، ورغم أن الصحة التاريخية لذلك ليست بالقدر الذي قد يرغب به المرء، إلا أن هناك نقطة أسطورية حقيقية، لا يمكن إنكارها: دخل المسيح إلى هذا العالم المضطرب تحت التهديد.

كتب الشاعر والراهب، توماس ميرتون، عن مشهد المهد في بيت لحم: "في هذا العالم، وهذا النزل المجنون، الذي لا يوجد فيه أبدا أي متسع له على الإطلاق، أتى المسيح دون دعوة".

إنه بسبب وضعه المدقع، المولود الهارب، اللاجئ الذي عليه الفرار مع والديه إلى مصر هربا من الاضطهاد والموت، يقف المسيح مع جميع اللاجئين السياسيين، وجميع من هم يشعر باليأس من وجود مكان لوضع رؤوسهم. المسيح حاضر دائما مع هؤلاء الذين، كما يقول ميرتون، "ليس لهم أي متسع."

أنا أحب قصة عيد الميلاد في أبعادها المرعبة والجميلة، المسيح هو إنسان يُنطقه الله، وهكذا يصبح، بالتعبير اليوناني، "كريستوس"، أو "الممسوح"، وهو الشخص الذي يسكن فيه الله، كما في كلمة عمانوئيل والتي تعني بالعبرية "الله يسكن داخله".

عيد الميلاد هو، بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في متابعة طريق المسيح، دعوة للقبول في حياتنا المريحة والآمنة أولئك الذين يأتون إلينا من بعيد، مستنزفين وعلى هامش المجتمع وفي مرحلة انتقالية. هذه هي الطريقة التي يجدنا بها الله، في هذا الوقت المظلم جدا من السنة، والانقلاب الشتوي، عندما تتقلص ساعات النهار إلى الحد الأدنى من نورها. إنه يأتي يطرق الباب، يبحث عن ملاذ، عن مكان للراحة والتعافي.

شاهد أيضا.. عائلات هاربة من الرمادي تعلق وسط عاصفة رملية بعدما أغلق الطريق باتجاه بغداد

في (يوحنا 8:12) يدعو المسيح نفسه "نور العالم". هذا النور يضيء في أحلك أركان وجودنا في منتصف الشتاء الكئيب، ويقدم بريقا من الأمل، إنه الضوء القادم من مكان غير متوقع.

لا أعتقد أنه من الممكن أن نتخيل مسيحا لا يُرحب باللاجئين بأذرع مفتوحة، لا يُحارب الكراهية بالحب، لا يفهم أن "الحرب على الإرهاب" - سواءً كان ذلك ضد عرش هيرودس الكبير أو أبو بكر البغدادي، هي في الأساس حرب أيديولوجيات.

لا يمكنكم هزيمة داعش بالسلاح، أو بالجنود على الأرض، أو بالقصف أو أي تهديدات انتقامية، نتغلب على الظلام بالنور، وهذه ليست فكرة غامضة أو ضعيفة أو "ليبرالية".

إنه الواقع الذي علمنا إياه المسيح، منذ أكثر من ألفي عام. وفي كل عام في عيد الميلاد، يأتي إلينا في هيئة طفل هارب مع والديه الفقراء والمذعورين. إنه يطرق على باب منزلنا وقلوبنا، وإما أن نُدخله أو نعرض عنه.