رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN: صفقة القرن وخيار الاستعانة بصديق

الشرق الأوسط
نشر
4 دقائق قراءة
رأي.. صفقة القرن وخيار الاستعانة بصديق!
Credit: DON EMMERT/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

من الأمثال الشعبية المحظية باعتراف عالمي مقولة: صديقك من صدقك. الاستعانة بصديق خير من حذف إجابتين إن أردت أن تربح المليون! لست هنا في موقع من يقيّم السياسات بسياسييها ولا بتقويم السياسيين بتصريح ولا حتى بمجلد خطابات. لكني نظرت مليا في تشديد جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون محادثات السلام على أهمية الصدق في مخاطبة الرأي العام والكف عن الاختباء وراء مقولات ثبت عقمها. ولا أظنها صدفة أن اختار غرينبلات مصطلح "الإجماع الدولي" مثالا على الفشل، متسائلا عن مدى جدية ذلك الإجماع في ظل فشل متكرر ومتزايد دام زهاء قرن.

وزاد غرينبلات بإيغال مبضعه الجراحي في الواقع المتأزم المتدهور الذي تعيشه بلاد الشرق الأوسط وشعوبه عندما طالب الجميع بترك الفلسطينيين والإسرائيليين وشأنهم في تحديد أولوياتهم وصنع قراراتهم. "نحن هنا وهم هناك" في خضم المعركة، التي ما عادت معركة سلام في ظل واقع اليوم بل صارت معركة بقاء. 

في هذه الأجواء عاد كبير مستشاري الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير إلى المنطقة في جولة "للبناء على النجاح الذي تم تحقيقه في ورشة عمل المنامة". وفي ظل التكتم الشديد الذي اصطبغت به صفقة القرن، فإن "المكتوب يُقرأ من عنوانه" حيث تشير جملة من المؤشرات المباشرة وغير المباشرة إلى أن الأمور على ما يرام رغم الزحام! المتزاحمون على طرفي المعادلة كثر ولكل أجندته. فالرافضون إما ممانعون حقا وإما يتمنّعون. والقابلون إما متحمسون وإما مرجفون. 

ورغم النفي والنفي المضاد حول كامب ديفيد جديد يستضيفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل، إلا أن الدول العربية المرشحة للمشاركة منخرطة فيما قد يبدو تحسين شروط المشاركة فلكل مخاوفه الوطنية المحقة بشأن أي حل سياسي لا يحظى بقبول شعبي وبخاصة الفلسطيني. 

وفي فاصل قصير أعرض فيه صورا على طريقة "سناب شات" سأعود بعده إلى صلب الموضوع وهو صفقة القرن. الصورة الأولى التي لمحت فيها شيئا ذا صلة هي أزمة فلسطينيي لبنان، الصورة الثانية هي صلاة سواح إسرائيليين يهود في مقام النبي هارون في البترا جنوب الأردن، الصورة الثالثة جنوبية أيضا لكنها من العراق، حيث الكمان اللبناني يعزف موطني بأنامل حسناء في أرض كربلاء، أما الصورة الرابعة فهي بهجة المواطنة السعودية في حرية السفر دون إذن خطي مسبق من ولي قد يكون ابنها الذي لم تنبت له لحية بعد!

كل تلك الصور مجتمعة تشكل مشهدا يؤكد وجود إرهاصات تغيير عميق شامل في الوعي العام. ما أراهن عليه بعيدا عن دلالات الاهتمام بالأمن السيبيري والتعديلات الخاصة بقوانين التجنس والإقامة والعمل والهجرة واللجوء هو تشكل وعي عام ساهمت به منصات التواصل الاجتماعي برفض ثقافة الكذب وتوق الناس للصدق طوق نجاة. 

ولعلّي أغرّد خارج السرب عندما أقول إنني أتفق للمرة الأولى مع أولئك الذين يلومون الحكومة بكل شيء سلبي في حياتهم حتى الخاصة من عنف أسري وتزويج قسري إلى ظاهرة الغارمات في عز موسم الحج الأكبر. الكرة الآن في ملعب الحكومات الشرق أوسطية بما فيها سلطتا رام الله وغزة. المرجو من السادة أصحاب الدولة والنيافة والفضيلة أن يتفضلوا بتجريب الصدق مع شعوبهم. المطلوب مصارحة الناس ومكاشفتها دون لف ودوران بكل شيء ولا أعني هنا المديونية وأسبابها ولا الميزانية وأولوياتها في حال نجاتهما من غول الفساد، المطلوب هو الصدق في تسمية الأمور بمسمياتها، دعوا الناس تفضفض وتتحدث عن همومها الحقيقية وأحلامها الحقيقية بعيدا عن شعارات من عيار "الإجماع الدولي"!