أردوغان يكتب لـCNN: قادة المسلمين في القمة ليسوا سنة وشيعة

العالم
نشر
8 دقائق قراءة
أردوغان يكتب لـCNN: قادة المسلمين في القمة ليسوا سنة وشيعة
Credit: STR/AFP/Getty Images

مقال للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والمقال يعبر عن وجهة نظره.

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- يتحد كل الناس، بصرف النظر عن آرائهم السياسية أو جنسياتهم أو عقيدتهم الدينية أو خلفياتهم الثقافية، في الرغبة بالسلام والعدالة. وفعليا فإن تاريخ البشرية هو أيضا، بشكل ما، تاريخ من السعي لتحقيق العدالة والسلام.

وكان الإسلام أيضا جزء من هذا المسعى، إذ أن أصل كلمة الإسلام في العربية هي "السلم"، والإسلام هو دين يأمر أتباعه بتعزيز العدالة والعمل بالعدل في الحياة السياسية والتجارية والاجتماعية. ونتيجة لذلك، تُوّلي الدول الإسلامية في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط أهمية خاصة لقيم العدالة والسلام منذ 1400 عام.

وللأسف، يعاني العالم الإسلامي اليوم من ندرة كلا العدالة والسلام.

من سوريا إلى العراق، ومن ليبيا إلى فلسطين، ومن اليمن إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، يتوق الملايين من المسلمين للسلام والاستقرار والكرامة، في نضالهم من أجل البقاء على قيد الحياة. إذ تعيث الجماعات الإرهابية والأنظمة الدموية فسادا في المدن القديمة، وتدمر الأعمال الفنية والمكتبات والمساجد وغيرها من الآثار التاريخية للحضارة الإسلامية.

ويجري بالفعل سحق العالم الإسلامي تحت وطأة واحدة من أخطر التحديات التي تواجهه منذ الحرب العالمية الأولى، إذ تحرم النزاعات المسلحة والحروب الأهلية والحكومات الفاشلة والهياكل السياسية التي عفا عليها الزمن، العديد من البلدان الإسلامية من السلام والأمن. ويتفاقم كل ذلك، في سوريا وغيرها، من خلال التدخل العسكري ودعم الحكومات غير الشرعية، من قبل دول أجنبية معرفتها بالتاريخ والقيم في المنطقة وعلم الاجتماع ضئيلة أو معدومة.

وفي الوقت ذاته، تخلق الطائفية احتكاكا أكبر من أي وقت مضى بين المسلمين. وحقيقة أن العالم الإسلامي لا يزال يُصارع مشكلة حلتها أوروبا في القرن الـ17، هو أمر يستحق التفكير. إذ بطبيعة الحال، التوترات الطائفية متجذرة في الصراع السياسي الذي تُغذيه الجماعات التي يدفعها الجشع والمصالح الفورية. ولكن المثير للسخرية هو أن المستفيد الرئيسي من هذا الصراع الطائفي هو المنظمات الإرهابية وأعداء الإسلام.

وللأسف، يجد الكثير من المسلمين، وخاصة الشباب، أنفسهم عرضة بشكل خاص لرسائل الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" وتنظيم "القاعدة،" وهذه قضية لا يُمكن ولا يجب على الدول الإسلامية ألا تهتم بها.

شاهد.. انفوجرافيك: أبرز محطات حياة أردوغان.. ابن طرابزون الذي بات سلطانا

والحقيقة هي أن الإرهاب لم يعد تهديدا فقط لحفنة من الدول أو المناطق، بل تطور حتى غدا مشكلة عالمية، إذ أصبحت ضحاياه، أولا وقبل كل شيء، من الجاليات المسلمة في أوروبا وجنوب آسيا وغرب أفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية. وتعمل مصادر الشر تحت مسميات مختلفة، وتلتزم بأيديولوجيات مختلفة. ولكن ما لديهم من القواسم المشتركة هي الرغبة في تدمير ذكرى وقيم ومستقبل المسلمين في جميع أنحاء العالم.

وتزداد هذه المشكلة سوءا في المجتمعات الغربية، وخاصة تلك التي شهدت انتشار العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب والخوف من الإسلام، والتي تسيء إلى وتُرهب المسلمين. أحرقوا وخرّبوا المساجد والشركات المملوكة للمسلمين والمباني السكنية بشكل منظم في جميع أنحاء أوروبا. ولذلك من الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات لضمان عدم التعامل مع المسلمين، الذين كانوا في الواقع الهدف الرئيسي من الهجمات الإرهابية، كمشتبه بهم.

