ما هي أسرار العلاقة القوية بين كاسترو والجزائر؟

العالم
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير حمزة عتبي
ما هي أسرار العلاقة القوية بين كاسترو والجزائر؟
تصوير: َAFP getty images

الجزائر (CNN)—  صنع قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الاستثناء من بين قرارات الدول، بإعلانه حدادًا لمدة 8 أيام على الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، المتوفى يوم الجمعة بهافانا عن سن 90 عامًا، ممّا صنع علامات استفهام كثيرة عن سر العلاقة التي جمعت الراحل بالجزائر.

وسبق قرار الحداد رسالة تعزية بعث بها بوتفليقة لنظيره الكوبي رؤول كاسترو، اعتبر فيها وفاة فيديل كاسترو "خسارة كبيرة للشعب الجزائري"، وجاء فيها أيضا أنه "برحيل هذا الرجل الفذ أفقد أنا بالذات صديقا رافقني ورافقته طيلة نصف  قرن"، وهو ما يبيّن المكانة التي يحظى بها الثوري الكوبي عند الرئيس الجزائري.

وبالعودة إلى التاريخ، فإن علاقة الراحل كاسترو برؤساء الجزائر، بدأت في فترة حكم الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، ثم استمرت مع الرئيس هواري بومدين، إلى الراحل الشاذلي بن جديد وصولا إلى الرئيس الحالي الذي عاصر اغلب فترات الحكم، كونه اشتغل وزيرا للخارجية في عهد بن بلة وبومدين، وتطابقت رؤية كاسترو مع جل رؤساء الجزائر في الكثير من القضايا، كدعم جبهة البوليساريو في نزاعها مع المغرب والاعتراف بـ"الدولة" التي تعلنها.

لكن، بحسب الدبلوماسي الجزائري، ت. لحسن، تعود جذور علاقة الرئيس الكوبي فيديل كاسترو بالجزائر إلى فترة الخمسينيات مع قيام الثورة التي قادها ضد حكم باتيستا سنة 1953 والتي تزامنت مع الثورة الجزائرية التي انطلقت بعدها بنحو سنة تقريبا، فكان هناك تضامن بين الثورتين لأن المنطلقات كانت واحدة.

وبالرغم من أن أهداف الثورتين كانت مختلفة، يضيف لحسن في حديثه لـ CNN بالعربية، فالأولى كانت ضد الديكتاتورية والثانية ضد الاستعمار، إلا انه بعد نجاح الثورة الكوبية حدث هناك تقارب بين زعماء الثورتين وهو ما ترجمه موقف كاسترو الذي كانت بلاده من بين الدول الأولى التي اعترفت باستقلال الجزائر.

ومما ساهم في نجاح الثورتين، في تقدير المتحدث، هو تشبع قادة الثورتين في كلا البلدين بالفكر اليساري الذي جاء لتحرير الشعوب المضطهدة والداعي للوقوف في وجه الظلم عبر إعلان ثورات سواء ضد الدكتاتورية أو ضد الاستعمار وهو ما حدث في كلا البلدين.

وعقب استقلال الجزائر، انطلقت سلسلة لقاءات بين قادة الدول وترجمت هذه اللقاءات إلى اتفاقيات وشراكات في شتى المجالات لتنعكس بعدها على مواقف البلدين حيال العديد من القضايا الدولية والإقليمية وسعيهما إلى تقوية جبهة دول عدم الانحياز، يضيف المتحدث.

ويقول الدبلوماسي، د. الطاهر، وهو سفير جزائري سابق، إن كاسترو لم ينس موقف الرئيس بن بلة سنة 1963، حينما أصر على زيارة كوبا قادما إليها من أمريكا رغم اعتراض الرئيس الأمريكي، وقتها، جون كينيدي على هذا التصرف، هذا الموقف  ترك أثرا جميلا في نفسية كاسترو، الذي كان في عداء مع امريكا.

ووفقا لحديث الطاهر، فإن بن بلة اتخذ موقفا صعبا في تلك الفترة، بحكم أن الرئيس الأمريكي كان من داعمي الثورة الجزائرية، كما فوّت بن بلة على الجزائر مساعدات كانت مخصصة للجزائر في إطار برامج التنمية، لكن بعد تصرف بن بلة تم تحويل تلك المساعدات الأمريكية إلى كوريا الجنوبية.

في مقابل هذا الموقف، يضيف الطاهر، عرض كاسترو على الجزائر مساعدات عسكرية ومالية ولوجستيكية في حرب الرمال مع الجارة المغرب، لكن قيادة البلاد، آنذاك، رفضت تلك العروض على اعتبار أن الحرب كانت مع بلد شقيق واكتفت الجزائر باستقبال مستشارين عسكريين وخبراء فقط.

غير أن علاقة كاسترو بالجزائر كادت تهتز في سنة 1965 بعد الانقلاب الذي قاده هواري بومدين على الرئيس بن بلة، وفي هذا الصدد، يوضح الدبلوماسي لحسن، الذي اشتغل في سفارة الجزائر في كوبا، أن كاسترو أدان الانقلاب على بن بلة، كما اتهمت جريدة (غرانما) الكوبية الرئيس بوتفليقة بأنه أحد رجال الامبريالية في عددها الصادر يوم بعد الانقلاب.

