اسمحي سيدتي.. لأية ديانة تنتمين؟ -رأي لجواد مبروكي

العالم
نشر
13 دقيقة قراءة
تقرير جواد مبروكي
اسمحي سيدتي.. لأية ديانة تنتمين؟ -رأي لجواد مبروكي
Credit: Wathiq Khuzaie/Getty Images

هذا المقال بقلم جواد مبروكي ولا يعبّر عن وجهة نظر CNN.

-- خلال السنوات الماضية، قمت رفقة زوجتي بإنجاز دراسة حول تصرفات أطفال كل قارات العالم.  وصلنا إلى جزيرة تسمى" كارفور"، وهي جزيرة بالقارة الثانية عشرة، تفاجأنا من هول ما وجدنا عليه هاته الجزيرة  من أجواء تطغى عليها مظاهر العدوانية، نبذ الآخر ، رفض تام لفكرة التعايش المشترك بسبب النزاع و الانتماء الديني المختلف .جزيرة يتواجد عليها أناس ينتمون إلى ما يزيد عن 230 ديانة.

في هاته الجزيرة توجد سيدة تسمى " تفاؤل- خانوم " .هاته السيدة تحمل رسالة نبيلة مضمونها نشر قيم التسامح والتعايش في "كارفور". بعد انتهاء أشغال بحثنا قمنا بزيارة هاته السيدة :

انبهارنا بهاته السيدة لا يوصف بتصرفاتها الرزينة و حركاتها الأنيقة. سيدة لها من الجمال الحظ الأوفر .. نظرات ثاقبة من عينين كأنهما اللؤلؤ و المرجان ، تضع منديلا شفافا على شعرها لا يقدر على تغطية بعض خصلات شعرها المتمردة.. تنظر إلي زوجتي المندهشة من كرم و رقة وأناقة و ونخوة هاته السيدة ، بنظرات كلها رسائل، لتسألني بنظرة مندهشة أهي ملكة في خدمتنا !!

" تفاؤل- خانوم " : اسمحولي أن أطلب منكم إطلاعي على ما جاء في خلاصات أبحاثكم حول سلوك وتصرفات أطفال كارفور .

زوجتي : بكل فرح سيدتي. لقد خلصنا في دراستنا أنه لا يوجد فرق بين أطفال كارفور و أطفال باقي قارات العالم ، لقد لاحظنا أن كل الأطفال لهم نفس السلوك والتصرفات فيما بينهم.,يغيبون هويتهم الدينية باعتبارها ليست لها أهمية في حياتهم  اليومية، لا يولون اهتماما لا للون ولا للجنس ولا للمستوى المعيشي .. ابن حبر الكنيسة يلهو ويلعب مع ابن إمام المسجد، يتعايشون وكأن لهم نفس الأب و الأم ،لكن ما لا نفهمه هو ما أن يصل هؤلاء الأطفال إلى سن المراهقة حتى يتغير سلوكهم و يصبحون متعصبين و غير قابلين لفكرة ومبدأ العيش المشترك  مع الآخر بسبب اختلاف المذهب و الدين والعقيدة و كأن تحولا جذريا يطرأ عليهم .

" تفاؤل- خانوم ": أكيد هناك شئ يحصل لهؤلاء الأطفال عند بلوغهم سن المراهقة ولعل الإجابة لديكم باعتباركم أخصائيين نفسيين .

زوجتي : أكيد هناك خطأ ما على مستوى التربية ،أعني أن التربية مبنية أساسا على الوازع الديني والمذهبي العقائدي.

" تفاؤل- خانوم " : عن أي تربية تتحدثين سيدتي؟

زوجتي : التربية التي يلقنها الآباء و المؤسسات التعليمية للأطفال .

" تفاؤل- خانوم " : "باهتمام كبير و رغبة في رفع سقف النقاش " بإمكانك تنويـري أكثــرسـيدتــي؟

زوجتي : سيـدتي يتبين لنا أن الطفل خلال تنشئته يأخذ مبادئه و يكتسب من محيطه ومن الجماعة التي ينتمي إليها حيث يبدأ الآباء بتلقين الطفل قواعد الدين الذي يؤمنون به وهو شيء إيجابي،لكن الخطير في الأمر أن الآباء خلال هاته المرحلة يلقنون أبناءهم الدين على أساس مبدإ المقارنة، أي أن من هو على دينهم فهو صائب ، إنه على حق و من هو على غير ديانتهم باطل، و بالتالي جهنم وبئس المصير، مما يجعل الحدود ترسم والهوة تكبر و التعايش يستحيل ..

