سنوات من الجفاف.. الفلاحة المغربية في مواجهة شح السماء

العالم
نشر
10 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
سنوات من الجفاف.. الفلاحة المغربية في مواجهة شح السماء
Credit: ismail Azzam CNN

الرباط (CNN--- نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2016، أكد المغرب رسميًا أن الموسم موسم جفاف، في إعلان كان تحصيل حاصل بالنظر إلى ضعف التساقطات المطرية التي تعدّ المصدر الأوّل للسقي في المغرب، ممّا دفع بالدولة إلى إعلان حزمة من الإجراءات لمواجهة خطر يهدّد أرزاق الفلاحين ومعها موارد الدولة ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.

ويزداد تأثير الجفاف على المغرب بالنظر إلى اعتماد هذا الأخير على الفلاحة مصدرًا أولًا في بنائه الاقتصادي، فهي تمثل حسب أرقام رسمية 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغّل من 40 إلى 43 في المئة من اليد العاملة. ومع استنزاف عدد من الفرشات المائية وعدم إيفاء أخرى بالغرض وصعوبة استفادة بعض المناطق من مياه السدود وكذا الكوارث الطبيعية، تتضخم أكثر دائرة الخطر التي تحيط بالفلاحة المغربية.

جفاف السماء.. والأرض!

ليس الجفاف خبرًا جديدًا في المغرب، فقد عانت المملكة لسنوات كثيرة مع انحباس أو قلة المطر، فبعد الاستقلال فقط، تعددت السنوات التي أوقفت فيها السماء الغيث عن أراضٍ لا راويَ لعطشها غير المطر، ويمكن احتساب ثماني سنوات الأقل اعتبرت فيها كمية التقاسطات ضعيفة منذ ذلك التاريخ، بل إن حجم الجفاف أضحى في تزايد، ويظهر تقرير منشور على موقع التنمية المستدامة للأمم المتحدة أن معدل سنوات الجفاف يزداد في المغرب في كل عشرية: 4 سنوات جفاف ما بين 1996 و2006، مقابل سنة جافة واحدة لكل عشرية ما بين 1940 و1979.

وفي هذا العام الذي أعلن رسميًا "عام جفاف"، قدرت خلال الأشهر الأربعة الأولى نسبة الخصاص في المطر بـ47 في المئة، كما توقعت المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية، انخفاض نمو اقتصاد البلاد خلال الربع الأول من العام الجاري بحوالي النصف عن نسبة العام الماضي (2 في المئة مقابل 4,1) بسبب الجفاف.

غير أن المجال الفلاحي المغربي الذي يشهد انتشارًا كبيرًا لصغار المزارعين ممّن لا يتوّفرون على التقنيات الحديثة، لا يعاني فقط من عدم انتظار التساقطات أو قلتها في سنوات كثيرة، فالموارد المائية التي تصل إلى 18 مليار ملم مكعب للسطحية و4 مليار متر مكعب للجوفية، تعاني من توزيع عدم متلائم (تتركز في الشمال الغربي)، كما أنها محدودة وتشهد طلبًا متزايدًا وتتأثر بالتغيّرات المناخية.

الحوز.. اعتماد كلي على الأمطار

"معدل ما يربحه المزارع شهريا لا يتجاوز ألف درهم (100 دولار)، قد يربح 5 آلاف درهم في شهر ما ولا يربح شيئا في شهر آخر، ولولا ما يساعد به الأبناء الذين هاجروا خارج القرى لما وجد الكثير من المزارعين هنا ما يعينهم على الحياة" يقول محمد علاوي، مزارع من جمعية محلية بجماعة تزارت، إقليم الحوز، متحدثًا عن أن أسرة أو أسرتين  تهاجر القرية كل سنة بسبب توالي الجفاف. 

