رأي: جنوب آسيا غير قابل للسكن بعد قرن.. من يُنقذ الأرض؟

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
رأي: جنوب آسيا غير قابل للسكن بعد قرن.. من يُنقذ الأرض؟
Credit: afp/getty images

مقال بقلم جورح برباري، خبير الاستدامة ومؤلف كتاب "ميزانية الطاقة" والرئيس التنفيذي لشركة "دي سي برو" للهندسة. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- باتت ظاهرتا الاحتباس الحراري والتغير المناخي حقيقةً واقعة، إذ لا يمكن اليوم إنكار أو إغفال تأثيراتهما الكارثية، خصوصاً بعد الدراسة الجديدة التي أشارت نتائجها إلى احتمال تحول عدة أجزاء في جنوب آسيا، التي تعتبر موطناً لما يزيد عن 20% من سكان العالم، إلى مناطق غير صالحة للعيش البشري دون توفير الحماية الضرورية من موجات الحرّ المميتة بسبب الارتفاع المطرد لدرجات الحرارة في غضون أقل من 100 عام.

هذا التطور يضعنا على أعتاب مرحلةٍ مفصليةٍ هامة تتطلب اتخاذ إجراءاتٍ صارمة لإنقاذ الكوكب الأم والحدّ من توجهه نحو مصيرٍ مجهول.

وقد وصفتُ ظاهرة الاحتباس الحراري في كتابي المنشور مؤخراً "ميزانية الطاقة" بأنها "أكبر إخفاق للبشرية،" حيث شاركنا خلال القرن الماضي جميعاً دون استثناء في عملية استنزاف وإهدار كميات كبيرة من موارد الطاقة الثمينة دون النظر في العواقب المستقبلية لسلوكنا المستهتر.

 كما سلطت أحدث دراسة نشرتها مجلة ’ساينس أدفانسز‘ العلمية الإلكترونية الضوء على ارتفاع معدلات الحرارة والرطوبة في حوضي نهري الغانج والسند، اللذين يعتبران مناطق زراعية ذات كثافة سكانية عالية، لتسجل مستوياتٍ تتجاوز قدرة الإنسان على الاستمرارية والبقاء. وقد شهدنا بالفعل نتائج هذه الدراسة على أرض الواقع، بعد أن ضربت موجة حر شديدة أجزاءً واسعة من الهند وباكستان راح ضحيتها أثر من 3500 شخص في عام 2015.

00:45
جبال جليدية ستختفي بنهاية القرن والسبب؟ البشر!

وتتسم الدراسات المشابهة التي تتناول ذات الموضوع أهميةً كبيرة في تسليط الضوء على هذه القضية، والحث على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجتها. وخلال مسيرتي الممتدة لـ 31 عاماً في قطاع الهندسة، عملت بشكلٍ مكثف لطرح العديد من التقنيات الجديدة الرائدة، واضعاً هدف حماية البيئة نصب عينيّ من خلال ابتكار سبلٍ لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة، لكن لا تزال جهودي التي تصب في جهود باقي أخصائيي البيئة من شتى أنحاء العالم غير كافية للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري.

وتُعد اتفاقية باريس للمناخ المبرمة عام 2015 بتعهد 195 دولة على العمل والتعاون المشترك في إطار هدف عالمي موحد لمواجهة الاحتباس الحراري، بداية واعدة في هذا السياق، لكننا نحتاج لتبني المزيد من هذه المبادرات. حيث يُعتبر التزام هذه الدول بالحدّ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 خطوةً إيجابيةً للغاية، لكنه في الوقت نفسه يُعطي لدول أخرى مثل الصين -أكبر مصدر لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم- حرية التصرف والاستمرار بنهجها المتبع خلال السنوات الـ 13 المقبلة.

وبناءً على هذه المعطيات، تحظى الطاقة المتجددة بانتشار وإقبال عالمي واسع. حيث تبذل الصين جهوداُ كبيرة، بشكل ظاهري على الأقل، لتحتل المرتبة الأولى عالمياً كأكثر البلدان استثماراً في مجال حلول التكنولوجيا الصديقة للبيئة. وبغض النظر عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس، فإن عدد المواطنين الأمريكيين العاملين في قطاع الطاقة المتجددة والمجالات التي تركز على الاستدامة آخذ بالازدياد على أساس سنوي.

على الرغم من العديد من الإجراءات المُتخذة في ظل الصحوة التي يشهدها العالم تجاه موضوع التغير المناخي، فإن انخفاض تكلفة مصادر الطاقة هي المشكلة الحقيقية التي على العالم مواجهتها لتحقيق المزيد من الالتزام بالمعايير البيئية. فصحيح أن الموارد الطاقية وفيرة وذات قيمة عالية في كوكبنا، إلا أنه لا يجب أن تُستحصل باتباع الطرائق منخفضة التكلفة، حيث تتسبب الطرائق التقليدية في إنتاج واستهلاك الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري بآثارٍ سلبية لا يمكن تجاهلها على كوكبنا وبيئتنا.

وتقع على عاتقنا نحن البشر مسؤولية حماية هذا الكوكب الجميل والمحافظة عليه، لذا لا يجب أن يُترك هذا الأمر بين أيدي السياسيين ليقرروا الطريقة الأمثل لمواجهة مشاكلنا البيئية. ونظراً للطبيعة المعقدة لعمليات وآليات استخراج واستهلاك الطاقة، يجب أن تُتخذ هذه القرارات حصراً من قبل مختصين ذوي خبرة وكفاءة عالية في هذا المجال.

01:08
أكثر من 3 ملايين وفاة سنوياً.. تعرف إلى خطر تلوث الهواء

وقد طرحتُ في كتابي "ميزانية الطاقة" خطة رسمية منظمة تمكّن أي بلد أو مدينة أو بلدة أو مصنع من الالتزام بميزانية طاقة محددة، لا توضع من قبل الجهات السياسية بل من قبل مدراء ومنظمين يجري انتخابهم أو تعيينهم بشكل مستقل- مشابه لمبدأ تعيين حكام البنوك المركزية- ليجري نشرها وتبنيها لاحقاً من قبل كل منزل ومبنى تجاري ومعمل وهيئة مواصلات ضمن حدود أية دولة.

وفي إطار هذه المنهجية المبتكرة، ينبغي تصميم نظام مختص لمكافأة ممارسات استهلاك الطاقة الأكثر فعالية، وذلك عبر توفير معدلات تكلفة منخفضة للمستهلكين والمنتجين ذوي الكفاءة العالية، بينما تتم مواجهة نقص الكفاءة بإجراءات رادعة وغرامات تتمثل بمعدلات تكلفة أعلى. وعلى الرغم من أن هذا النظام لا يعود بالأرباح على اقتصاد الدول إلا في حالة خضوعه للضرائب، إلا أنه ينطوي على فوائد تشمل جميع السكان، حيث يجري استخدام العائدات الناتجة من الغرامات كآلية تمويل ذاتي لطاقة المناطق ضمن المباني أو المعامل، إلى جانب تمويل الأبحاث الجديدة حول استخدامات الوقود المتجدد والوقود الهيدروجيني والعضوي.