CNN.com Arabic
البحـث
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
على حافة حرب
لبنان والرقص في حقل الألغام

1500 (GMT+04:00) - 25/01/07


دبي، الإمارات العربية (CNN) -- لم يكد صوت المدفع يخبو على جبهة الجنوب اللبناني، حتى ارتفعت أصوات السياسيين في العاصمة اللبنانية بيروت في مظاهرات ومظاهرات مضادة وخطب وخطب مضادة تعيد إلى الأذهان الصورة التي سادت إبان الانسحاب السوري من لبنان، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.

ويعتبر الكثيرين أن الوضع قد يكون بالفعل متشابها باعتبار أن لبنان يقف اليوم على مفترق طرق في الخيارات الاستراتيجية المستقبلية، لا يقل جذرية عن ذلك الذي عاشته البلاد عشية انسحاب الجيش السوري.

فمطالب الجهات اللبنانية التي تبدو للوهلة الأولى محلية وضيقة تصبح بلحظة إستراتيجية عندما يربطها أصحابها أو خصومهم بالوضعين الإقليمي والدولي.

فبينما يطالب حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما بإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بدعوى أنها فئوية وذات ارتباطات خارجية، تعتبر قوى 14 مارس/آذار مطلب إسقاط الحكومة مطلباً سورياً يهدف إلى إسقاط المحكمة الدولية للنظر في جريمة اغتيال الحريري.

وبينما يطالب فريق الأكثرية النيابية حزب الله بإيجاد صيغة لوضع سلاحه تحت شرعية الدولة، رابطين هذا السلاح بالمحور السوري الإيراني على حد قولهم، يتهمهم حزب الله بالمقابل بصلات خارجية غير وطنية وبالعداء له ولمقاومته.

الداخل اللبناني، تصاعد وتيرة السجالات السياسية

وكأن الساحة الداخلية اللبنانية كانت تنتظر لحظة صمت المدفع لتنطلق مستعيدة زخمها القديم، ولكن هذه المرة ليطال الحديث خيارات استراتيجية كبيرة تتعلق بمستقبل القرار السياسي اللبناني، وطبيعة الموقع الذي سيشغله لبنان في سياسة المحاور الإقليمية التي تطل برأسها.

وكان السجال طوال الفترة الماضية متقيداً بالأصول العادية للتخاطب السياسي اللبناني، تلجمه الحرب التي كان البلد يخوضها، وحالة الوحدة الوطنية الذي سادت بسبب احتضان المهجرين اللبنانيين.

فعند بداية العمليات الحربية تصاعدت الدعوات إلى "محاسبة" حزب الله على قرار إدخال البلاد في حرب لم تكن مستعدة لها من جهة، ولا تخدم مصلحتها من جهة أخرى، إلا أن هذه الأصوات عادت وخفتت لتدخل البلاد حالة من التضامن الموضوعي.

إلا أن هذا الهدوء النسبي لم يدم طويلاً بعد الحرب فقد سارع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إلى رفع سقف المواقف السياسية بدرجة كبيرة، مهاجماً قوى الأكثرية النيابية ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، داعياً إلى استبدالها حكومته بحكومة وحدة وطنية قدرة على إدارة شؤون البلاد.

نصرالله محتفياً بالانتصار الإلهي

نصر الله الذي ألقى خطابا في مهرجان "النصر الإلهي"، الذي أقامه حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت أمام مئات الآلاف من أنصاره في 22 سبتمبر/أيلول، قال إنه سيحتفظ بسلاحه حتى تزال أسباب حمله التي حددها بأنها قيام الدولة العادلة القوية القادرة على الدفاع عن نفسها بالقوة والسلاح.

وأضاف الأمين العام لحزب الله أن لا جيش في العالم قادر على نزع سلاح الحزب مشيراً إلى أن الجيش اللبناني والمقاومة قادران معاً على منع الاختراقات الإسرائيلية البحرية، ساخراً من عزم القوات الدولية محاصرة البحر والسماء مؤكداً أن هذا لن يضعف من قدرات حزبه.

نصر الله الذي تلقى تهديداً بالتصفية من الوزير الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر قال أن الحصار الإسرائيلي والرقابة الدولية  لم يؤثرا على إمدادات السلاح إلى الحزب، الذي بات يمتلك من الصواريخ أكثر مما كان لديه عشيه اندلاع المعارك في 12 يوليو/تموز، متحدثاً عن 20 ألف صاروخ بحوزة الحزب.