ويضيف علاوي في حديثه لـCNN بالعربية عن منطقة يعمل 80 في المئة من سكانها بالمجال الفلاحي وتربية المواشي، أن قلة الماء لا تتيح تنويع المزروعات: "نعتمد أساسًا على مياه الأمطار، لا وجود لآبار تخزّن الماء، أما ماء وادي 'غدات' القريب منا، فلا تستقيد منه سوى منطقة قريبة منه لا تزيد مساحتها عن 5 في المئة من المساحة الإجمالية للجماعة.

هوارة.. استنزاف للمياه الجوفية

في منطقة هوارة، بالجنوب المغربي، يظهر مشكل الجفاف أكثر استفحالا، فهذه المنطقة التي تُعرف بالإنتاج الكبير للحوامض، عانت منذ نهاية الثمانينيات من استنزاف فرشها المائية بسبب الاستغلال المكثف، زاد من ذلك ضعف التساقطات المطرية التي لا تتجاوز في المعدل 30 ملمتر في السنة وعدم قدرتها تعويض تراجع المياه الجوفية، ممّا دفع بالكثير من الفلاحين إلى الهجرة أو تغيير أعمالهم.

يشرح يوسف الجبهة، فلاح بالمنطقة، أن الفلاحين يحفرون آبارًا بعمق 250 مترًا دون أن يجدوا الماء، ممّا حذا بهم إلى إطلاق مشروع إنقاذ بساتين الحوامض عبر جلب الماء من سد يبعد عنهم بعشرات الكيلومترات هو سد أولوز، إلّا أن هذا السد لا يستفيد منه حاليًا سوى 30 أو 40 في المئة من الأراضي، بسبب غلاء تكلفة السقي وعدم وجود موارد مادية كافية في السد تسمح بريّ المنطقة بالكامل.

ويتابع الجبهة لـCNN بالعربية: "عملية رّي منطقة هوارة من السد هي الوحيدة في المغرب التي تسيّرها شركة خاصة، بما أن الفلاحين لم يستطيعوا المساهمة في تمويل المشروع ولم تتوفر للدولة الإمكانيات للتكفل بذلك لوحدها، ممّا يجعل الكلفة تصل إلى الضعف مقارنة بمناطق أخرى"، مشيرًا إلى أن هوارة التي تعتمد أساسًا في مواردها الاقتصادية على الفلاحة، تعاني من جفاف بنسبة كبيرة، ممّا "يهدّد السلم الاجتماعي ويرفع كلفة المواد الغذائية ويساهم في نشر العطالة بين السكان".

الغرب.. وضع استثنائي

رغم أن الغرب يعدّ من المناطق التي تستفيد سنويًا من تساقطات مطرية مهمة، وتتوّفر على حجم مياه جوفي كبير زيادة على وجود سدود أهمها سدّ الوحدة، إلّا أن الوضع في جماعة لمكرن، بإقليم القنطيرة ، ليس ورديًا على الإطلاق، إذ يتحدث بوسلهام بلخيري، فلاح وفاعل جمعوي، عن أن هذا العام لم يُنبت غير الخسائر لفلاحي الجماعة، ممّا فاقم من الهجرة القروية.

"تطوّرت الخسائر على عدة مراحل ، أوّلًا زرعنا الحبوب ولم نقدر على الحصاد بسبب الجفاف، بعدها زرعنا نوار الشمس ولم يعط هو الآخر أيّ نتائج، ثم التجأنا إلى مزروعات أخرى بالاعتماد على مياه وادٍ قريب من المنطقة، غير أن السلطات حوّلت مجراه إلى منطقة أخرى، ممّا حرمنا من مصدر رئيسي للسقي. وبعد كل هذا، أتت رياح الشركي (رياح ساخنة) لتفسد مزورعات كالبطيخ" يقول بوسلهام لـCNN بالعربية.

تدهور الفلاحة بهذه الجماعة يحدث رغم أن الأرض لا تحتاج لأجل إنتاج المزروعات لمياه سقي كبيرة بفضل طبيعتها المختلفة عن بقية المناطق الفلاحية المغربية. ويحاول بقية الفلاحين المتبقين الاعتماد على حفر الآبار لإنقاذ معيشهم اليومي، مع ما يحتاجه ذلك من إمكانيات مادية لا تتوفر لهم جميعًا، يقول بوسلهام.

