دروس مستفادة من وباء 1911 بالصين يحتاجها العالم للتصدي لفيروس كورونا

علوم وصحة
نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في عام 1911، انتشر وباء مميت في أنحاء الصين، وكاد أن يصبح جائحة عالمية. 

ويبدو أن أصل الفيروس يعود إلى الإتجار بالحيوانات البرية الحية، ولكن في ذلك الوقت لم يكن أحد يعلم مصدر الوباء المميت. 

ووُضعت العديد من الإجراءات للحد من انتشار الوباء ومنها عمليات الإغلاق، وتدابير الحجر الصحي، وارتداء الأقنعة، والقيود على السفر، والحرق الجماعي للضحايا، ومراقبة الحدود في محاولة لخفض معدل الإصابة بالفيروس.

ومع ذلك، فقد توفي أكثر من 60 ألف شخص في شمال شرق الصين، مما جعلها واحدة من أكبر أماكن الأوبئة في العالم في ذلك الوقت.

وعندما تمت السيطرة على المرض في نهاية المطاف، عقدت الحكومة الصينية مؤتمر الطاعون الدولي في مدينة شنيانغ الشمالية، بالقرب من مركز تفشي المرض.

وحضر المؤتمر خبراء في علوم الفيروسات والجراثيم وعلم الأوبئة من العديد من القوى العظمى في العالم أمثال الولايات المتحدة، واليابان، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا.

ولم يحضر أي سياسيين إلى شنيانغ، إذ تواجد فقط العلماء الذين رأوا الحاجة إلى استجابة حكومية دولية عالمية.

وكان الهدف من المؤتمر معرفة سبب تفشي الفيروس، ومعرفة تقنيات القمع الأكثر فاعلية لاحتوائه، بالإضافة إلى تقييم ما يمكن عمله لمنع حدوث موجة ثانية.

وبدا المؤتمر الدولي في ذلك الوقت كمحاولة حقيقية للتعلم والاستفادة من خبرات الخبراء الدوليين.

ونظراً لأن العالم يواجه الآن وباءً يتسم بعدم وجود استجابة منسقة عالمياً، وجهود متعددة الأطراف من جانب القادة السياسيين، فإن الجوانب التعاونية لمؤتمر عام 1911 في شمال شرق الصين تستحق إعادة النظر فيها.

واليوم، يبدو أن منظمة الصحة العالمية تواجه الاتهامات بفقدان السيطرة على الوضع، بينما تتنافس الدول الكبرى على الموارد الطبية، في حين تُترك البلدان الفقيرة لتدعم نفسها إلى حد كبير.

حيوان الغرير والطاعون

وبدأ فعلياً وباء الطاعون المدمر في شمال شرق الصين عام 1910.

ومنذ خريف عام 1910، وحتى تمت السيطرة على تفشي الفيروس في العام التالي، تُوفي ما يقدر بنحو 63 ألف شخص.

وتصدّر الوباء عناوين الصحف الدولية عندما وصل إلى مدينة هاربين الشمالية الشرقية.

وباء عام 1911 بالصين.. كيف اجتمع العالم للتصدي لكارثة مميتة؟
مدينة هاربين في نحو عام 1932Credit: the asahi shimbun/getty images

وكانت هاربين جزءاً مما كان يُعرف في ذلك الوقت باسم منشوريا، وهي منطقة شاسعة ذات أهمية زراعية ولكنها ذات كثافة سكانية منخفضة، وتقع عند نقطة تلاقي مناطق النفوذ الصينية، واليابانية، والروسية.

وكانت هاربين موطناً للعديد من الروس الذين عملوا في سكك حديد الصين الشرقية، التي ربطت السكك الحديدية عبر سيبيريا بمدينة داليان الساحلية التي تسيطر عليها اليابان.

وكانت المدينة موطناً لمجتمعات كبيرة من اليابانيين، والأمريكيين، والأوروبيين المشاركين في الحرف المرتبطة بالسكك الحديدية التي شملت تجارة الفراء.