أما بخصوص دور الجيش اللبناني على الحدود فأشار نصر الله إلى أنه لن يقبل بتحول الجيش اللبناني إلى عداد للخروقات مؤكداً أن صبر الحزب على الخروق سينفد وسيعمد إلى الرد إذا لم يرد الجيش.

كما طالب قائد المقاومة الإسلامية بحياد القوات الدولية، زاعماً أن البعض في لبنان يريد استعمالها في الصراع الداخلي، رافضاً تدخل هذه القوى في الشؤون اللبنانية الداخلية، محذرا إياهاً من التجسس على حزب الله أو العمل على نزع سلاحه.

كما هاجم نصر الله الحكام العرب بدعوى تفضيلهم لعروشهم وكراسيهم على القضية الفلسطينية ومصالح شعوبهم معتزاً بعلاقته بإيران وسوريا، مؤكداً على أن المقاومة اللبنانية أصبحت عنواناً عالمياً للقوى الرافضة للهيمنة الأمريكية على حد قوله.

وختم نصر الله خطابه بتوجيه نقد قاس لدموع السنيورة أمام قمة وزراء الخارجية العرب الطارئة التي عقدت في بيروت ومهاجما قادة قوى 14 مارس/آذار، وفي طليعتهم وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي دون أن يسميه، داعياً في الوقت نفسه إلى هدنه تستمر طوال شهر رمضان يتفكر فيها المسؤولون بقراراتهم على ضوء الوقائع السياسية الجديدة التي فرضها انتصاره.

واستغرب العديد من المراقبين موقف نصرالله الذي يأتي بعد أن كان قد سلف للحكومة للبنانية أوراق تفاوضية عديدة وأعلن عن موافقته للمسار الذي تسلكه لإنهاء الحرب.

جعجع والقداس الإلهي

ولم يتأخر الرد على مهرجان "النصر الإلهي" طويلاً، وجاء بعد يومين وبنفس الطريقة حين أقامت القوات اللبنانية "قداساً إلهياً" أيضاً لراحة نفس مقاتليها اللذين سقطوا في الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت 15 عاماً.

وما ميز قداس هذه السنة، أنه شهد حضور زعيم القوات اللبنانية التاريخي سمير جعجع، الذي يحضر لأول مرة بعد قضاءه 11 سنة في السجون بتهم مختلفة، متعلقة بجرائم نسبت إلى تنظيمه أو إليه أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وهي تهم يعتبرها أنصاره سياسية أتت على خلفية معارضته للوجود السوري.

جعجع  حرص على أن يكون لمهرجان القوات بعداً شعبياً كبيراً في الأوساط المسيحية، يمكنه من تسجيل أكثر من نقطة في مرمى خصومه. فهو من جهة سيظهر حجم الزخم الشعبي المسيحي في مقابل حشد حزب الله الشيعي في الضاحية.

كما سيتمكن من إثبات أن الانتخابات الأخيرة وما تخللها، لم تظهر الحجم الشعبي لحزبه في الوسط المسيحي حيث حازت القوات اللبنانية على ما بين 30 إلى 35 في المائة من الأصوات المسيحية، مقابل حصول التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون على الحصة الباقية.

كما ستساهم تلك المناسبة في إظهار قدرة قوى 14 مارس/آذار على استعمال الشارع أيضاً، وهذا أمر يرتدي طابعاً مهماً عند القوات التي تريد محو صورة الحلقة الأضعف في تحالف 14 آذار، التي يرميها بها خصمها الرئيسي في الساحة المسيحية التيار الوطني الحر.

وركز جعجع في خطابه على الرد على كلام حسن نصر الله، متناولاً كل مفاصل الخطاب بالرد والتفنيد.

ورفض جعجع في كلمته دعوة نصر الله إلى حكومة وحدة وطنية، غامزاً من قناة التأكيد على اتفاق الطائف الذي يعتبر خصوم حزب الله أن الحزب لم يوافق عليه، كما رفض حديث نصر الله عن الاعتزاز بصداقة سوريا وإيران.

جعجع الذي اتهم حزب الله ضمناً بعرقلة إنشاء الدولة القوية والعادلة التي يشترط الحزب قيامها قبل نزع سلاحه، طالبه بالكف عن التصرف "كدويلة داخل الدولة،" عبر تهريبه للسلاح إلى مقاتليه وتحديه للحكومة، معتبراً الحرب الأخيرة "كارثة" على لبنان.

