رأي: تغيرات في الحسابات بين السعودية وإيران.. فهل ما يجري بداية تهدئة بين البلدين؟

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
السعودية
Credit: YASIN AKGUL/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم طارق عثمان، الكاتب والمعلق السياسي، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لقاء واحد أو اثنين، غالبًا على مستوى رئاسة جهاز الاستخبارات. تحركات في عاصمة أوروبية وأخرى عربية من أجل عقد لقاء آخر بعد أسابيع قليلة، لاستكمال الحوار. هل هذه بداية تهدئة بين السعودية وإيران؟

نعم في المرحلة المقبلة، لا في الإطار الزمني الأبعد - وذلك نابع من تغيرات في الحسابات على الجانبيين.

5 عوامل غيّرت الحساب السعودي بخصوص المواجهة الإقليمية مع إيران:

1- اليمن… بعد ما يقرب من 10 أعوام، المملكة العربية السعودية ما زالت بعيدة عن الأهداف التي أرادتها من تلك الحرب. على العكس، عدوها الرئيس في اليمن (الحوثيون) وسّع من نطاق سيطرته داخل اليمن، واستطاع، بمساعدة إيرانية، تطوير قدراته لتهديد أهداف اقتصادية مهمة داخل السعودية.


2- الإدارة الجديدة في واشنطن اتخذت موقفًا مهمًا ضد الحرب في اليمن… ليس فقط بالكلمات، لكن بوقف تزويد المملكة العربية السعودية باحتياجات مهمة، بما في ذلك ما هو مطلوب للحملات الجوية، وتلك في قلب العمليات العسكرية في اليمن. والحاصل من ذلك، أن القدرات السعودية في اليمن ستتأثر، مما سيُزيد من قدرات الحوثيين. وفي النهاية فإن أي قرار حوثي كبير متعلق بالسعودية غالبًا لابد له من تنسيق مع إيران.


3- هناك دوائر هامة في واشنطن معادية للسعودية تستغل الكارثة الإنسانية التي ترتبت على حرب اليمن، لوضع ضغوط على المملكة. وذلك يأتي بعد عملية قتل الصحفي خاشقجي في إسطنبول. والنتيجة أن تموضع السعودية هذه الأيام في الغرب بشكل عام وفي أمريكا بشكل خاص ليس جيدًا. وعليه فإن أي تحسن في الوضع في اليمن (ولإيران دور في ذلك) سيقلل من التداعيات الإنسانية للوضع هناك، والتي تجد صداها في الغرب.

التوقيت هنا مهم. لأن الأمير محمد بن سلمان يدرك أن تموضعه هو شخصيًا في الولايات المتحدة له تداعيات في المرحلة القادمة عندما تأتي لحظة ما بعد الملك سلمان والصعود إلى العرش السعودي. في تلك اللحظة، تحركات الولايات المتحدة ستكون ذات أهمية، وربما ذات تأثير.


4- الاتفاق المحتمل بين أمريكا وإيران: السعودية تعلم أن الاتفاق سيأخذ وقتاً، ولكنه غالبًا حاصل. وكما يقول المثل الإنجليزي الشهير، إذا لم تستطع أن تغلبهم، شاركهم… ولذلك فإن السعودية تريد محادثات مع ايران في هذا الوقت الذي تتطور فيه المفاوضات الأمريكية-الإيرانية.


5- هناك لاعب جديد نسبيًا على الساحة، أثبت أنه يستطيع تقريب وجهات نظر بعيدة عن بعض. وهو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. وهو بالرغم من علاقة طويلة ومتشابكة مع طهران، استطاع أن يحوز ثقة الرياض (كما استطاع أن يقترب من عمّان والقاهرة).

والمهم أن الكاظمي وجد زوايا ترى منها طهران والرياض مكاسب من الحوار أكثر من المكاسب المحتملة من الصراع، خاصة في اليمن، وبعد ذلك في لبنان.

من ناحية الحساب الإيراني:

1- إيران، كعادتها، تريد مفاوضات، حتى وهي في قلب صراع. وتلك الرؤية كانت ومازالت حاكمة في كل ملفات علاقاتها الخارجية تقريبًا.


2- إيران دائمًا، ومنذ الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، ترى في علاقتها بالسعودية بوابة لملفات في غاية الأهمية لإيران، مثل الوجود الشيعي ودوره في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومستقبل النظام السياسي في البحرين (والبلد ذو غالبية شيعية)، ومثل العلاقة السنية -الشيعية بشكل عام.

ولذلك، فإن حالة عداء حاد دائم لم تكن أبدًا مرغوبة من طهران. لأنه، في الفكر الإيراني، هناك ما يمكن الحصول عليه بالكلام مع السعودية.


3- إيران حققت نجاحات استراتيجية مهمة في العقد الماضي. والكثير من تلك النجاحات كان على حساب السعودية. ولكن إيران ايضًا مرهقة جدًا - سواءً اقتصاديًا او عسكريًا. ولذلك فإن لحظة التقاط أنفاس، من خلال اتفاق و لو محدود مع السعودية، مطلوبة - خاصة أن السعودية ليست مرهقة اقتصاديًا. كما أن السعودية تملك من الأدوات في دنيا البترول أكثر كثيرًا مما تملك إيران. وعليه فإن السعودية قادرة على زيادة الضغط على إيران.

لكن كلمة "اتفاق محدود" مفتاح مهم في التفكير هنا. لأنه بالرغم من كل تلك العوامل على الجانبين، يبقى أن المصالح الكبرى والأهداف الاستراتيجية لنظام الجمهورية الإسلامية في طهران وللعائلة السعودية، متعارضة تمامًا.. ولذلك سيبقى الصراع بين النظامين، وسيتطور، وسيكون له، كما كان الوضع في العقد الماضي، تداعيات على الخليج وعلى شرق البحر الأبيض المتوسط. لكننا الآن غالبًا أمام لحظة سيكون فيها اتفاق محدود، وستنزل فيها درجة حرارة المواجهة، بالبداية في اليمن، وغالبا بعد ذلك في لبنان.