سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: الشطارة ليست في شيطنة واشنطن.. متى تتقدم دولة عربية لخطبتها؟

العالم
نشر
4 دقائق قراءة
تقرير سلمان الأنصاري
سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: الشطارة ليست في شيطنة واشنطن.. متى تتقدم دولة عربية لخطبتها؟
وزيرة الخارجية الامريكية جون كيري ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير بوزارة الخارجية في واشنطنCredit: NICHOLAS KAMM/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم سلمان الأنصاري، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.

واشنطن هي بلا شك عاصمة العقول والمشاريع السياسية العالمية. هذه العاصمة رغم قوتها التأثيرية ولكنها برأيي بريئة وخجولة كالفتاة العذراء، وترحب دوما بأي كيان أممي أو حزبي أو تيار سياسي حتى لو أتى من أقاصي الشرق لكي يؤثر في قراراتها وأن يساهم في العملية السياسية العالمية من خلال التأثير والضغط على القرارات والتوجهات السياسية والإقتصادية للعاصمة ذات النفوذ الأضخم على الكثير من دول العالم، ولكن هذه الفتاة (واشنطن) تشترط عليك إشتراطا واحدا فقط وهو تثقيف نفسك بأساليب اللعبة السياسية الواشنطنية قبل الخوض في مجال التأثير السياسي. فهي تريدك أن تفهم تركيبتها النفسية قبل مغازلتها وتحب التعامل معها بسياسة الـ win win اربح تربح ، قبل أن تتجرأ على لمسها.

سواء اختلفنا أو اتفقنا على بعض السياسات الأمريكية، لا أعتقد أننا نختلف على أن هذه الفتاة امتلكت كل مقومات الريادة والتفرد ورغم كثرة ولعها بالماكياج السياسي إلا أنها تتعامل ببراءة الأطفال حينما يطالبون بما يريدون ويزعلون بسرعة ويرضون بسرعة أشد.

أحد الأمور التي لفتت انتباهي فيما يتعلق بعمل لوبيات الضغط في واشنطن هي التجربة الإسرائيلية. لن أتطرق لما تفعله الـ AIPAC "الأيباك" أو ما يفعله السياسيون والمثقفون والخبراء الإسرائيليون ولن أتكلم أيضا عن بعض التجار الأمريكيين المتعاطفين مع إسرائيل بل سأتكلم في جانب أصغر من ذلك بكثير وله حتما دور السحر على المسار السياسي الأمريكي. "طلاب المدارس الإسرائيلية" تقوم بعض المدارس الإسرائيلية بإرسال أميز طلابهم من المرحلة الثانوية إلى واشنطن ليس ليتنزهوا بل لكي يذهبوا إلى المقاهي القريبة للكونجرس في أوقات راحة أعضاء المجلس Happy Hour  ، بكل بساطة يتهندمون بالبدل الرسمية وبربطات العنق البراقة ويأتون إليهم ويحيونهم بأسمائهم ويعرفون بأنفسهم ثم يشكرون هؤلاء الكونجرسيين على جهودهم الملموسة في دعم إسرائيل وينبهونهم بشكل عام أنهم سيكونوا سعداء أكثر إن قاموا بدعم أكبر لدولتهم وفي مسائل وقضايا محددة.

هنالك مقولة واشنطنية وهي أن 70% من قرارات الكونجرس يتم الإتفاق عليها خلال ساعات الراحة Happy Hours لكم أن تتخيلوا زخم هذه الخطوة التي أتت من مدرسة طلاب،  لا وزارة خارجية أو سفارة أو مركز أبحاث ! من المعروف أن إسرائيل ذكية جدا في توظيف كل مابيدها وبيد غيرها لتحقق أهدافها الدبلوماسية مع واشنطن.

بطبيعة الحال، وجدت أن معظم مايدور في الإعلام العربي بخصوص الولايات المتحدة هو كلام غير علمي وغير مبني على معرفة حقيقية لواقع المعادلة السياسية الواشنطنية ، ومن الواضح أن أغلب هذه الآراء ليست إلا إنعكاسات نفسية وآراء عاطفية، فهنالك من يصور الولايات المتحدة كالعدو المبين للإسلام والعرب وينسج القصص الخيالية عن ذلك ويغوص في بحور التشاؤم والسلبية.

صحيح أن السياسة الأمريكية الخارجية اهتزت بشكل كبير مع وبعد أحداث الربيع العربي، وصحيح أنها أخطأت أخطاء فادحة بالأخص في ملف العراق الذي انبثقت منه معظم المصائب وملفات أخرى ولكن ما أريد أن أقوله هو أن "الشطارة ليست في شيطنة واشنطن"، بل في فهمها، ليس لكسب تعاطفها ، بل لإستخدامها، علما أنها لاتمانع بذلك طالما أحسن الخاطب في التعامل مع براءتها. السياسة الأمريكية سياسة ديناميكية ومتغيرة بتغير الأشخاص والأحزاب وهي أيضا كالعجينة قابلة للتشكل حسب مقدار الضغط التكتيكي والشد والجذب الممنهج.

أكتب هذه المقالة وبجانبي البيت الأبيض الذي ألهمني بتساؤل صغير وهو كالآتي: متى ستتقدم دولة عربية لخطبة واشنطن بخاتم اللوبي وبمهر الإستثمارات وبموسيقى الإعلام وبكوشة مراكز البحوث وبعطر ثقافة التكتلات السياسية وبباقة زهور الرأي العام في قاعة المؤتمرات؟ أليست جميلة بما يكفي!؟