ويتوقع البعض أن يرفع مهرجان حريصا الذي عقدته القوات من مستوى التحدي في الساحة المسيحية في وجه التيار الوطني الحر، الذي سيحاول استغلال الفترة المقبلة لإظهار أن شعبيته لم تتأثر بمواقف زعيمه المؤيدة لحزب الله بل أن العكس هو الصحيح.

جنبلاط: أواجه ولا أعتذر

أما الركن الثاني البارز في تجمع 14 آذار اللبناني والذي استفزته تصريحات يوم "النصر الإلهي" ودفعته إلى الرد بعنف فكان زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي كان له أكثر من إطلاله وتصريح انتقد فيها حديث الرئيس السوري لديرشبيغل وخطاب الأمين العام لحزب الله.

جنبلاط الذي رفض مقولة الانتصار الإلهي، مذكراً بماضي فصائل لبنانية مقاومة عديدة، اعتبر خطاب نصر الله خطاباً انقلابياً يهدد بالسيطرة على الدولة ككل وإسقاط الحكومة في الشارع، معتبراً أن المشكلة مع حزب الله هي "التصاقه بالنظام السوري".

جنبلاط أصر على رأيه بأن جمهور حزب الله هو "جمهور حديدي موجّه"، رافضاً تقديم الاعتذار الذي طالبه به نصر الله بعد وصفه لجمهور الأحزاب الشمولية بانه "جمهور بلا تفكير"، معلقاً أنه لن يعتذر سوى لوالده لأنه - أي وليد - قبل التسوية مع النظام السوري بعد أن اغتاله. 

الزعيم الدرزي أصرّ على مواقفه السابقة حول كون الحرب الأخيرة، حرباً استباقية خاضتها إيران وسوريا ضد الولايات المتحدة على أرض لبنان، بهدف التغطية على الملف النووي الإيراني، ولإجهاض إنشاء محكمة دولية للنظر في جريمة اغتيال الحريري.

من جهة أخرى، رفض جنبلاط، الذي اتهم حزب الله بأنه يريد إلغاء اتفاق الطائف، هجوم نصر الله على الرؤساء العرب، متسائلاً عن سبب عدم مهاجمته للرئيس السوري بشار الأسد الذي لم يقوم بأي خطوة لتحرير الجولان، سائلاً عن مصدر الأموال التي وزعها الحزب على مناصريه والمتضررين في لبنان.

وعلق جنبلاط على تصريح الأسد لمجلة ديرشبيغل قائلاً، إن حديثة عن لا جدوى الرقابة على الحدود هو تغطية لقراره بالاستمرار بإرسال قوافل السلاح إلى حزب الله، مدافعاً عن الحكومة الحالية وعن رئيسها معارضاً أي خطوة تتخذ لإسقاطها.

عون بين زعامة المسيحيين وصداقة حزب الله

أما النائب العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر المعارض، الذي يمتلك أكبر الكتل المسيحية في البرلمان، فهو لا يزال محافظاً على خطابه الذي بدأه قبل الحرب والمطالب بإسقاط الحكومة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وزاد عليه التهم بارتباطات خارجية للحكومة والفساد في موضوع توزيع  الحصص الغذائية.

كما دخل العماد عون من باب مهجري الجبل من القرى التي لم تتم فيها العودة بعد ليهاجم الحكومة معلناً في مهرجان "عودة الحق" أن المصالحات التي تمت بين المسيحيين والدروز في الجبل هي مصالحات فوقية.

عون طالب جنبلاط بإعادة أجراس الكنائس التي استولى عليها مقاتلوه إبان الحرب على حد قوله، داعياً أقطاب المصالحة في الجبل (القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي) إلى الاعتذار علناً لذوي الضحايا.

وأشاد عون في المهرجان بتفاهمه مع حزب الله مهاجماً الحكومة التي نسب إليها القيام بممارسات مخالفة للدستور ومطالباً بتفعيل القضاء في مسألة حقوق المهجرين مشيراً إلى الكثير من ممارسات الفساد التي شابت توزيع الأموال فيها.

وستكون الساحة السياسية اللبنانية على موعد في 15 أكتوبر/تشرين الأول مع المهرجان الجماهيري الذي سينظمه التيار حيث يتوقع أن يلقي فيه العماد عون خطاباً نارياً قال هو عنه انه "لن يتناول ما كان بل ما سيكون."

