بشار جرار يكتب عن مقتل عراقية على يد أبيها "اليوتيوبر" الساخر: "شهد وئدت".. هل يتدخل الصدر؟

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
منظر عام يظهر نهر شط العرب في مدينة البصرة جنوب العراق
Credit: HUSSEIN FALEH/AFP via Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

ومازالت جرائم "الشرف" تتوالى في العالمين العربي والإسلامي ولم يسلم منها المهجر، حتى الجيل الثالث. مقالتي السابقة كرستها لضحيتين سورية ومصرية، وها نحن اليوم أمام خبر صادم من العراق، من البصرة التي ما زلنا شاهدين على خرابها لأسباب شتى، نقصرها في هذا المقام على العنف الأسري والمجتمعي.

حتى الآن تضاربت الأنباء فيما إذا كانت المأساة جريمة "شرف" أو مجرد أب اختلف مع طفلته ابنة الـ14 ربيعا لأنها فتحت الباب لشاب ظنته أخاها! مدافع غيور على سمعة الوالد محمد العيساوي، قال بانفعال إن ما جرى كان خلافا عائليا وأن القاتل "عصبي" لم يتمالك أعصابه فجرى ما جرى، حاثا المجتمع البصري والعراقي على احترام خصوصية الأسرة وسمعة الأب الطيب الكوميدي المعروف في إنتاجه "المحتوى" الساخر على يوتيوب!

تشاء الصدف أو الأقدار، أن يكون من أحدث إصداراته -أو لعلها الأخيرة- فيديو يتعهد فيه -وقد لوح بالعلم العراقي- لأحد المشاركين في مسيرة سياسية، بتزويج ابنته -طفلته- بلا مهر لوجه الله تعالى، شريطة أن يظفر التيار الصدري بتشكيل الوزارة المقبلة.

الصادم بالأمر كما في كل جريمة "شرف" وجميعها جرائم لا شرف فيها ولا عذر، الصادم أن تلك الفورة، العصبية أو الهياج العصبي العصابي لا يهدأ حتى بعد فحص "كشف العذرية". وهي في نظري جريمة مركبة يصر فريق من رجال إنفاذ القانون ومن قبل الأطباء "الشرعيين" -الجنائيين- بالسكوت عما صار ترسيخا لهذا النمط من السلوك الإجرامي عن سابق قصد وترصد. كم من الجرائم اتضح أنها بدافع سرقة ميراث أو ابتزاز مالي وحتى جنسي لإسكات صوت ضحية كانت لسنوات ضحية استغلال جنسي من أقرب الناس إليها. جرائم تهتز لها الضمائر من هول شرها وقسوتها وخستها.

لم يعد التقصير مقبولا، فالسكوت عن الجريمة شراكة بها. يشترط الساسة من السلطات الثلاث أحدث منتجات الديمقراطية والحداثة عندما يستوردون على حساب قوت المواطنين. بعض الحكومات والمجتمعات تقوم على ما يقدم لها من منح ومساعدات وقروض. من غير المقبول أن يستمر هذا الصمت الذي يرقى إلى التواطؤ والنفاق من دول المانحين في العالم الحر. آن الأوان – الضغط الخارجي سياسيا وماليا - لحل جرائم القتل والتعنيف هذه من جذورها.

البداية في تساوي الناس ذكورا وإناثا بالحقوق والواجبات، ومن ثم سحب الوصاية ممن لا يصونها بصرف النظر عن القرابة ولو كان أبا معيلا! من أولى مقومات "القوامة" هي الحماية ومن ثم الإنفاق. أما القضية الثانية التي لا بد من التعامل معها بصدق وأمانة فهي الشرف. الشرف قيمة وخلق ومعنى والتزام لا ينحصر بالجسد، ولا بجسد المرأة وحدها، ولا بـ"العذرية". أما القضية الثالثة/ وأراها الأولى والأسهل بالتصدي لها من الناحية العملية فهي: ثقافة العنف، شهوة الانتقام وسلوك الغضب. ثمة هياج عاطفي على مختلف الصعد، تراه حتى في مشادات برلمانية تصل إلى تبادل اللكمات كما حصل قبل أيام في مجلس النواب العراقي ومن قبل الأردني والتونسي. العواطف والمشاعر من سمات الكائنات الحية والتحكم بها هو ما يفرقها عن عالم الحيوان ويميز مجتمعات على أخرى.

"خراب بصرة" وكل مدن عالم اليوم سيتوالى ما لم تتحقق حالة من الوعي تحرسها يد رادعة غير مرتجفة للعدالة. هاشتاغ الطفلة في العراق كان ومنذ وقوع الجريمة: حق شهد العيساوي، فمن يقول "أنا لها" كما هو متعارف عليه في المجتمعات المحافظة.

علّ هذه المقالة تصل إلى سماحة السيد مقتدى الصدر الذي أكثر ما أساء له هذا الأب القاتل. قضايا الرأي العام لا يحلها سوى المؤثرين الحقيقيين. وعراق اليوم، يُسمع فيه كلام الصدر، فلعلها فتوى تصدر عن سماحته أو المراجع الدينية من مختلف الأديان والمذاهب، تحقن دماء العراقيات في القرن الواحد والعشرين، وتنتصر لشهد..