رأي.. بشار جرار يكتب لـCNN عن صورة أميركا إثر انقطاع نفس جورج فلويد

العالم
نشر
4 دقائق قراءة
تقرير بشار جرار

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

ثماني دقائق وست وأربعون ثانية تخللتها ثلاث كلمات (لا أستطيع التنفس) هزت أميركا لأكثر من عشرة أيام. لم يخطر ببال عابرة سبيل في ربيعها السابع عشر أن تصبح شاهدة عيان ومواطنة صحفية طغت مراسلتها دون أدنى تدخل منها على كل ما تم بثه من وإلى أميركا عن بلاد العم سام منارة الحرية في المعمورة وقائدة العالم الحر.

بصرف النظر عن ملابسات ما جرى كحدث تم رصد جوانب ضئيلة لكن مؤثرة منه، فإن محطات ذات أجندات أيدولوجية وسياسية ومن خلفها منصات تواصل اجتماعي لا توفر أحدا من داخل أميركا وخارجها، قد سارعت إلى صب جام غضبها على تلك الصورة التي ستبقى محفورة في الذاكرة الانطباعية وهي رقبة جورج تحت ركبة الشرطي السابق والمتهم بقتله ديريك شوفين. مما زاد من بشاعة الصورة وقوتها الاستفزازية "التحريضية" إلى حد كبير هي وضعه يده في جيبه ونظرة الكراهية وانعدام الشفقة على "محيّاه".

إمعانا في تكبير ملامح الصورة قام البعض بتوظيف نظرية التضاد والمماثلة، منهم من اجتزأ صورة مثالية لشرطة بلاده لإظهار أن نظامه السياسي والاجتماعي أكثر رقيا وحضارة من أميركا، ومنهم من قابل الصورة بصورة انتهاك مماثل في ظروف مشابهة أو مختلفة تماما في محاولة للتحريض على علاقة أميركا بدولة حليفة محل عداء أو جدل في نظر الجمهور.

وإن كانت "الدعاية" تبيح ما لا تقر به "الصحافة"، فإنه من الإجحاف لا بل من الابتذال إلصاق أي صورة أخرى بالأنفاس الأخيرة التي لفظها المرحوم فلويد.

لن تكون مقالتي عظة لضعفي أمام عظمة من سأقتبس فأتساءل كيف نعمى عن رؤية الخشبة في عيوننا ونرى القشة في عيون الآخر؟ كل مسيحي إيمانا أو ثقافة أو عيشا مشتركا في شرقنا المكلوم يعلم الحق والحقيقة في هذا المشهد العظيم أمام سوبر ماركت لصاحبه الأميركي الفلسطيني محمود أبو ميّالة في مينابولس بولاية مينيسوتا التي يتولى فيها منصب المدعي العام كيث أليسون، أول أميركي مسلم يفوز بمعقد في مجلس النواب الأميركي حيث أقسم الولاء قبل سنوات على نسخة من القرآن الكريم لأول مرة تحت قبة الكونغرس.

العنصرية، الإفراط في استخدام الشرطة للقوة، النظام الجنائي وبخاصة الجزائي كالتجريم والعقوبات من القضايا المزمنة التي تواجه العالم بأسره وليس أميركا وحدها. تلك المشاكل غالبا ما تظهر عندما يتيح لها النظام السياسي والقانوني وحريات التعبير والصحافة والمساءلة والتقاضي أمام المحاكم الفرصة للتعبير عن حجمها. هذا لا يعني التقليل من حجم الكارثة التي تحمل عشرات الأسماء أحدثها كان جورج، لكن المرحوم فلويد ليس ضحية ديريك أو الساكتين عن ثماني عشرة شكوى موثقة في سجله الوظيفي. دم جورج برقبة كثيرين وفي العالم كله.

جميل

العزاء لجورج فلويد يبدأ ليس فقط بفتح عيوننا حتى نرى الخشب فيها وإنما بفتح قلوبنا والنظر فيها مليا في خلوة تامة.. حينها قد نجد في أنفسنا ما يكتم أنفاس جورج آخر، لا بل وقد نرى أننا نخنق أنفسنا بأيدينا فلا نرى إلى حد افتقاد القدرة على الصراخ بملء صدورنا وحناجرنا: لا أستطيع أن أتنفس..

 

  • بشار جرار
    بشار جرار
    باحث متخصص في قضايا محاربة الإرهاب وتعزيز حوار الأديان
نشر