أي إجراءات حكومة لمواجهة هذا الجفاف؟

 خصّصت الدولة لمواجهة تداعيات الجفاف لعام 2016 4,5 مليار درهم، إضافة إلى 1,5 مليار قيمة التأمين على المزروعات من المخاطر المناخية، وقد ترّكزت الإجراءات حسب ما نقله بلاغ عن الديوان الملكي، في تقديم مساعدات للفلاحين المتضررين، وضمان استمرارية تزويد القرى بالماء الصالح للشرب، وتوفير الماء والكلأ والمتابعة الصحية للمواشي.

 كما ذكر بلاغ لوزارة الفلاحة أن تدخلها سيرّكز على ثلاثة محاور، أولا حماية الماشية عبر توفير كلأ لها بأثمنة مناسية وإقامة نقط للماء وبرنامج وطني للتقليح، وثانيا حماية المزروعات عبر ضمان سقي الزراعات البورية وتأمين بذور الحبوب، أما الثالث فهو ضمان التوازنات داخل العالم القروي بما يمكّن من حماية المجال الفلاحي وخلق فرص الشغل وتدبير الموارد المائية.

يؤكد محمد علاوي أن عددَا من المزراعين في جماعة تازنارت استفادوا من تعويضات الجفاف في العام الماضي، بيدَ أنهم لم يستفيدوا من التعويضات المعلن عنها لهذا العام، كما استفادوا من إجراءات مخطط المغرب الأخضر في مساعدهم على زرع بعض الضيعات،غير أنه في الجانب الآخر، يشير بوسلهام بلخيري، أن جماعة لمكرن لم تستفد أبدًا من تعويضات الجفاف ولا من أي مساعدات، رغم طلبات الاستفادة التي وجهوها.

في سبيل مواجهة أقوى للجفاف في المغرب   ولا يتوقف الحل لأزمة الجفاف في المغرب، عند دعم مادي للفلاحين، ففي الاستراتيجية التي أعلنتها وزارة الفلاحة بتدبير أنجع للموارد المائية، يظهر أن إيجاد حل لمشكل توزيع مياه السدود سيساهم في التقليل من تداعيات الجفاف، وهو ما يؤكده يوسف الجبهة: "الحل مثلًا لأزمة الجفاف في سوس يكمن في ضمان توصيل مياه الأمطار من السدود في الشمال إلى الجنوب، فالتفكير في طريقة أمثل لهذا النقل سيتيح عدالة في توزيع مياه السقي بين المناطق الفلاحية للمملكة".   ويرى جواد الخراز، خبير مغربي في المجال المائي، أن سياسات المغرب تبقى قوية في مجال مواجهة تداعيات الجفاف مقارنة بالكثير من الدول العربية، فهناك وزارة للماء وهناك إدارات جهوية مكلفة بتدبير الأحواض المائية، كما يوجد قانون لتدبير المياه، زيادة على اضطلاع الدولة ببناء الكثير من السدود، فضلًا عن القيام بجهود لاستغلال مياه الأمطار في أفضل وقت، ومن ذلك الري بالتقطير.   بيدَ أن هناك إجراءات أخرى تنتظر المغرب لمواجهة أقوى لتداعيات الجفاف، يقول الخراز لـCNN بالعربية، ومن ذلك إنشاء محطات صغيرة لتحلية المياه تستفيد من الطاقة الشمية لتوفير مياه السقي في بعض القرى، ومضاعفة الجهود لتحسين كفاءة مياه الأمطار، وضرورة التفكير في استخدام المياه العادمة في الزراعة بعد إخضاعها لمعالجة معيّنة، زيادة على تعميم سياسة ترشيد المياه، خاصة لدى الصناعات التي تستهلك الماء بكثرة.