ومن المرجح أن تكون صناعة الفراء هي مصدر الفيروس.

واشترت شركات الفراء الأوروبية، والأمريكية، واليابانية فراء حيوان السمور، والمنك، وثعالب الماء منذ فترة طويلة من الصيادين المحليين، ولم تكن مهتمة بفراء حيوان المرموط السيبيري الخشن. ولكن الأساليب الهالكة المستخدمة في مطلع القرن سمحت بمرور فراء حيوان الغرير كبديل ميسور التكلفة لفراء بجودة أفضل.

ويتبع حيوان المرموط السيبيري، أو الطربغان، فصيلة السنجابية من رتبة القوارض، وفي الغالب يعيش في المراعي وسهول منغوليا ومنشوريا المجاورة.

وتم تكليف الآلاف من الصيادين المحليين الرُحّل من قبل المشترين الأجانب بإحضار جلود حيوان الغرير، التي ارتفعت قيمتها في السنوات التي سبقت الفيروس.

وتجنب الصيادون في الريف منذ فترة طويلة استهلاك حيوان الغرير المريض من أجل الطعام، ولكنهم لم يفكروا في التخلي عن جلود الحيوانات المريضة، وخاصةً عندما تكون قيمتها كبيرة.

وباء عام 1911 بالصين.. كيف اجتمع العالم للتصدي لكارثة مميتة؟
صورة لضحايا وباء الطاعون في منشورياCredit: historic collection/alamy stock photo

ومن الصعب تحديد التفشي الأولي للطاعون، ولكن الأطباء الروس لاحظوه لأول مرة رسمياً في مانتشولي، مدينة منغولية داخلية على الحدود الصينية الروسية.

وشملت الأعراض حمى يتبعها نفث الدم، أي سعال الدم.

وفي مانتشولي، تُرك المتوفون في الشارع، وتحولت سيارات الشحن بالسكك الحديدية إلى أجنحة للحجر الصحي.

ومثلما تنتشر الفيروسات بسرعة على طول خطوط الطيران اليوم، في تلك الفترة سهلت السكك الحديدية انتشار الفيروس. 

وظهرت حالات الطاعون الرئوي في محطات السكك الحديدية الرئيسية، أي في بلدية تيانجين الصينية، وعلى طول خط السكة الحديد إلى مدينة ووهان.

وفي الأحياء الفقيرة المكتظة في هاربين، انتشر الفيروس بوتيرة سريعة.

وبحلول 8 من نوفمبر/تشرين الثاني 1910، بلغ عدد حالات الوفاة في هاربين 5 آلاف و272 حالة.

وكانت الاستجابة لتفشي المرض سريعة، بالنظر إلى القيود اللوجستية في بداية القرن العشرين، إذ تم إنشاء مراكز الحجر الصحي، ومعظمها داخل سيارات الشحن بالسكك الحديدية المحولة، للأشخاص الذين اعتقدت السلطات أنهم قد خالطوا المرضى، من أقارب الضحايا والعاملين في تجارة صيد الفراء.

وإذا لم يظهروا أي أعراض في الحجر الصحي خلال فترة 5 إلى 10 أيام، يتم إطلاق سراحهم بسوار من الأسلاك مثبت بختم رصاصي ليثبت خلوهم من الطاعون. ولكن إذا ظهرت الأعراض، فإن سيارة الشحن بأكملها محكوم عليها بالموت. 

وتم حظر عمليات الدفن وتنفيذ عمليات الحرق الجماعي للضحايا.

وفي هاربين، تمكن طبيب من أصل صيني من ماليزيا ومعلم في جامعة كامبريدج، يدعى وو ليان تيه، من احتواء تفشي الوباء.

وبدأ تيه بإجراء فحوصات للضحايا بعد الوفاة وأثبت بشكل حاسم أن المرض كان طاعوناً رئوياً وليس دبلياً، كما أوصى بشدة بارتداء أقنعة الوجه.