مفهوم الرحلات الجوية إلى "لا مكان" ظهر إلى النور في ظل كورونا.. ما مصيرها الآن؟

سياحة
نشر
7 دقائق قراءة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قبل الجائحة، كان إعلان شركات الطيران عن رحلات جوية إلى "لا مكان"، حيث يهبط الركاب في المكان الذي أقلعوا منه فكرة غير واردة. لكن مع إبقاء "كوفيد-19" الطائرات في مهابطها حول العالم، لجأت الشركات إلى أفكار مبدعة، أدّت إلى ولادة صيحة جديدة في عالم الطيران.

وقد بيعت تذاكر رحلة لخطوط "كانتاس" الجوية مدّتها 7 ساعات لمشاهدة معالم سياحية في أستراليا من السماء، في 10 دقائق فقط، في سبتمبر/أيلول عام 2020.

في وقت لاحق من فصل الخريف عينه، استقل ركاب في تايوان رحلة طيران تابعة لـ"EVA Air" إلى "لا مكان" بهدف المواعدة السريعة على متنها.

وفي مايو/ أيار 2021، حجزت تذاكر رحلة "كانتاس" الهادفة إلى توفير إطلالة رائعة على القمر العملاق، وذلك لمدة دقيقتين ونصف دقيقة فقط.

غيّرت الرحلات الجوية إلى "لا مكان" السفر الجوي في عصر كورونا.. ما مصيرها الآن؟
صورة تُظهر الأشخاص على متن أول رحلة إلى لا مكان لشركة "كانتاس" في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020. Credit: James D. Morgan/Getty Images

حاليًا، نحن في السنة الثالثة من الجائحة. مع تخفيف القيود المفروضة على السفر وسط الشكوك بسبب متحوّر "أوميكرون"، أخبرت العديد من شركات الطيران CNN أنها تبتعد عن الرحلات الجوية إلى "لا مكان"، وتركّز على استعادة جداول مساراتها المعتادة رغم وجود استثناءات.

ردود فعل كبيرة

وعملت الرحلات الجوية إلى "لا مكان" عمومًا في الدول التي فرضت قيودّا صارمة على السفر خلال الجائحة.

وكانت الحدود الأسترالية مغلقة تمامًا حين أقلعت رحلة "كانتاس"، في خريف 2020. وبقيت المحظورات على السفر جارية عندما نظّمت "كانتاس" رحلات "مجهولة" إلى لا مكان، ورحلتها الخاصة بالقمر العملاق عام 2021.

وقال متحدث باسم "كانتاس" لـCNN إن شعبية عروض شركة الطيران كانت "مشجعة جدّا".

وأوضح المتحدث أن الرحلات قدّمت "فرصًا فريدة لركّابنا الذين اشتاقوا لخوض تجربة الطيران، والإثارة الناجمة عن السفر، فضلاً عن إتاحة إمكانية العمل لموظفينا، وتحريك طائراتنا، والترويج للسياحة الأسترالية".

ويمكن للمقيمين الأستراليين الآن السفر بسهولة أكبر، فيما لا تزال الحدود مغلقة أمام الوافدين الآخرين. ويتوقّع إعادة فتحها بالكامل هذا العام. واقترح المتحدث باسم "كانتاس" أنه نتيجة لذلك، تركّز شركة الطيران على استئناف المزيد من العمليات المنتظمة، لكنها لم تستبعد عودة رحلة لا مكان".

ولم تلحق العديد من شركات الطيران في العالم صيحة هذا النوع من الرحلات، مع تمكّن بعضها، مثل الخطوط الجوية القطرية، الحفاظ على جداول منتظمة.

وقال متحدث باسم الخطوط الجوية القطرية: "ظلّ تركيزنا على إعادة الأشخاص إلى الوطن، ومواجهة التحديات التي تفرضها الأزمة العالمية".

ولم تقلع أي رحلة إلى "لا مكان" في الولايات المتحدة، حيث واصلت شركات الطيران تشغيل الرحلات الداخلية خلال الجائحة.

وبينما كانت هناك قواعد سفر صارمة للغاية في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، اختارت شركات الطيران الأوروبية عدم المشاركة في هذه الصيحة أيضاً إلى حد كبير.

وكان الاستثناء شركة Smartwings ذات الميزانية المحدودة، التي قيل إنها جالت بالمسافرين خلال رحلة قصيرة نظمتها لمشاهدة المعالم حول بودابست في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

واستفادت شركات الطيران الأخرى من طائراتها التي بقيت على اليابسة بطرق أخرى.

وبينما تردّدت شائعات حول عزم الخطوط الجوية السنغافورية إلى تشغيل رحلات لمشاهدة المعالم في خريف 2020، قال متحدث لـCNN إنها اختارت إعطاء الأولوية "لسلسلة من المبادرات على متن طائرة مركونة عند البوابات"، مثل "مطعم A380" في مطار "شانغي".

