رأي: ما الفرق بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة؟

العالم
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير عبد اللطيف الحاجي
رأي: ما الفرق بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة؟
Credit: AFP getty imaes

هذا المقال بقلم الباحث في علم الاجتماع المغربي، عبداللطيف الحاجي، ولا يعبّر عن رأي شبكة CNN

--منذ سنة 2008 وإلى حدود سنة 2011 وخطاب حزب العدالة والتنمية المغربي كان موجها دائما ضد حزب الأصالة والمعاصرة باعتباره وافدا جديدا جاء ليسبّب ضررًا للحياة السياسية بالمغرب. وعزز هذا الخطاب ورفع من حدته ما عرفته سنة 2011 من بروز حركة 20 فبراير ورفعها لشعار "ارحل" في وجه العديد من الشخصيات السياسية من ضمنها "فؤاد عالي الهمة" باعتباره -من طرف الحركة- مهندس حزب الأصالة والمعاصرة.

ومباشرة بعد تعيين هذا الأخير مستشارا للملك محمد السادس وانسحابه من الممارسة السياسية المباشرة، انبرى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية "عبدالإله بنكيران" للتصريح بأن حزب الأصالة والمعاصرة أصبح حزبا عاديا يدخل مجال المنافسة السياسية مجردا من الدعم الذي كان يحظى به سابقا، وزادت التطمينات من طرف السيد "بنكيران" بعد فوز حزبه بأغلبية المقاعد البرلمانية خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وما تلاها من تشكيل حكومة وفقا لمقتضيات الدستور الجديد الذي ينص على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأغلبي، وهكذا أصبح السيد "عبدالإله بنكيران" أول رئيس للحكومة وفق التسمية الجديدة حسب منطوق الدستور وبصلاحيات أوسع (دستورية طبعا).

اليوم، وعلى مرمى حجر من الانتخابات التشريعية الثانية بعد دستور 2011، يعود حزب العدالة والتنمية إلى خطابه السابق، ويوجه سهام نقده وتركيز صراعه على حزب الأصالة والمعاصرة، متهما إياه أحيانا "بالتحكم" وواصفا له أحيانا أخرى بكون أعضائه هم "التماسيح والعفاريت" التي ظل السيد "بنكيران" يقول دائما بأنها تعيق عمله الحكومي. وفي المقابل لا يتوانى حزب الأصالة والمعاصرة في مبادلة الحزب العداوة بمثلها والتهم بتهم أخرى مماثلة، خصوصا، خلال مؤتمر حزب الأصالة والمعاصرة الأخير، الذي صرح بعده الأمين العام الجديد للحزب السيد "إلياس العماري" بأن حزبه "جاء ليساهم في مواجهة الإسلاميين دفاعا عن المسلمين"

هنا نتساءل: "ما الفرق بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة؟"، و"ما حقيقة الاتهامات التي يتبادلها الحزبان على بعد أشهر من الانتخابات التشريعية؟"

يتهم حزب الأصالة والمعاصرة نظيره العدالة والتنمية باستعمال الدين في السياسة للوصول إلى أهدافه والتأثير على الناخبين، والحقيقة أن الكثير من خطباء المساجد –وإن لم يكونوا محسوبين على العدالة والتنمية- فإنهم يخرجون بتصريحات من فوق منابرهم تدعو بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التصويت على العدالة والتنمية وتلمح أو تصرح (أحيانا) بتكفير بعض أعضاء الأصالة والمعاصرة وأحيانا بعض الأحزاب الأخرى على خلفية بعض التصريحات حول قضايا خلافية كالإرث مثلا والتي يتقدم بها بعض أعضاء الأصالة والمعاصرة أو أحزاب أخرى في إطار مؤسسات جمعوية أو تلبس لبوسا حزبيا في بعض الأحيان (الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، مثلا، بخصوص الإرث)؛ إلا أن حزب الأصالة والمعاصرة أيضا وإن كان يصرح بالدعوة إلى فصل الدين عن السياسة، إلا أنه –في نظري- يسقط في الوصل لا الفصل، خصوصا حينما يصرح أمينه العام بأنه جاء لمواجهة الإسلاميين حماية للمسلمين، ذلك أن الحزب السياسي الذي يفصل الدين عن السياسة من المفترض أن يتحدث بمنطق "المواطنة" والدفاع عن المواطنين وليس المسلمين.