شاهد.. أردوغان لـCNN: كثير من الدول الأوروبية فشلت في الاهتمام بدعوتنا للاتحاد ضد الإرهاب

هنا في تركيا، نحارب "حزب العمال الكردستاني" (PKK)، المنظمة الإرهابية المعروفة عالميا، منذ 30 عاما، وفقدنا أكثر من 40 ألف شخص بسبب الإرهاب. وبعد أن علمنا عن كثب ما يريده الإرهابيون والدمار الذي يسببوه، نعمل بجد لإقناع المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم ضد الإرهاب.

وللأسف، في هذه الحالة، لم ينهض المجتمع الدولي ليأخذ موقفا ضد الجماعات الإرهابية التي تهدد كل واحد منا، إذ في شمال سوريا، "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي (PYD) و"وحدات حماية الشعب" (YPG)، الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني"، يُخضعون المجتمعات العربية والتركمانية المحلية والجماعات الكردية المتنافسة للهجرة القسرية والتطهير العرقي.

ومع ذلك سيكون خطأ فادحا أن نُفضل بين الجماعات الإرهابية ونخلق تمييزا وهميا بين "الإرهابيين الجيدين" و"الإرهابيين السيئين."

عبر استخدام هذه المعايير المزدوجة في الإرهاب، يشجع المجتمع الدولي الإرهابيين فقط ويقوّض الحرب العالمية على الإرهاب. الطريقة الوحيدة لهزيمة الإرهاب اليوم هي التعاون الوثيق وتعزيز التضامن بين المسلمين وبقية العالم.

ليس لدي أي شك بأن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الذين يجتمعون هذا الأسبوع في إسطنبول، سيجتمعون لقيادة الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب.

اقرأ.. أردوغان يمنح العاهل السعودي وسام الجمهورية التركية: سياسة الملك سلمان صمام الأمان للمنطقة

إذ يجب على المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يرفعوا أصواتهم ضد كل أشكال الظلم والوقوف مع المظلومين، ولا يجب أن تكون هوية الظالم والمظلوم عاملا في هذا المسعى. هذا هو سبب رفض تركيا ترك ضحايا النزاع في سوريا والعراق تحت رحمة الإرهابيين والأنظمة الجنائية. اليوم، يفخر الشعب التركي باستضافة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري وعراقي في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء الدولة. ونتعهد بتلبية احتياجات جيراننا حتى ينتهي العنف ويعود السلام في بلدانهم الأصلية.

وقد سهّلت منظمة التعاون الإسلامي النقاش حول مشاكل العالم الإسلامي والتشاور بين القادة المسلمين، وساعدت الدول الأعضاء في التوصل إلى قرارات هامة لما يقرب من نصف قرن. وقضية فلسطين والقدس، والتي تتجذر في قائمة قضايا منظمة المؤتمر الإسلامي، هي على رأس جدول أعمال قمة إسطنبول. وفي الوقت نفسه، نعتقد أن التصدي للتحديات الإقليمية، بما في ذلك الوضع في سوريا والعراق، يندرج ضمن مسؤوليات منظمة المؤتمر الإسلامي.

عندما يجتمع زعماء المسلمين هذا الأسبوع في إسطنبول، لن يأتوا بصفتهم شيعة وسنة وأفارقة وآسيويين وغربيين وشرقيين وسود وبيض أو أفراد جماعات عرقية مختلفة، ولكن عوضا عن ذلك، سننضم معا كأفراد مسؤولين على قدم المساواة من أجل رفاهية 1.7 مليار مسلم، وباقي البشر.

إذ يُشكل المسلمون نحو ربع سكان العالم، ولكن علينا أن نعمل معا في اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان أخذهم مكانهم المناسب في النظام العالمي. ومن الناحية العملية، يعني ذلك اعتماد خطة عمل منظمة المؤتمر الإسلامي لعام 2025، التي تحدد أهدافها الرئيسية للعقد القادم. وعندما ترأس تركيا منظمة المؤتمر الإسلامي لمدة عامين، سنبذل قصارى جهدنا أيضا لتحقيق هذه الأهداف.

تعتبر الحضارة الإسلامية البشر أكثر الكائنات نبلا، وتدعو القادة إلى "ترك الناس يعيشون لتبقى الدولة على قيد الحياة،" وبأخذ ذلك في الاعتبار، يتحمل الزعماء المسلمون عبئا ثقيلا. وأفضل طريقة لإدارة هذا العبء هي إعطاء مصالح المجتمع الإسلامي الأوسع الأولوية على المصالح الفردية حتى نترك أثرا بنّاءً في القرن الـ21.