حسب تجربتك أنت سيدتي كيف يمكن لهؤلاء الأطفال أن يتعايشوا بسلام و صفاء و دون أفكار رجعية في عالم أمثل يسوده الحب و التسامح في انسجام وتناغم كورد حديقة اختلفت أصنافه وألوانه لكن الجمال واحد و الغاية واحدة؟

تقوم " تفاؤل- خانوم " بأناقة ملكية و تواضع تام ترفع إبريق الشاي الـلـذيــذ المنسم بالياسمين و تسكب لنا مرة أخرى لتعود لمكانها و تأخذ وقتها في تذوق الشاي وكأنها تتذوقه لأول مرة ، ثم ترفع رأسها وكأنها تتأكد إن كانت قد أحسنت الضيافة، وهل نحن مرتاحان أم في حاجة لشئ ما ، تم تجيب زوجتي عن سؤالها .

" تفاؤل- خانوم " : الطفل ليس  صفحة بيضاء يكتب وينقش عليها الآباء ما يرونه جيدا للطفل ، الطفل ليس حاسوبا تتم برمجته لينجز ما طلب منه ، الطفل ليس مزهرية يتم تزيينها بما يطيب للآباء .

زوجتي : اعذرينيسيدتي لكن لطالما اعتبرنا أن الطفل صفحة بيضاء نملأها بما نراه مناسبا له منذ الخمس و الست سنوات .

" تفاؤل- خانوم " : نعم سيدتي هذا ما يقال لكن علم النفس علم لازال في شبابه لن يبلغ بعد درجة النضج الكافي و بالتالي فهذه النظريات وجب إعادة تحيينها ،و الدليل على ذلك ما نلاحظه من جيل لآخر: نفس التربية  نفس العقلية نفس التصرفات ، و بالتالي فقد حان الوقت لنستفيد من تجاربنا و نعيد النظر في تلك النظريات ومضمونها لنجعلها تتماشى مع واقع الحال ،و هذا ما أتمناه أن يحصل هنا " بكارفـور" ليعم السلام والحب و الطمأنينة، لنسمع أنشودة واحدة بألحان التعايش و كلمات السلم و الود كأوراق شجرة في تلاحمها و زهور حديقة في تناغمها .

زوجتي : حدثيني سيدتي عن مشروعك وكيفية تنزيله فأنا جد متعطشة لأسمع وأفهم منك .

" تفاؤل- خانوم ": سنشخص الوضع سيدتي جميعا لنفهم الأمور جيدا .. الطفل عبارة عن منجم ألماس ... يولد الطفل بقدرات غير محدودة مزروعة ومدفونة بداخله هكذا خلقه الخالق و بالتالي الطفل ليس منجما فارغا أو صفحة بيضاء .

زوجتي : لكن سيدتي كيف يتم التعبير عن هاته القدرات من طرف الأطفال ؟

" تفاؤل- خانوم " :لاحظي معي سيدتي جيدا .. واجهة مدخل كل منجم هي عبارة عن أكوام من التراب و الصخور الصلبة، و لاستخراج ما يكتنزه هذا المنجم من ألماس فنحن بحاجة لمنقبين و عمال مناجم و لأدوات وإمكانيات وتقنيات تتيح لنا الوصول لما بداخل هذا المنجم من ثروة .

زوجتي : اعذريني سيدتي لكن لا أرى أي علاقة بين قدرات الأطفال ومواهبهم وتربيتهم و بين المنجم والألماس  والأدوات وآليات التنقيب عن الألماس الذي تتحدثين عنه ؟

تنظر إلينا رجاء خانومللحظات طويلة بنظرات واثقة ولطيفة كلها ثقة في النفس ما يعكس مدى حكمتها و وقلبها الطيب وتتابع كلامها لتزيد إبهارنا بحكمتها الروحية.

" تفاؤل- خانوم " : انظري سيدتي .. المنجم هو الطفل ، وقدراته ومواهبه هي الألماس ،أي أن الخالق منذ ولادتنا أكسبنا المحبة والمودة والرحمة والكرامة والصدق و الكرم والرحمة و الضيافة و كأنها جينات تولد مع الطفل منذ نعومة أظـافـره، و لكي تظهر هاته القدرات في الطفل يجب توفـير آليات وأدوات  لدى الآباء والأمهات وهي مهارة تلقين تربية روحية كفيلة بصقل و إخراج هاته القدرات الخاصة.

زوجتي : اتضحت لي الآن الرؤيا، لكن أظن أن كل الآباء لهم الأدوات والآليات التي يستعملونها في تربية أبنائهم، و رغم ذلك، بقى الوضع على ما هو عليه هنا "بكارفور" .

" تفاؤل- خانوم ": سيدتي لا يكفي امتلاك الأدوات و الآليات للتنقيب داخل المنجم لاستخراج الألماس فقط ،هناك كذلك مهارات  تلقن للاستعمال بكيفية أفضل لتلك الأدوات و الآليات للتمكين من استخراج ما بداخل الطفل من قدرات .

