النساء الأرامل في ليبيا.. ضحايا الحرب والمجتمع

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير منية غانمي
النساء الأرامل في ليبيا.. ضحايا الحرب والمجتمع
Credit: getty images

ليبيا (CNN)-- لم يعد أحدا ينكر أن الصراع الداخلي الذي مازال مستمرا في ليبيا خلّف دمارا شديدا وشرّد عائلات كثيرة وهجرّ أخرى، لكن تبقى أرامل الحرب من أهم الفئات المتضررة، فبداية تجربة جديدة من الحياة ليست سهلة عليهم، فإضافة إلى نظرة المجتمع القاسية والوحدة المريرة والحاجة المادية تزيد ظروف البلاد من وطأة معاناتهم.

بين عشية وضحاها انتقلت نساء كثيرات في ليبيا من زوجات إلى أرامل، فالحرب والاشتباكات التي شهدتها بلادهم على مرّ الأعوام الماضية كانت كافية لتأخذ معها حياة أزواجهم، لتجد هذه الفئة نفسها في مواجهة مستقبل مجهول يفتقد الأمن والحماية وتحيط به نظرات المجتمع القاسية.

أم عبد الله واحدة من هؤلاء النساء التي أصبحت دون معيل، اختطفت إحدى القاذفات حياة زوجها عام 2013 ليترك لها 3 أطفال لم يتجاوز الكبير فيهم الـ 11 سنة، منذ هذا اليوم أظلمت الدنيا في عيونها وأهلكها الحزن والفراق ولزمها التفكير والوسوسة، فهي باتت المسؤول الأول والأخير عن هذه العائلة.

تقول في حديث لـCNN بالعربية" بكيت كثيرا لأجل حظّ أطفالي وشعرت بالعجز فأنا أصبحت مسؤولة عن إعالة عائلة، مصاريف البيت، المدرسة، تربية الأطفال، إيجار البيت، لا أمتلك النقود ولا أملك أي سند آخر غير عائلتي التي تعيش بدورها ظروفها صعبة". 

عاشت أم عبدالله حياة جميلة مع زوجها، تزوجا منذ سنة 2001 ، منذ ذلك الوقت لم ينقصها شيئا، فزوجها وفّر لها كل ما تحتاجه هي وأبنائهما، كان مهتما بقضاء كل الشؤون خارج المنزل، فهو يرى أن دور المرأة يقتصر على داخل البيت، لذلك لم تكن أم عبدالله تخرج إلى الشارع إلا نادرا ويقتصر خروجها على زيارة الأهل أو الجيران أو في بعض الأحيان التنزه.

وتضيف في هذا السياق بكل حسرة" بعد وفاته أصبحت أعيش فراغا كبيرا ووجدت نفسي وجها لوجه مع مسؤوليات جديدة ، في البداية لم أستطع مواجهتها فاستعنت بجيراني لكن مع مرور الوقت غرق الكل في مشاكله، فعوّلت على نفسي، كان الأمر صعبا في البداية، فأن يصبح المرء وحيدا ليس بالأمر الهين لكن مع ذلك أحاول أن اتأقلم مع الوضع الجديد لأجل استمرار حياة أسرتي".

حاولت أم عبدالله العثور على عمل لتغطية تكاليف واحتياجات أولادها التي لا تنتهي لكنها لم تفلح في ذلك، فهي لا تمتلك أي شهادة لأنها لم تكمل تعليمها "فرص الشغل منعدمة هذه الفترة في البلاد، فأصحاب الشهائد فشلوا في إيجاد أي عمل فما بالك بإمرأة لا تمتلك في يدها أي شيء".

يقتصر مصدر رزق عائلتها على المساعدات القليلة من عائلتها و التعويضات المالية التي تقدمها الدولة لعائلات الشهداء والتي توقفت في الفترة الأخيرة، لتجد أم عبدالله نفسها تعيش وضعا ماديا سيئا للغاية "كنت أعوّل خاصة على منحة الدولة لتغطية تكاليف احتياجات العائلة، لكن منذ 5 أشهر لم نحصل عليها، لذلك اضطررت للانتقال لمنزل عائلتي ونحن الآن نعيش ظروفا كارثية لا نحسد عليها ولا نعرف ماذا يخبأ لنا المستقبل".

أزمة السيول التي تعاني منها البلاد وتأخر الميزانيات والفوضى السياسية وتغير الوزراء من فترة لأخرى هي الأسباب التي جعلت المنح المالية الموجهة لعائلات الشهداء تتأخر حسب أحلام البدري المسؤولة عن شؤون رعاية أسر الشهداء والمفقودين بشرق ليبيا.

وأضافت في تصريح لـCNN بالعربية أن وزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين ببنغازي تحاول إحصاء عدد الشهداء الحقيقي من أجل تمكين عائلاتهم من التعويضات المالية بعد صرف الميزانية، مشيرة إلى وجود بعض الجمعيات الخيرية التي تحاول التدخل بإمكانياتها من أجل الإحاطة بأسر الشهداء ومن ضمنهم الأرامل ومساعدتهم على تجاوز محنتهم.  

ولا تقتصر المشاكل التي يعاني منها الأرامل في ليبيا على تحمل أعباء إعالة الأسرة وتوفير احتياجاتها، بل تتعدد أشكالها لتصل إلى المعاملة القاسية التي تتلقاها من المجتمع المحيط بها، فمراقبة تحركات المرأة الأرملة في ليبيا يعد جزء من الحياة اليومية التي تعيشها هذه الأخيرة.

وتقول أم عبدالله في هذا الشأن إنها تشعر بأنها مراقبة طول الوقت وبالتالي فهي لا تمتلك حرية التنقل والتصرف بإرادتها وتحاول قدر المستطاع تجنب الآخرين خوفا من أحاديث الناس وإثارة الشكوك حولها: "عندما تفقد المرأة زوجها يصبح الكل يتحكم بها، الإخوة وأبناء العم وإخوة الزوج ويتدخلون في خصوصياتها ولا يحق لها الكلام أو النقاش، يصبح الكل وصيا عليها دون مراعاة لمشاعرها واحتياجاتها".