واستنادا إلى كلام لحسن، فان سبب القرار هو التقرير الذي بعث به السفير الكوبي في الجزائر الى كاسترو، أبدى فيه انحيازا للرئيس بن بلة بحكم الصداقة التي كانت تجمعهما، وبناءً عليه، اتخذ كاسترو موقفا من الانقلاب، الذي كان يسمى في تلك الفترة بالتصحيح الثوري، على حد قول المتحدث.

ويتابع لحسن حديثه، بعد الانقلاب بعدة أشهر، لاحظت كوبا أن السياسة الخارجية الجزائرية ومواقفها لم تتغير بتغير الرئيس، ما جعل المياه تعود إلى مجاريها وعاد الدفء للعلاقات الجزائرية الكوبية مجددا بعد مرحلة جفاء.

وخلال فترة حكم الرئيس بومدين، توطدت العلاقات مع كاسترو أكثر فأكثر، ووصلت مواقف البلدين أحيانا إلى حد التطابق في الكثير من القضايا الدولية وبخاصة قضايا الشعوب المستعمرة والمتطلعة للتحرر والحرية، كما كان الحال مع القضية الفلسطينية، التي كانت محل اهتمام البلدين.

وفي هذا الشأن، يشير الدبلوماسي الطاهر إلى فضل الجزائر على كاسترو، أين كانت الجزائر أرض انطلاق لقوات الكوبية العسكرية المتوجهة إلى الكثير من الدول الإفريقية لمساعدة الثورات، كما حدث في كل من دولتي أنغولا والموزمبيق.

وقام كاسترو بعدة زيارات للجزائر، أبرزها مكوثه لفترة طويلة قبيل انعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز سنة 1973 وما تبلور عنه من قرارات مصيرية جادة رغم اختلاف المنطلقات الفكرية، فكوبا كانت تمثل المعسكر الشيوعي والجزائر كانت تمثل التحالف المبني على الأهداف المشتركة فكان التقارب مبني على الأهداف المشتركة وليس على الإيديولوجية، كما يوضح لحسن.

ويؤكد السفير السابق لحسن أن الراحل كاسترو خص الجزائر بالعديد من الزيارات الرسمية التي بلغت، حسبه سبع مرات، ناهيك عن الزيارات غير المعلنة، خصوصا في فترة حكم بومدين، أين كان كاسترو يزور الجزائر بعد كل زيارة يقوم بها إلى بلد آخر، للتشاور مع بومدين في المسائل ذات الاهتمام المشترك.

ويجزم المتحدث، الذي كان سفيرا في عدة دول في أمريكا اللاتينية، أن سفارة الجزائر بكوبا كانت لها تسهيلات ومزايا مقارنة بالسفارات الأخرى إلى درجة أن الرئيس  فيديل كاسترو كان يحضر شخصيا مناسبات الأعياد الوطنية التي كانت تحييها السفارة الجزائرية في هافانا دون غيرها من السفارات الأخرى، زيادة على ذلك، كان يفضل طبق الكسكي الشهير في تلك المناسبات.

كما عرفت سنوات السبعينات تعاونا مكثفا بين البلدين، واستفادت الجزائر من بعثات لإطارات من أطباء ومهندسين من أمريكا الوسطى، وكانت تستقبل كوبا الثوار اللاجئين المعارضين لأنظمتهم في كل من البرازيل والسلفادور ونيكارغوا، التي كانت تحت سيطرة الديكتاتوريات، ثم تقوم بإرسالهم إلى الجزائر بغية الاستفادة من خبراتهم، وفقا للمتحدث ذاته.

أما في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، يقول الدبلوماسي الطاهر في حديثه لـCNN بالعربية، فقد حافظ كاسترو على العلاقة بين البلدين، وتعززت باتفاقيات متبادلة في الكثير من الميادين التي سجلت فيها كوبا تقدما وتطور كبيرا على غرار البيولوجيا والتكنولوجيا والطب والرياضة وتم وضع شراكة مخطط لها وتنصيب لجان عمل مشتركة في عدة قطاعات.

وشهدت علاقة كاسترو بالجزائر قفزة نوعية في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، فلم تتغير العلاقة، ذلك أن الرئيس بوتفليقة عاصر مراحل جل رؤساء الجزائر كونه كان وزيرا للخارجية ثم صار رئيسا للبلاد وهو الأمر الذي أعطى للعلاقات بين البلدين دفعا قويا.

وفي نظر السفير الأسبق لحسن، أن العلاقة لم تكن حبيسة المؤسسات بل كان هناك علاقات متينة بين زعماء البلدين يعد كاسترو ركيزتها الصلبة، لتمتد بعدها إلى الشعبين الجزائري والكوبي لأنهما استطاعا بإمكانيات قليلة أن يتغلبا على "الديكتاتورية والاستعمار".