خطر المختلين عقليًا.. مئات منهم يتجوّلون بحريّة في الشوارع المغربية

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
خطر المختلين عقليًا.. مئات منهم يتجوّلون بحريّة في الشوارع المغربية
Credit: FADEL SENNA/AFP/Getty Images

الرباط، المغرب (CNN)— نهاية الأسبوع الماضي، خلقت جريمة بشعة استياءً كبيرًا في المغرب وفتحت النقاش حول وضعية المختلين عقليًا، فواحد من هذه الفئة قام بقتل عشرة من أفراد عائلته، بينهم والده ووالدته وزوجته وعم والده وأقرباء آخرين وكاد يجهز على بناته الأربعة لولا تدخل الأمن، في أبشع جريمة يشهدها المغرب خلال الأشهر الأخيرة، والتي كانت قرية صغيرة في مدينة الجديدة (جنوب الدار البيضاء) مسرحًا لها.

ودقت الجريمة ناقوس الخطر في المغرب حول وضعية المختلين عقليا وضحايا الأمراض العقلية، إذ يتجوّل في عدد من المدن المغربية مجموعات المختلين عقليًا بكل حرية، منهم من يعيش في الشوارع، ومنهم من يأوي ليلا لبيت أسرته، وصار عاديا أن يطالع الناس مشاهد مريض عقليًا وهو يقوم بتصرفات غريبة في الشوارع العمومية، بل إن بعضهم يعتدي أحيانًا على المارة.

وتحكي نادية، من مدينة تارودانت، جنوب المغرب كيف أن مختلًا عقليا قام في أحد الأيام بعضّ سيدة كانت تمرّ بقربه، بينما قام آخر بضرب أخرى بحجر على مستوى الرأس متسببًا لها في جرح بليغ، كما أن نادية، هي نفسها كادت أن تكون ضحية لتعنيف أحدهم، متحدثة عن أن المواطنين أضحوا يتخوّفون من المرور بقربهم خشية أن يتم الاعتداء عليهم من مجانين لا يدركون ما يفعلون.

كما تحكي رشيدة، تعمل في مكتبة نواحي العاصمة الرباط، أنها تعاني يوميًا مع بعض المرضى العقليين، وأن بعضهم يلجأ إلى التهديد بالضرب حتى يحصل على المال، إذ لا يقتنع بدرهم أو درهمين، بل يطلب أكثر، خاصة عندما لا يكون المعني قد تناول دواءه، متذكرة كيف أن أحدهم سرق لها عنوة أداة في مكتبها لرفضها منحه الصدقة.

وتؤكد الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة، عجز السلطات المغربية عن التحكم في ظاهرة المختلين عقليًا وإيواء الحالات الصعبة منهم في المراكز الصحية، فقد كشف تقرير صادر عن مندوبية الصحة بمدينة الدار البيضاء عام 2013، وجود 3 آلاف مختل عقليا يعيشون في شوارع المدينة دون أي عناية، بينما يبلغ عدد الذين يعانون من الأمراض العقلية في المدينة 21 ألف مختلف.

ويظهر أن حتى المراكز الصحية المخصصة لإيواء المختلين عقليًا تعاني هي الأخرى، فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كان قد نشر تقريرًا عام 2012، جاء فيه أن المراكز الاستشفائية الخاصة بعلاج المرضى عقليا ويبلغ عددها 27 في المغرب، تعيش الكثير من المشاكل، فهي في حالة مزرية، ولا تنتشر في عموم التراب المغربي.

كما تعاني هذه المراكز من خصاص مهول في عدد الأسرة وفي التجهيزات الطبية وكذا في الأطقم الطبية، فعدد الأطباء النفسيين في القطاع العام لا يتجاوزون 172، وعدد الممرضين 740، كما أن هذه المراكز لا تعرف أي متابعة للوضع الاجتماعي للمريض، وتعيش حالة من الاكتظاظ، فضلًا عن أنها لا تتوفر على الأدوية المطلوبة ولا تقدم وجبات كافية للمرضى.

ويقول رشيد جرموني، باحث سوسيولوجي: "هشاشة التنمية وهشاشة المجتمع واتساع البون بين فئة من المغاربة تعيش في يسر وفئة أخرى تعيش في ظروف مزرية، كلها أسباب تخلق تربة خصبة للأمراض العقلية والاختلالات النفسية"، معتبرًا أن "المرض العقلي يزدهر في الفقر، لدرجة أن هناك من يصل به الأمر إلى الانتحار أو إحراق الذات أو الاعتداء على الآخرين".

ويضيف جرموني لـCNN  بالعربية أن مسؤولية وزارة الصحة ثابتة في عدم رعاية المختلين عقليا الذين يتجولون بالشارع، إذ إن وجودهم أضحى أمرا روتينيا دون أن تتدخل السلطات المعنية، متحدثًا عن أن الدولة "لم تنجح في تعميم الصحة البدنية على المواطنين، فما بالك بالصحة النفسية التي يبقى المستفدون منها قلة قليلة"، مشيرًا إلى أن الحد من الظاهرة، لا يجب أن يقتصر على الرعاية والتطبيب، بل كذلك بـ"خلق نموذج تنموي حقيقي يقلّص الهوة بين الطبقات الاجتماعية".

وكان وزير الصحة، الحسين الوردي، قد أعلن عن مخطط وطني للصحة عام 2013، من أهدافه تحسين ظروف علاج الأمراض العقلية، وقد صرّح في البرلمان المغربي العام الماضي أنه تم تعزيز البنية لأغلب المستشفيات العقلية بالمملكة، عبر إضافة 600 سرير جديد، وتشغيل 157 ممرضًا، كما تعمل الوزارة على بناء ثلاثة مستشفيات جهوية، فضلًا عن تكوين أطر طبية وتمريضية جديدة، وتشجيع المستثمرين على إحداث مصحات نفسية خاصة لمواجهة الخصاص في علاج الأمراض العقلية.

غير أن وزير الصحة، يواجه انتقادات كثيرة في هذا المجال، خاصة بعد إخلائه بويا عمر، وهي قرية خاصة يُحتجز فيها المرضى عقليا، فإن كانت مبادرة الإخلاء في حد ذاتها اعتبرت حدثًا إيجابيًا نظرًا للظروف المزرية التي كان يعيشها المرضى في هذه القرية، فإن البديل لم يتم تسطيره جيدًا حسب انتقادات أطباء متخصصين، ممّا فاقم من الاكتظاظ في المستشفيات المتخصصة، بل وأعاد مرضى آخرين كانوا في القرية إلى الشارع.