تيار المستقبل والمحاذير المذهبية

أما رئيس تيار المستقبل وزعيم الأغلبية النيابية، سعد الحريري، فتأخر كثيراً في تسجيل موقفه من مسألة بقاء الحكومة والدفاع عن رئيسها، ولم يصدر عنه حتى 26 سبتمبر/أيلول أي موقف واضح وإن تولى بعض أعضاء كتلته الرد على المعارضة.

 ثم جاء كلام الحريري في 26 سبتمبر/أيلول واضحاً وإن كان لم يوجه بشكل مباشر إلى الأمين العام لحزب الله، حين اتهم، في إفطار أقامة في قصر قريطم، الساعين لإسقاط الحكومة بأنهم يسعون إلى فراغ في السلطة وتسليم الأمور مجدداً إلى من أسماهم حلفاء سوريا.

الحريري، الذي شدد على دعم السنيورة كأحد أركان تيار المستقبل وقوى 14 آذار، حمل حزب الله بطريقة غير مباشرة المسؤولية عن تدويل الوضع اللبناني الذي يشتكي الحزب منه، والدمار الذي أصاب البلاد.

كما ربط الحريري بين الدعوات المحلية لإسقاط الحكومة اللبنانية ورغبة الأسد بذلك، مذكراً بدعوة الرئيس السوري في خطابه بعد الحرب إلى جني الثمار السياسية للانتصار العسكري، محذراً من لجوء المعارضة إلى الشارع باعتبار أن هناك شارع يقابله وقد يصطدم به مسبباً فتنة، متسائلاً "هل يريدون رأس أولمرت أم رأس السنيورة؟"

وعلق المراقبون أن خطاب الحريري كان حازماً، وإن لم يكن صدامياً، وذلك على ما يبدو نتيجة المخاوف التي تسود الساحة اللبنانية من صدام محتمل على خلفيات مذهبية بين المسلمين في لبنان.

فالنائب سعد الحريري والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، يخوضان السياسة اليومية اللبنانية وفي ذهن كل منهما وبشكل مستقل خطر الانقسام المذهبي السني الشيعي في لبنان، وما قد يحمله معه هذا الانقسام من مخاطر حرب أهلية لا تبقى ولا تذر بين اكبر مجموعتين مذهبيتين في لبنان.

وكان نصر الله قد حاول تقديم الحرب الأخيرة في الجنوب اللبناني بصورة صمام الأمان الذي منع نقل المشهد العراقي إلى الداخل اللبناني.

نبيه بري والدور المحوري الجديد

يبدو موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري للمتابعين موقفاً متمايزاً يجمع كل الأدوار فهو رئيس السلطة التشريعية وهو المفاوض باسم حزب الله أثناء الحرب وهو رئيس حركة أمل التي أعلنت التعبئة العسكرية العامة أثناء المعارك لمؤازة حزب الله وهو ممثل في الوقت عينه بوزراء في الحكومة.

بهذه الصفة يقوم نبيه بري بدوره الحالي للوساطة بين الجميع وذلك من خلال ما يشاع عن إعادة تحضيره لطاولة الحوار.

وكانت الأجواء قد توترت بين بعض نواب حركة أمل ووزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت على خلفية إنزال الأخير لعقوبة مسلكية بحق مدير عام الأمن العام وفيق جزيني بعد رفض الأخير ربط مؤسسته معلوماتياً بالوزارة.

وأثارت هذه الحادثة زوبعة من المواقف عندما اعتبر جنبلاط المدير العام جزيني متمردا، موجهاً اتهاماً إلى أشخاص في للمديرية بتسهيل وصول السلاح إلى حزب الله بينما رفض نواب حركة أمل وحزب الله الخطوة بحق المدير العام الشيعي واعتبروا أن الحكومة تبني نظاماً أمنياً جديداً.

وعلى أي حال فإن بري لم يدخل شخصياً إلى السجال محافظاً على مسافة واحدة من الجميع تمكنه من لعب الدور الأكبر في المرحلة المقبلة وهو الذي لفت الأنظار بخطوته بإرسال ممثل عنه إلى مهرجان حزب الله وممثل عنه إلى قداس القوات.



قصص ذات العلاقة

ملاحظة : تفتح الصفحات في نافذه جديدة. CNN غير مسؤوله عن مضمون المواقع الأخرى.
البحـث
     
© 2010 Cable News Network.
جميع الحقوق محفوظة .A Time Warner Company
التي بموجبها تقدم لك هذه الخدمة.