محمد سحلول يكتب عن الموت والحياة في زمن كورونا: الخيار بيدك

علوم وصحة
نشر
6 دقائق قراءة
محمد سحلول يكتب عن الموت والحياة في زمن كورونا: الخيار بيدك
Credit: STR/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم الدكتور محمد زاهر سحلول، بروفيسور مساعد في الأمراض الصدرية و العناية المشددة و رئيس الميدغلوبال، مؤسسة إنسانية عالمية لدعم الصحة في مناطق الكوارث، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

في يوم واحد فقدنا 3 مرضى في وحدة العناية المركزة بسبب مضاعفات متعلقة بالتهاب رئوي شديد نتيجة الإصابة بـ”كوفيد-19″.

نحن نصل إلى نقطة تتسارع فيها أعداد الوفيات المتعلقة بـ”كوفيد”، فخلال الاسابيع القليلة الماضية استقبلنا العديد من المرضى الذين يعانون من فشل الجهاز التنفسي الناتج عن الالتهاب الرئوي لـ”كوفيد”، نحن نضعهم على أجهزة التنفس الصناعي، لكنهم يكونون قد وصلوا إلى نهاية الطريق.

الضحايا الثلاث الذين فقدناهم في يوم واحد أعمارهم 45 و53 و73 عامًا، وبينهم رجلين وسيدة واحدة لديها 8 أطفال.
جميع المرضى الثلاث كانوا على أجهزة دعم الحياة لأكثر من 4 أسابيع، وأصيبوا بمضاعفات متعددة، بما في ذلك عدوى البكتيريا المقاومة، والنزيف والفشل الكلوي الحاد والصدمة.

جميعهم كانوا يتلقون أقصى دعم من أجهزة التنفس الصناعي، ولم تكن هناك المزيد من الطرق لمنحهم المزيد من الأكسجين.

حاولنا عمل كل شيء لإبقائهم على قيد الحياة، لكن الفيروس انتصر علينا وعليهم في النهاية، لقد ماتوا ودُمّرت عائلاتهم.
من أكثر المهام التي تتم في وحدة العناية المركزة الاتصال بالعائلات ومشاركتهم بالمعلومات حول تطور المرض الذي يصيب أحباءهم، نخبرهم كيف أن الأمر يتحسن أو يزداد سوءًا، ونضطر إلى إخبارهم بأن حالة أحبائهم لا تتحسن.
وقد نستخدم مصطلحات مختلفة للإجابة على أسئلتهم، لكي يتفهموا عن بُعد خطورة الموقف، ويعلموا أن الإنعاش (ضغط الصدر) لن يساعد في جلب الحياة للمريض عندما يتوقف قلبه عن النبض.

إنها مهمة صعبة مشحونة بالعواطف، فمهما شرحنا لهم أثناء الاتصال فلن يكون لديهم تصور منصف حول خطورة الوضع.

فهم ليسوا موجودين جسديًا لرؤية أحبائهم، ولن يمكنهم مواجهة هذا الموقف الصعب ورؤية الوجوه الشاحبة لأفراد عائلاتهم وهم متصلون بشبكة من الأنابيب التي نحاول من خلالها إنقاذهم.

بعض العائلات تتقبل المعلومات التي نخبرهم بها، ويتخذون القرار الصعب بعدم إنعاش أفراد عائلاتهم عندما لا يكون هناك أمل في بقائهم على قيد الحياة، بينما ينتاب الغضب البعض الآخر، ويظل متشككًا وخاضعًا لعواطفه تجاه من يحبه، مهما قلنا له عن سوء حالته.

إحدى الطبيبات من طلابي كانت على وشك الإصابة بالإغماء، فقط ظلت تبكي بعد مكالمة طويلة عبر الهاتف مع ابنتين وطفلين لمريضتنا البالغة من العمر 73 عامًا، هذه المريضة تم وضعها على أنبوب دعم الحياة لمدة 31 يومًا، لكن أعضاءها كانت تفشل عن القيام بوظائفها.

أرادت عائلتها أن يتم عمل “كل شيء” لإبقاء قلبها ينبض، حاولنا ذلك لكن قلبها توقف عن النبض بعد ساعة من المكالمة.

حاولنا إنعاشها بكل السبل، حتى أننا كنا نقوم بالضغط على صدرها 100 مرة في الدقيقة، رغم علمنا أن الإنعاش لن يعيدها للحياة، ولكننا احترمنا قرار العائلة.

أعطيناها حقن الايبينيفرين في محاولة لإنعاش قلبها، لكننا لم نتمكن من ذلك، كان الخط الذي يؤشر إلى نبض قلبها مستقيمًا لمدة 15 دقيقة، اضطررنا في النهاية لإيقاف محاولاتنا، وأعلنا وفاتها، وأبلغنا الأسرة الحزينة بذلك.

ظلت ممرضتها الشابة تبكي بعد إعلان وفاتها، كانت متعبة ومدمرة إلى أقصى درجة، ورغم ذلك كان عليها أن تواصل عملها وتهتم بثلاث مرضى آخرين في حالة خطيرة، ويحتاجون إلى الكثير من رعاية التمريض.

في السرير المجاور، كان لدينا أب لا يتعدى عمره 59 عامًا، يعاني من فشل عضوي متعدد، وتشخيصات حالته تبدو قاتمة للغاية. وابنته التي تبلغ من العمر 31 عامًا فقط تم وضعها أيضًا في غرفة أخرى بنفس وحدة الرعاية المركزة، كانت مصابة بالتهاب رئوي حاد نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، ولم تكن بخير أيضًا.

قد يكون الفيروس أصبح أكثر فتكًا، وقد تكون بعض المجتمعات، وخاصة المجتمعات اللاتينية، أكثر عرضة للمضاعفات المتعلقة بفيروس كورونا.. ليس لدي دليل على ذلك. لكننا نشهد مرضى صغار السن مصابين بأعراض شديدة وأكثر حدة مقارنة بتلك التي كنا نشهدها في الموجة الأولى من الجائحة.

ما زلنا نتعرف على سلوك الفيروس المستجد الذي تسبب في أسوأ وباء ضرب كوكبنا على مدار المئة عام الماضية. هذا ليس أمرًا هينًا. إنه يستنزف ويصدم العاملين في مجال الرعاية الصحية والأسر على حد سواء.

كان هناك 6 مرضى آخرين ينتظرون في غرفة الطوارئ ليتم قبولهم في وحدة العناية المركزة، لكن لم يكن لدينا أسرّة كافية.

جميعهم مصابون بمضاعفات كوفيد الشديدة، وقد ينتهي بهم المطاف للبقاء على أجهزة دعم الحياة، لكن المؤكد أن بعضهم سينجو من الفيروس، والبعض الآخر لن تُكتب له النجاة.

خطورة هذا الفيروس لا هوادة فيها.. فهو يهاجم جسمك بطرق مختلفة. ويقتلك باستخدام استراتيجيات مختلفة. إنه فيروس ذكي وماكر جدًا. لم نر كأطباء مثل هذا في حياتنا.

في النهاية لديك خيار يا صديقي، يمكنك ارتداء الكمامة وأخذ اللقاح عندما يكون متاحًا، أو يمكنك تحدي العلم والواقع، وتكون مسؤولًا عن موتك أو موت شخص في عائلتك أو مجتمعك.