بعدما جاهرت بالعداء لآبائهم.. هل تتصالح الجزائر رسميا مع أبناء "الحركى"؟

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
بعدما جاهرت بالعداء لآبائهم.. هل تتصالح الجزائر رسميا مع أبناء "الحركى"؟
Credit: Poujoulat/AFP/Getty Images

حمزة عتبي، الجزائر (CNN)-- عقب اعتراف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الذكرى الوطنية لـ'الحركى' المصادف لـ 25 سبتمبر/ أيلول، بأن بلاده تخلت عن هذه الفئة ولم تف بمسؤولياتها اتجاهها، تكرر الجدل في الجزائر مرة أخرى، عن تخفيف القيود في تولي أبناء هؤلاء لمناصب المسؤولية في الدولة وترشحهم لمناصب حساسة، علما أن المواقف الرسمية للجزائر تُجاهر بعَدائها لهم، ممّا يرهن أي مبادرة للمصالحة مع هذه الفئة وطي صفحة الماضي.

وتطلق صفة "الحركى" على الذين تعاملوا مع فرنسا خلال فترة استعمارها للجزائر ومنهم من انضموا إلى جيشها داخل الجزائر وخارجها، وتقدر السلطات الفرنسية عددهم داخل ترابها بنحو 500 ألف، أما مؤلف كتاب "الطابو الأخير"، بيار دووم،  فيشير إلى أن عددهم كان يقدر بـ 450 ألف شخص يتوزعون على 250 ألف احتياطي، 120 ألف مجند، 50 ألف مقاتل و30 ألفا من الأعيان الموالين لفرنسا".

وربط الباحث في التاريخ، البروفيسور رابح لونيسي تناول فرنسا مسألة الحركى بعاملين، أولهما يخص الانتخابات الرئاسية، "لأن أبناء وأحفاد الحركى يمثلون وعاء انتخابيا هاما في فرنسا"، أما العامل الثاني حسبه، يخص "عملية ضغط على الجزائر وإقلاقها بترويج أكذوبة قديمة تقول إن جبهة التحرير الوطني قد ارتكبت مجازر ضد الحركى بعد استرجاع الاستقلال".

ويوظف الساسة في الجزائر ملف الذاكرة  في السياسة الداخلية، حسب أستاذ العلوم السياسية بشير بودلال، على اعتبار أن "مواضيع مثل الذاكرة والتاريخ لها حساسية كبيرة في الجزائر، خصوصا أن شرعية النظام السياسي لا تزال ترتكز بعد أكثر من نصف قرن من استقلال الجزائر على الشرعية التاريخية والنظام السياسي حريص جدا على احتكار قضايا الذاكرة والتاريخ وفرض قراءة رسمية".

ويوضح بودلال في حديثه لـCNN بالعربية، أن فرنسا توظف هذا الملف لـ "تحقيق مصالح وامتيازات اقتصادية ويكون مناسباتي من قبل كل التيارات السياسية الفرنسية لكسب أصواتهم"، بينما في الجزائر، يرى محدثنا، أن "هناك غموض وازدواجية في التعامل مع الملف، بين تعامل عاطفي واتخاذ مواقف معادية من هذه الشريحة من قبل منظمات الأسرة الثورية وتتسامح السلطات نسبيا في نيل أبناءهم مناصب سياسية مرموقة".

وتخلو القوانين الجزائرية من أي مواد تمنع تولي هذه الفئة أو أبناءهم لمناصب حساسة في الدولة، حسب القانونيين، عدا منصب رئيس الجمهورية الذي يشترط فيه أن يثبت المترشح مشاركته في ثورة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولودا قبل يوليو 1942، أو عدم تورط أبويه في أعمال ضد ثورة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولودا بعد يوليو 1942، وفقا للمادة 87 من الدستور الجزائري.

وضمن هذا السياق، يؤكد الحقوقي عبد الغني بادي، في تصريح لـCNN بالعربية، أن "موقف الدولة منذ الاستقلال لم يكن حازما تجاه فئة معينة من الحركى فُرضت في مناصب حساسة وليس فقط أبناءهم"، فالواقع  يبين وفقا لبادي، أن "أبناء الحركى الآن لهم امتيازات تفرضها تراكمات العلاقات السرية السابقة التي كان يسهر النظام على التكتم عليها منذ سنوات، وفي الضباط الفارين من الجيش الفرنسي خير دليل".

وتحفل ذاكرة الجزائريين بالتصريحات النارية، التي أطلقها النائب طاهر ميسوم،المعروف بـ "سبيسيفيك"، في جلسة علنية للبرلمان، حينما قال إن " الجزائر وقعت في يد الحركى وأبناءهم"، موجها الاتهام إلى احد أعضاء الطاقم الحكومي الحالي، قائلا: "أرفض أن يحكمني ابن الحركي"، وهي القضية التي تفاعل معها رواد الفايسبوك، ووصفت، وقتها، بأنها "قضية تصفية حسابات شخصية".

ورغم مرور أكثر من نصف قرن من استقلال الجزائر ووفاة أغلبية الحركى وقدماء المجاهدين الجزائريين، فإن الرأي الغالب في النظام السياسي الجزائري، حسب بودلال، هو "مواصلة تسيير هذا الملف بالطريقة المعتادة حفاظا على التماسك الوطني وأن أي مصالحة مع الحركى لا جدوى منها باعتبارهم مواطنون فرنسيون وشأن داخلي فرنسي وقضية فرنسية بحتة".

أما بشأن العودة التدريجية للحركى إلى الجزائر، يقول البروفيسور لونيسي في حديثه لـ CNN بالعربية، أن هذا "يعود إلى اجتهادات داخل النظام، فمنهم من يرى أن لا يؤخذ الأبناء بجريرة وذنب الآباء وهناك من يرى العكس"، رافضا أي عملية تطبيع للمسألة، "لأنه خطير جدا مستقبلا، فأي تسامح مع الخيانات ضد الوطن سينعكس بشكل خطير في المستقبل لأن ذلك سيشجعها، فالخيانات لا تسامح فيها مهما كان الثمن".

وبحسب القيادي في حركة النهضة أمحمد حديبي، فـ"لحد الساعة لم تقدم الحكومات المتعاقبة بطاقية وطنية للحركى وأخفتها عن الشعب ولم تجرؤ أن تطلب الأرشيف من فرنسا خوفا من كشف الحقائق التي قد تنجر عنها حرب أهلية أخرى"، ناهيك عن "عدم تقديم الحركى اعتذارات رسمية للشعب الجزائري"، حتى صار "المواطن ينظر حتى إلى أبناء الحركى على نسق واحد مع آباءهم وينزع عنهم مفهوم المواطنة وحقوقها المدنية والسياسية".

ويضيف حديبي في حديثه لـCNN بالعربية، أن "المشكل يعود للسلطة التي عملت على تشويه العملية ودفن الحقيقة ولم تحدد مواقفها من الحركى"، لافتا إلى أن "اللوبي الفرنسي الذي أصبح يتحكم في دواليب السلطة، يعمل على المفاضلة بين الجزائريين، بين مواطن صالح يمنح له الدعم حتى من جهات خارجية ومواطن معادي للمصالح الفرنسية يجري إبعاده من الحياة العامة وصناعة القرار".