زوجتي :  اعذريني سيدتي لكن الأمر يصيح أكثر تعقيدا .. من جهة الآباء في حاجة إلى أدوات وآليات لتلقين أبنائهم ومن جهة أخرى الآباء في حاجة إلى تكوين لتعلم كيفية استعمال هاته الآليات والأدواتلتلقين محكم للتربية الدينية لأبنائهم!! صراحة تهت لأني لم أسمع يوما أن على الآباء أن يتعلموا كيفية تربية أبنائهم،  في هكذا حالة أترين أنه يجب أن تكون هناك مدراس لتعليم الأبناء و أخرى لتعليم الآباء ؟

" تفاؤل- خانوم " : أعتذر سيدتي إن كنت قد أرهقت تفكيرك ، صحيح أنه لم يسبق للمسؤولين على قطاع تربية الأبناء أن اجتمعوا بغية تحديد أدوات ومناهج للتربية الروحية لكل الآباء و الأطفال في كل مناطق العالم على اختلاف دياناتهم ، عادة كل دولة أو ديانة لها برنامج خاص بالتربية موجه للأطفال تكون أرضيته الأساسية قائمة على التوجهات الدينية ما يخلق أوتوماتيكيا و بشكل غير مباشر نوعا من المقارنة بين هذا الدين وذاك بين هاته العقيدة وتلك و بالتالي تربى أفكار خاطئة عن ديانات أخرى دون المعرفة بها او الانفتاح عليها  ... إحداث منهجية أو مشروع لتربية الأطفال أمر ليس بالهين .بإيجاز قام بعض الباحثين و الخبراء بتصميم برنامج  عالمي للتربية الروحية بمنهجية محددة ومضبوطة لفائدة الأطفال كيفما كانت دياناتهم أو معتقداتهم ،كذلك قاموا بإحداث برنامج عالمي يهم البالغين سن الرشد والآباء وحتى المدرسين  لتطوير قدراتهم الشخصية والروحية المدفونة لديهم ،هاته الأبحاث جمعت في سلسلة من الكتب أطلق عليهامعهد التحول الروحي .

" تفاؤل- خانوم " : " بنبرة من التفاؤل و الآمل وقوة العزيمة " لقد قمت   بزيارة لشيوخ الدين و أخبرتهم عن مشروعي الإنساني الهادف إلى نشر قيم المحبة لدى الآباء والأبناء وإقامة السلم و التعايش ونبذ العنف و القطيعة ،وغدا سنقوم بأول خطوة في هذا المشروع الإنساني  .

عم الصمت من جديد، صمت يغلب عليه الفرح والتأمل .. في هاته اللحظات كانت " تفاؤل- خانوم " تنظر إلىزهور حديقتها المختلفة ألوانها وأصنافها و كأنها ترى في كل وردة طفلا من أطفال" كارفور" ،كأنها تحلم أن ترى شعب كارفور كهاته الحديقة رغم اختلاف ألوانها وأصناف نباتاتها، حديقة تفوح منها رائحة تنعش النفوس في تناغم تام .. نظرت إلى زوجتي لأجدها تحاول الاتصال بي و ترسل لي رسالة فحواها ،  »أنعيش غمار التجربة ونشارك في هذا المشروع و في إقامة قارة السلام والحب و التعايش؟  « رسالة هي نفسها كنت أرغب في إرسالها لها  ، موافقتنا على الرغبة في مواكبة هذا الحلم وهاته الرسالة الإنسانية كان جليا في بريق عيوننا .

زوجتي :اسمحي سيدتي أن أطرح عليك آخر سؤال .. لأية ديانة تنتمين ؟

" تفاؤل- خانوم " : مهما كانت الديانة التي أنتمي إليها أو المعتقد الذي أومن به فـذلـك ليس مهما،ما يهم أن تعتبراني زميلة ، صديقة ، أخت ودعونا نسلك معا طريق السلم و المحبة، دعونا نزرع الأرض مودة وصفاء، دعونا نرسم معا طريق التعايش ونعزف عليه أجمل الأنغام ، دعونا ننشر قيم الأخوة والصداقة ،هيا لنكون أوراق شجرة واحدة مهما لعبت بها الرياح يبقى انتماؤها لنفس الشجرة شجرة العطاء والحب و الكرم .

بكل ثقة في النفس بكل افتخار وجهت لنا " تفاؤل- خانوم " الدعوة للوقوف من مكان جلوسنا ووضع يدنا بيد بعضنا البعض، كأننا نتعاهد على مواصلة السير في الدرب لنشر قيم التسامح و العيش المشترك في هاته الجزيرة.. متوجهين وسط جمال الزهور المختلفة محملين بأمل أن تختفي الحدود "بكارفور" و تصبح هاته الجزيرة نموذجا في الحب والسلم والتعايش .