إنهم يضربون حقوق الإنسان بالحائط- رأي لجواد مبروكي

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير جواد مبروكي
إنهم يضربون حقوق الإنسان بالحائط- رأي لجواد مبروكي
Credit: getty images

هذا المقال بقلم جواد مبروكي، ولا يعبّر عن وجهة نظر CNN

-- شرعت وزوجتي في دراسة نفسية حول تصرفات السجناء استجابة لطلب من المنظمة لحقوق الإنسان. قمنا بهذه الدراسة في عدة دول. في الشهر الماضي طلبت منا نفس المنظمة القيام بزيارة لسجن حماد ، بجزيرة اليمنون في خليج عدن.

نفسية السجناء متماثلة في كل سجون العالم التي زرناها: العنف، التنظيم 'المافيوزي' والتراتبية هي نفسها داخل كل سجن. في السجن قانونان: أحدهما موضوع من طرف إدارة السجن والآخر موضوع من طرف منظمة السجناء. للسجناء عدالتهم الخاصة بهم القائمة على الظلم والتعذيب والعنف.

لاحظنا يوميا في السجن، رجلا يمشي مستعينا بعكازين، ذا لحية بيضاء رغم صغر سنه، حريصا على النظافة، رزينا ، لطيفا، ذا وجه بشوش، ينطق ببراءة الرضيع، مهذبا، خدوما، يفيض منه الخير والمحبة.

كل السجناء يكلمونه بكثير من الاحترام، يستشيرونه في الأمور الشخصية ويجدون فيه ما يبعث فيهم الاطمئنان الروحي والإنساني.

زوجتي تقول لي إن هذا الرجل لا بد أن يكون رجل دين جاء لمساعدة السجناء ومؤازرتهم معنويا. منعتنا إدارة السجن من الاقتراب منه دون أن تقدم أي توضيح. احترمنا القانون وبالتالي لم نحاول التعرف عليه خلال شهور بحثنا النفسي الستة.

في اليوم الأخير من دراستنا، شكرنا جميع السجناء قبل توديعهم، غير أن رئيسهم وعصابته، دعونا إلى مكان منعزل.

الرئيس: لن تغادرا دون أن تعرفا أي شيء عن حماد.

زوجتي: من حماد؟ هل تتحدث عن سجن  حماد ؟

الرئيس: أحدثكم عن الرجل صاحب اللحية البيضاء والعكازيْن.

زوجتي: آه، تريد أن تتحدث عن رجل الدين، ذلك المحترم، لكنه ليس سجينا.

الرئيس: سيدتي، إنه في السجن منذ أكثر من عامين وقد يحكم عليه بالإعدام.

شعرت زوجتي بوعكة شديدة. أسرع أحد السجناء لإحضار مقعد لها بينما أحضر آخر ماء ينعشها ويسقيها. أما أنا فقد أخذتني الحيرة والقلق، وأحسست أنه  لو حدث لي توعك أو إغماء، خير من أن أعيش ألم سماع هذا الخبر ورؤية صدمة زوجتي التي استفاقت منها بعد لحظات.

ـ كيف يمكن لرجل لطيف رزين جذاب كالمغناطيس، يشرق بالخير والمحبة أن يرتكب عملا شنيعا ليحكم عليه بالإعدام؟

ـ لا سيدتي، حماد رجل بريء، لم يرتكب شيئا شنيعا. منذ وصوله إلى السجن، وسلوكه مثل ولي صالح، ملاك، في حالة دعاء دائما، طيب ودائم الابتسام رغم التعذيب الذي تعرض له، والحرمان من رؤية زوجته وأبنائه. أنا، سيدتي، أستحق السجن، لست طبيبا نفسيا ولكن أعرف عقلية السجناء، حماد سجين مزور، ليس له مكان هنا، إنه ملاك نحبه جميعا ونحترمه لطيبوبته، لفضائله الروحية، لشجاعته وثقته في الإنسان. حماد لم يعاملنا أبدا كأشرار، بالعكس، يعاملنا بالمحبة ويدعو من أجلنا ويحاول أن يساعدنا بجميع الوسائل. إليه يرجع الفضل في أن هذا السجن بدأ يعيش أكثر فأكثر الطمأنينة والسلام، لقد قد نقل لنا عدوى طاقته الروحانية.

ـ لكن لمَ هو سجين؟

ـ الظلم والكراهية وعدم التسامح

 ـ لكن لأي سبب سجن؟

ـ لأنه يؤمن بالله سيدتي

ـ وماذا في ذلك؟ إنه ليس جريمة؟

ـ أي، نعم سيدتي، حماد يؤمن بالله العادل الطيب، إله جميع الأديان وجميع الناس.

ـ عفوا سيدي، إني لم أتمكن من فهم ما تود قوله؟

ـ حماد يؤمن بدين آخر، يختلف عن دين حكومة اليمنون، هل تريدين معرفة ما هو هذا الدين؟

ـ ليس مهمّا الدين أو العقيدة، إنه غير مقبول ولا مستساغ أن يسجن شخص بسبب قناعاته الدينية. إنه عدم التسامح الذي لا يقبله أي دين أساسا. كيف يمكن أن ندّعي الإيمان ونسجن شخصا من أجل إيمانه، لم يقل أي دين بهذا الحكم.

ـ سيدتي، هنا في السجن، حماد هو الوحيد الذي له دين مختلف عن ديننا، ونحن نحترمه، ليس من أجل دينه، ولكن من أجل سلوكه وقيمه الروحانية. حماد لا يرى أي فرق بيننا وبينه، هو أقرب منا مما نحن قريبين من بعضنا البعض. حماد هو مواطن يمنوني، خدم بلده دائما وهو مستمر على ذلك حتى في السجن.

ـ لكن ماذا عسانا نفعل؟

ـ من أجل هذا قررنا أن نحدثكما قبل مغادرتكما. نلتمس منكما أن تبلغا هذا التصريح للجنة حقوق الإنسان. يمكنكما  قراءتها لاحقا، على راحتكما. كتبناها كمواطنين يمنونيين، ولو أننا سجناء في السجن، نريد أن يكون الحق في حرية الفكر والعقيدة محترما في وطننا.

ـ هل يمكن أن نفعل شيئا آخر من أجلكم؟

ـ نعم سيدتي، ِأن تعدي بأن تفعلي كل ما يمكن من أجل إطلاق سراح حماد، جميع السجناء مستعدون للشهادة من أجله، لنبرهن أن حماد سجين مزور، وأن حماد رجل صالح. إذا حكم على حماد بالإعدام، فليحكموا علينا نحن أيضا بالإعدام.

ـ أعدكم أننا سنعمل ما في وسعنا من أجل ملتمسكم.

ـ زيادة في إكرام براءة حماد، أطلقنا اسمه على هذا السجن " سجن حماد"

خرجنا من السجن، وفتحنا الملتمس وقرأنا مطلعه:

 "إن مصدر قلقنا ليس خوفا من حبس أو خشية عقاب إذ "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".  إن مصدر قلقنا هو ما آلت إليه الأمور في بلدنا الحبيب بحيث يصبح بإمكان فرد واحد او عدد من الأفراد أن يعتدواعلى حقوق الأبرياء ويضطهدوا الآمنين ويستغلوا مناصبهم وسلطاتهم للظلم والاعتساف ضاربين بحقوق المواطنة وحقوق الانسان عرض الحائط".