رأي.. حبيب الملا يكتب لـCNN عن اتجاه الإمارات لتعديل قانون الوكالات التجارية الحمائي

اقتصاد
نشر
8 دقائق قراءة
حبيب الملا يكتب لـCNN عن اتجاه الإمارات لتعديل قانون الوكالات التجارية
Credit: GettyImages

هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة في الإمارات العربية المتحدة. الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

أشارت بعض المصادر مؤخراً إلى توجه دولة الإمارات العربية المتحدة لتعديل قانون الوكالات التجارية، وهو الأمر الذي أكدته السلطات إذ أعلنت وزارة الاقتصاد أن مشروع القانون يسلك دورته التشريعية وأنه سيُعرض على المجلس الوطني الاتحادي. ثم أكدت الصحف المحلية ذلك إذ تم عرض مشروع القانون على لجنة الشؤون المالية والاقتصادية لدراسته تمهيدا لرفعه إلى مجلس الوزراء الاتحادي ومن ثم إلى رئيس الدولة لإصداره كقانون.

وقانون الوكالات التجارية الصادر عام 1981 قانون حمائي إذ أنه في حال تسجيل الوكالة لا يمكن للموكل أي الشركة الأجنبية إلغاء الوكالة وإنهاء تعاقدها مع الوكيل المحلى إلا بموافقة الوكيل أو بصدور قرار من لجنة الوكالات التجارية بذلك. ولجنة الوكالات التجارية هي لجنة ذات صفة قضائية مستقلة في وزارة الاقتصاد بهدف نظر النزاعات التي تنشأ بين الشركات الأجنبية ووكلائها المحليين وينظر إليها عادة أنها تحمي مصالح الوكلاء. وطالما أن الوكالة ما زالت مسجلة فإن الشركة الأجنبية لا تستطيع تعيين وكيل آخر أو توريد البضاعة إلى داخل الدولة. ومثل هذا القانون ليس أمرا خاصا بدولة الإمارات فالكثير من دول المنطقة بها قوانين شبيهة لحماية مصالح التجار المحليين.

ولقد واجه قانون الوكالات التجارية انتقادات كثيرة من حيث إنه قانون حمائي يحد من قدرة الأفراد على التعاقد والفسخ الطبيعي للعقود ويشجع على الاحتكار ويقضي على المنافسة الطبيعية. وأنه كذلك ليس في صالح المستهلك الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وسوء الخدمة المقدمة نتيجة لاحتكار السلعة من قبل مورد واحد وعدم قدرة الشركة مالكة السلعة على عزله أو تغييره. ومع ذلك فإن القانون ظل في منأى عن التعديل لارتباطه بمصلحة قطاع تجاري ضخم في الاقتصاد.

والجدير بالذكر أن صدور القانون بهذا الشكل حينها كان للمحافظة على القطاع التجاري الوطني الناشئ حديثا بعد تكون الدولة الاتحادية. إذ كانت العديد من الوكالات التجارية في أيدي غير المواطنين. فارتأى المشرع حينها أنه لحماية القطاع التجاري الوطني الناشئ فلا بد من حمايته بغطاء تشريعي يضمن له الحماية حتى يتمكن من الاستمرارية والنمو لحين ترسخ أقدامه ويصبح قادرًا على المنافسة مع غيره ممن سبقه في المجال التجاري من غير المواطنين الذين كانت تتوفر لديهم الخبرة والقدرة المالية التي لم تكن موجودة لدى القطاع الوطني الناشئ حينها. فكان هذا الهدف مشروعا إذا أخذت الدولة بيد هذا القطاع ومكنته من الثبات والنمو والمنافسة. واليوم ومع تمكن القطاع الوطني من المنافسة حتى في الأسواق الخارجية بما توفر لديه من خبرة إدارية وقدرة مالية فإن احتفاظ قانون الوكالات التجارية بهذا الطابع المحافظ أصبح يضر بالمنافسة الحرة وسياسة تشجيع الاستثمار التي تنتهجها الدولة. بل إن هذا القانون أصبح عبئًا ثقيلًا خاصة على المستهلك المعدوم الخيارات والذي أصبح ضحية لجشع البعض الذي استغل قانون الوكالات التجارية ضاربًا بعرض الحائط مصالح القطاعات الأوسع من المستهلكين. ومن هنا اتجهت دولة الإمارات للتخفيف من حدة هذا القانون فكانت البداية باستثناء بعض القطاعات الحيوية التي تمس الحياة اليومية للمستهلكين كقطاع الأغذية ثم صدرت تعديلات تسمح بإنهاء عقد الوكالة في حالات معينة مثل الحالة التي يخفق فيها الوكيل المحلي في تجديد عقد الوكالة أو إذا صدر منه إخلال جوهري بالتزاماته العقدية. إلا أن هذه التعديلات كانت تمس شكل القانون دون جوهره الذي ظل متمسكا بروحة المحافظة.