من جهة أخرى كان حزب الأصالة والمعاصرة من الداعين إلى التصويت على دستور 2011 بـ "نعم"، والدستور كان ينص صراحة على أن المغرب "دولة إسلامية" وهو نفسه ما يعتمد عليه حزب العدالة والتنمية للدفاع عن أطروحاته التي يتهمه فيها البعض باستعمال الدين في السياسة، ويؤكد هذا الحزب أنه يدافع عن الهوية المغربية، كما ينص الحزب الآخر على الموضوع نفسه، والهوية المغربية حسبهما معا، هي أن المغرب "دولة إسلامية"، يختلفان في تقدير الإسلام الذي يدافعان عنه، ولكنهما بالنهاية معا يستعملان الدين في السياسة، فكلاهما يدافع عن الدين الإسلامي من وجهة نظره، كما تتحدث كذلك جهات أخرى من بينهما –مثلا- العدل والإحسان عن الدفاع عن الدين الإسلامي ولكن بوجهة نظر مختلفة.

من بين الاتهامات التي يوجها حزب العدالة والتنمية لنظيره الأصالة والمعاصرة، هو كون هذا الأخير صنيعة الدولة، ولا أدري تحديدا "ما المقصود بالدولة؟"، ولكن ما أعرفه هو أن العدالة والتنمية لا يريد أن يكون صريحا في اعتبار الحزب صنيعة القصر، غير أن بنكيران كان يوجه كلامه مباشرة خلال 2011 للملك محمد السادس في المهرجانات الخطابية مذكرا بما يحدث على الصعيد الإقليمي وبأن ما أدى إلى ما حدث هو صنع أحزاب شبيهة بالأصالة والمعاصرة، وهو اتجاه ضمني وواضح إلى الملك لكي يثني "فؤاد عالي الهمة" عن ممارسة الحياة السياسية عبر هذا الحزب.

وهنا وجب التذكير أن المسار التاريخي لتأسيس العدالة والتنمية شبيه جدا بمسار تأسيس الأصالة والمعاصرة. كتب ذات يوم واحد من مناضلي حزب العدالة والتنمية مقالا يتحدث فيه عن تاريخ الحزب، ويقول بأنه تأسس سنة 1967 من طرف المناضل المرحوم "عبدالكريم الخطيب" والذي كان يحمل إسم "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية". وهذا الكلام مغلوط تماما، لأن حزب عبدالكريم الخطيب، انشق عن حزب الحركة الشعبية بقيادة "المحجوبي أحرضان" في خلاف سياسي حول قرار الملك الراحل الحسن الثاني  حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ سنة 1965، وبالتالي فالمحجوبي أحرضان والراحل الدكتور الخطيب متساوين في خدمة العرش، هذه الخدمة هي التي أوحت للدكتور الخطيب بفتح حوار مع فصائل الحركة الإسلامية بما فيها جماعة العدل والإحسان في فترة معينة لإقناعهم بخوض العمل السياسي عبر حزب مرخص له، وهو ما جعل جزءا كبيرا من مكونات الحركة الإسلامية تلتق بشكل شبه جماعي بحزب الدكتور الخطيب ويتحول إسمه إلى حزب العدالة والتنمية لاحقا.

من غير الممكن نكران انضمام "الحركة الإسلامية" حزب الدكتور الخطيب بإيعاز من القصر الملكي، كما لا يمكن نكران كون حزب الأصالة والمعاصرة قد تأسس بإيعاز من القصر أيضا وكان الهدف ضم مجموعة من اليساريين الذين كان البعض منهم منخرطا في تجربة "الإنصاف والمصالحة"، وأغلبهم كان ضمن منظمات يسارية سرية خلال سبعينيات القرن الماضي وكانوا معتقلين سنوات الجمر والرصاص، إلى مجموعة من الأعيان وخليط غير متجانس من البرلمانيين المنتمين إلى عدة أحزاب سياسية بلونها ترشحوا إلى البرلمان، والبداية كانت مع تأسيس "حركة لكل الديمقراطيين" التي ما كانت لتجمع ذلك العدد من البرلمانيين وينتقلوا إلى تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة لولا ارتباطه باسم "فؤاد عالي الهمة" وبإيعاز من القصر الملكي.

لا أعتقد أن في الموضوع مشكلا بالنسبة للحزبين معا ومعهما مجموعة من الأحزاب المغربية، ما دامت تجمع على أن الملكية فاعل أساسي في الحقل السياسي بالمغرب، ولم ينتقل المغرب بشكل فعلي نحو الملكية البرلمانية وما تقليص كبير لدور المؤسسة الملكية وصلاحياتها في الحياة السياسية، وبالتالي فكل هذا الصراع والاتهام والاتهام المضاد لا معنى له والحالة هذه.

في مستوى آخر، يرى الكثير من منتقدي حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم حزب الأصالة والمعاصرة بأن الحزب يعتمد على ذراعه الدعوي "حركة التوحيد والإصلاح" لتمرير العديد من رسائله، وكأن الأصالة والمعاصرة لا تعتمد على الكثير من الجمعيات التابعة لها والكثير من وسائل الإعلام لتحريك القضايا التي تخدمه.