CNN CNN

دستور تونس الجديد: تعميق للديمقراطية أم تكريس للديكتاتورية؟

متابعة: حسن سلمان
الأربعاء، 11 كانون الثاني/يناير 2012، آخر تحديث 21:00 (GMT+0400)

تونس (CNN) -- أثار الدستور المؤقت الذي أقره المجلس التأسيسي مؤخرا جدلا كبيرا لدى التونسيين، حيث اعتبره البعض خطوة تاريخية نحو "تونس ديمقراطية تقطع مع الحقبة الديكتاتورية السابقة،" فيما رأى البعض الآخر أنه يكرس "ديكتاتورية جديدة تلبس ثوبا دينيا."

وأقر المجلس التأسيسي التونسي السبت دستورا مصغرا يفتح المجال أمام اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين سيقودان البلاد حتى إجراء الانتخابات العامة وإقرار دستور نهائي.

وأعلن مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي في أعقاب التصويت على "القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية"، أن انتخاب رئيس الجمهورية سيتم الاثنين في جلسة عامة للمجلس يتولى اثرها الرئيس الجديد تكليف شخصية من الحزب الحائز اكبر عدد من المقاعد في المجلس تشكيل حكومة.

ويرى الدكتور جمال الدين بن عبد الجليل (باحث جامعي) أن المصادقة على الدستور الجديد تعد "خطوة فارقة في تاريخ تونس تحمل المعنى التأسيسي الذي يتسمى به المجلس المنتخب، حيث أن هذا الدستور المؤقت يضبط من ناحية أولى توزيع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وتحديد صلاحياتها تمهيدا لصياغة دستور نهائي لتونس".

 ويضيف "من ناحية أخرى يمكّن من انتخاب رئيس للجمهورية ومن اختيار رئيس حكومة ذي صلاحيات تنفيذية واسعة تمكن من اتخاذ قرارات تخفف من حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة وتحقق درجة من الاستقرار السياسي والاجتماعي المطلوب في هذه الظروف."

وكانت كتلة المعارضة داخل المجلس التأسيسي قد رفضت في وقت سابق المصادقة على الفصل العاشر من مشروع قانون التنظيم المؤقت للسلطات العمومية والمتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، مؤكدة أن الفصل يترجم "تغول" حركة النهضة على أشغال المجلس وتجريد رئيس الجمهورية من صلاحياته.

وقال زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي "إن مشروع القانون سلب رئيس الجمهورية اختصاصات وبالمقابل منح صلاحيات مطلقة لرئيس الحكومة حمادي الجبالي،" وهو مرشح حركة النهضة.

ويقول بن عبد الجليل "من طرافة المشهد الديمقراطي الجديد في تونس أن أحزاب الأقلية المعارضة، التي كانت تتبنى النظام البرلماني الذي يقره الدستور الجديد منذ فترة معارضتها للنظام السابق وحتى قبل ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، تطالب بنظام رئاسي أكثر منه برلماني وذلك لحسابات حزبية تخوفا من هيمنة حزب النهضة على ائتلاف الأغلبية في نواب المجلس التأسيسي".

ويضيف "يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه كل الأطراف السياسية (أغلبية وأقلية، حكومة ومعارضة) ويضع مجمل العملية الديمقراطية في جدواها على المحك هو الوضع الاجتماعي والأمني والاقتصادي، فهل تتجاوز الأطراف السياسية حساباتها الحزبية لصالح إنجاح أول نموذج ديمقراطي في الوطن العربي، وتكون في مستوى تطلعات الشعب التونسي الذي نجح في خلع الدكتاتور"؟

وكان رئيس المجلس التأسيسي، مصطفى بن جعفر، قد وصف إقرار الدستور المؤقت بأنه "لحظة تاريخية وانطلاق لتونس الجديدة،" في وقت ردد أعضاء المجلس التأسيسي النشيد الوطني وقام أعضاء الغالبية بتبادل التهاني.

وأعرب بن جعفر عن فخره بقيادة المجلس الانتقالي الذي يجمع "خيرة أبناء تونس بفضل ثورة الشعب".

ويقول الباحث د.العربي بن ثاير "لا أوافق على ما قاله رئيس المجلس التأسيسي،" مشيرا إلى أن إقرار الدستور الجديد هو "دوران في فلك الأزمة وتعميق للخلاف بين الائتلاف الحاكم (النهضة والمؤتمر والتكتل،) والمعارضة".

ويرى أن الدستور الجديد "سيعطي المرحلة المقبلة صبغة الصراع أكثر من التوافق وسيجد اليساريون من حقهم معارضة الحكومة (اليمينية) في المرحلة المقبلة لأنها تعمل فعليا على الحكم لأكثر من عام، ولأنها باتت حكومة من اجل الحكم لا من اجل تصريف العمال أو المصلحة الوطنية."

وكان منصف المرزوقي، الرئيس المرتقب لتونس، قد انسحب قبل أيام من إحدى جلسات المجلس التأسيسي بعد أن رفضت كتلة النهضة مقترحه بضرورة عرض الدستور الجديد على الاستفتاء الشعبي متمسكة بالتصويت عليه فقط.

وقال المرزوقي الذي يتزعم كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية "إن عرض الدستور على الشعب هو مسألة ضرورية لأنه سيضفي عليه شرعية شعبية ومن شأنه أن يجعل الشعب يشعر بأنه مشارك في وضع رسم مستقبل تونس أما الاكتفاء بالتصويت فإنه مؤشر على نوع جديد من الديكتاتورية."

ويقول بن ثاير إن "النهضة والتحالف الذي يحيط في فلكها فهموا لعبة التأسيسي فهم حكم، ولهذا تملّصوا من التزامهم الأخلاقي قبيل الانتخابات بضرورة الالتزام بفترة زمنية حدودها سنة تقريبا، وحتى الاختلافات القائمة بينهم هي اختلافات المحاصصة لذلك تمت ترضية المرزوقي بصلاحيات إضافية قليلة وقيدت أغلبها بمشاركة رئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي".

ويؤكد أن "التصويت الأغلبي الشكلي (على الدستور) هو نقيض مبدأ التوافق الذي يفترض أن يسود مرحلة التأسيس، وكان من المفروض الاتجاه إلى تشكيل حكومة تصريف أعمال من وجوه مستقلة تحظى بالإجماع الواسع أو الأوسع وكفاءات وطنية".

 ويضيف "لو حدث ذلك لانهمك أعضاء المجلس في المناقشة المستفيضة للدستور الكبير الذي انتخبهم الشعب من أجل صياغته، ولما استغرق الدستور الصغير (المؤقت) كل هذا الوقت."