وأكّدت خطوط "أول نيبون" الجوية اليابانية، شركة الطيران الوحيدة، خططها لمواصلة رحلات مشاهدة المعالم حتّى عام 2022، كما اعتمدت مبادرات أخرى تتمحور حول موضوع الطيران، مثل بيع وجبات الطائرات عبر الإنترنت، وتحويل الطائرات إلى مطاعم، كما لديها خطط لاستضافة حفلات الزفاف على متن طائرة "A380" برًّا.

وجهة نظر مسافر

غيّرت الرحلات الجوية إلى "لا مكان" السفر الجوي في عصر كورونا.. ما مصيرها الآن؟
التقط المسافر كي هوانغ هذه الصورة لسيدني من أول رحلة إلى لا مكان لشركة "كانتاس" في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020. Credit: Courtesy Ke Huang

وكان كي هوانغ، عاشق السفر والطيران، على متن أول رحلة لشركة "كانتاس" إلى لا مكان في خريف 2020.

وقال هوانغ لـCNN في ذلك الوقت: "كان الطيران على ارتفاع منخفض فوق هذه المعالم أمرًا فريدًا حقًا".

ورغم تذكّره الرحلة بشغف، إلا أنه قال أخيرًا إنه منذ ذلك الحين، أصبح يستغل قيود السفر المخفّفة على الحدود الأسترالية بشكل كامل.

وقال هوانغ: "بما أنّه صار في إمكان المواطنين الأستراليين السفر دوليًا والعودة من دون الخضوع لحجر صحي، أعتقد أن اهتمام الناس العام برحلات قصيرة تراجع".

غيّرت الرحلات الجوية إلى "لا مكان" السفر الجوي في عصر كورونا.. ما مصيرها الآن؟
راكبة تحاول التقاط صورة للقمر العملاق من رحلة طيران تابعة لـ"كانتاس" في مايو/أيار من عام 2021. Credit: James D. Morgan/Getty Images

ورأى رئيس قسم الضيافة، والسياحة، والترفيه في جامعة "شانون" التكنولوجية في إيرلندا، الدكتور توني جونستون، أنه لا يتوقّع استمرار هذه الرحلات.

وقال جونستون لـCNN: "من غير المرجّح أن تتطور كخدمة خلال عام 2022". ثم أضاف: "كمنتج، هي ليست رخيصة بشكل خاص، وهي لا تمنحك الوصول إلى مكان ما بالفعل، ولا أتوقع أنها ستثير اهتمام المستهلك لتصير مجدية تجاريًا، لا سيّما في سياق زيادة أسعار الوقود، ورسوم الهبوط".

واقترح جونستون أيضًا أنّ الدول ستمنح الأولوية للسياحة خلال عام 2022، وستتردد في إغلاق الحدود.

مسألة الاستدامة

غيّرت الرحلات الجوية إلى "لا مكان" السفر الجوي في عصر كورونا.. ما مصيرها الآن؟
حلّقت رحلة "كانتاس" إلى لا مكان في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020 فوق الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا. Credit: James D. Morgan/Getty Images

وعندما بدأت شركات الطيران بيع تذاكر الرحلات الجوية إلى "لا مكان" لأول مرة، أُثيرت على الفور أسئلة متعلقة باستدامتها.

وقال متحدث باسم منظمة "أصدقاء الأرض"  (Friends of the Earth) لـCNN في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد رحلة "كانتاس" الأولى لمشاهدة المعالم: "قد لا تذهب هذه الرحلة الجوية إلى أي مكان، لكن لابد للانبعاثات المدمرة للكوكب أن تذهب إلى مكان ما. وذلك المكان هو الغلاف الجوي مباشرةً حيث تساهم في تراجع المناخ".

وقالت "كانتاس" إنه تم تعويض 100% من الانبعاثات الناتجة عن رحلاتها، بينما دعت شركة EVA Air الركاب لتعويض الانبعاثات من خلال حاسبة الكربون الخاصة بها.

وأضاف متحدث باسم EVA أن شركة الطيران تعمّدت استخدام طائرات "بوينغ 787 دريملاينر" الموفّرة للوقود في العديد من رحلاتها.

وقال متحدث باسم "أول نيبون" لـCNN، إن الشركة تعهدت "بخفض انبعاثات الكربون من عمليات الطائرات إلى صافي صفري بحلول عام 2050".

واقترح خبير السياحة جونستون أن العديد من المسافرين أصبحوا أكثر وعيًا بتأثير عاداتهم المتعلقة بالطيران، وقد يكون هذا الوعي المتزايد بمثابة دق مسمار في نعش الرحلات إلى "لا مكان".

ورأى الدكتور مارك ستيتلر، كبير المحاضرين في مجال النقل والبيئة في "إمبريال كوليدج" بلندن، أن تعويض الكربون لن يحل مشكلة الانبعاثات.