ويبدو أن دولة الإمارات ترى أن قانون الوكالات التجارية قد أدى دوره واستنفد أغراضه وأن الوضع الاقتصادي يحتاج إلى نظرة أخرى مغايرة تواكب التوجهات الاقتصادية التي تتبناها الإمارات في مجال تشجيع الاستثمار فضلاً عن تعزيز الشفافية وسلامة توازن العلاقات بين الوكيل والموكل.

والذي ترشح من معلومات أن مشروع القانون الجديد سوف يبقي على سجل الوكالات التجارية قائما إلا أن تجديد الوكالة سوف يحتاج إلى موافقة الموكل الأمر الذي يعني انتهاء الوكالة تلقائيا إذا لم يتفق الوكيل والموكل على التجديد وبالتالي فلم يعد استمرار الوكالة أمر بيد الوكيل فقط.

لذلك فمن السابق لأوانه القول إن القانون سيكون في مصلحة المستهلك على الأقل في المستقبل القريب. إذ يتوقع أن جزءًا كبيرًا من هذه الوكالات ستستمر بسبب العلاقة التاريخية بين الموكلين وهؤلاء الوكلاء ولكن قد يتغير الإطار القانوني الذي ينظم العلاقة بينهم من عقد وكالة تجارية إلى عقد توزيع قد يكون حصريًا وقد لا يكون. بمعنى آخر فإن القانون يهدف في الأساس إلى تعديل ميزان القوى المائل حاليا لصالح الوكيل بحيث يكون أكثر توازنًا في العلاقة بين الطرفين. كما سيعطى للبنود العقدية في العلاقة بين الطرفين قوة أكثر بحيث تكون هي المرجعية الأولى التي تنظم العلاقة وليست النصوص الحمائية في القانون فيكون من حق الموكل مثلا فسخ العلاقة في حال إخلال الوكيل بالتزاماته العقدية.

وإن كان هناك مجال للتعديل فإنني أقترح أن يتضمن مشروع القانون ثلاثة أمور هي:

- تضمين فترة انتقالية تسمح لأطراف العلاقة التعاقدية تنظيم أمورهم والوصول إلى شكل جديد يناسب التغيرات القانونية المزمع إجرائها. فوجود مثل هذه الفترة الانتقالية سيضمن عدم إلغاء بعض الوكالات فورًا دون توافر البديل وسيجنب الطرفين النزاعات القضائية التي قد تحدث في حال الإلغاء الفوري من حيث المطالبة بتعويضات وخلافه.

- تضمين القانون نص يقضي بأنه خلال الخمس سنوات الأولى من صدور القانون وانتهاء الوكالات الحصرية تكون ممارسة نشاط التوزيع قاصرة على المواطنين بشرط قيامهم بالإدارة شخصيًا. فمثل هذا النص سوف يشجع جيل الشباب على ولوج هذا النشاط ويغرس فيهم روح التجارة.

- تضمين القانون نص يقضي بحظر ممارسة نشاط التوزيع في الإمارات على كل من يمتلك وكالة تجارية في المنطقة. والهدف ألا تتحول الوكالات التجارية من أيد العوائل التجارية في الإمارات إلى أيد الوكلاء التجاريين الآخرين في المنطقة الذين قد تكون أسواقهم أكبر وعلاقاتهم أرسخ من الشركات وبالتالي تنتقل كل هذه الوكالات إلى الخارج الأمر الذي يشكل خطرا على اقتصاد الإمارات. ومثل هذا الحظر موجود في سنغافورة حيث لا يوجد قانون وكالات وذلك لمنع أصحاب الوكالات الحصرية في ماليزيا من الاستثمار في أنشطة التوزيع في سنغافورة.

لقد خطت دولة الإمارات خطوات جريئة في سبيل تحرير أسواقها وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتعديل قانون الوكالات التجارية خطوة أخرى في هذا الاتجاه.

نشر