الخرطوم، السودان (CNN) -- طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الاثنين، لويس مورينو أوكامبو إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة وجرائم أخرى في دارفور.
وفي حال إصدار المحكمة الدولية لمذكرة الاعتقال تفتح بذلك محكمة لاهاي سابقة من نوعها بتوجيه تهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد رئيس أثناء ولايته.
وأشار أوكامبو، في طلبه إلى المحكمة، إلى وجود أسس معقولة تدعو للاعتقاد بتحمل البشير المسؤولية الجنائية ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب بالإضافة إلى جرائم حرب.
وكان السودان قد استبق القرار بالتحذير من أن اتخاذ أي خطوة من هذا القبيل سيكون لها آثار سلبية كبيرة، ليس على المستوى المحلي فحسب بل على الاستقرار والأمن الإقليمي.
وأتخذ اجتماع مجلس الوزراء السوداني، خلال اجتماعه الاستثنائي بالخرطوم برئاسة البشير الأحد، جملة من القرارات السيادية لم يتم الكشف عنها.
ونقل مصدر سوداني مسوؤل، رفض كشف هويته، لـCNN بالعربية أن طبيعة القرارات التي سترد بها الخرطوم على إعلان المحكمة الدولية الاثنين، ستكون عنيفة.
وأورد المصدر أن من بين جملة القرارات التي اتخذت الأحد، قرار بوقف كافة المنظمات الدولية العاملة في إقليم دارفور.
وأشار إلى أن البشير أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالقرار التي ستتبناه حكومته بسحب رخص كافة المنظمات التابعة للمنظمة الأممية، خلال مكالمة هاتفية الأحد.
وإلى ذلك، شهدت الخرطوم الأحد مسيرات احتجاجية للتنديد بالمحكمة رفع وندد خلالها المتظاهرون بالمحكمة الدولية والولايات المتحدة.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد استدعت الجمعة سفراء الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى جانب ممثل الاتحاد الأوربي وممثل الاتحاد الإفريقي ومجموعة سفراء الدول العربية والإفريقية والآسيوية إثر توارد الأنباء عن نية المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لويس مورينو-أوكامبو إصدار مذكرة اعتقال محتملة بحق البشير.
وبادر السودان بدعوة جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع طارئ.
وفي شأن متصل، أعربت منظمة المؤتمر الإسلامي عن قلقها البالغ إزاء قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة بعض مسؤولي الحكومة السودانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وحذر الأمين العام للمنظمة أكمل الدين إحسان الدين أوغلو من التداعيات الخطيرة التي يمكن أن يؤدي إليها مثل هذا التحرك، مشيراً إلى أن هذا التطور يأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تمت الموافقة على تشكيل قوات مشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لمباشرة عملية حفظ السلام، بما من شأنه أن يهدد بصورة خطيرة السلام الهش في إقليم دارفور.
ومن جانبها رحبت قيادات التمرد في دارفور بالخطوة، وقال عصام الدين الحاج، الناطق الرسمي باسم جيش حركة تحرير السودان، الذي عارض اتفاق أبوجا عام 2006 وواصل حمل السلاح، لـCNN بالعربية في وقت سابق، إن تقديم الرئيس السوداني للمحاكمة وإصدار مذكرة توقيف بحقه أمراً مبرراً، وذلك باعتبار أن النظام السوداني "رئاسي والقرارات تصدر كلها عن رئاسة الجمهورية ولو صدرت الجريمة عن أصغر جندي فالرئيس هو المسؤول."
وقال الحاج الجمعة، إن التنظيمات المسلحة في دارفور "قدمت كل الأدلة للمحكمة الجنائية الدولية، والجريمة واضحة، وعدم تقديم الاتهام يعرض المنطقة بأسرها للخطر باعتبار أن ذلك سيخلق شعوراً بالغبن يدفع المواطنين لمحاولة الانتقام."
وإلى ذلك، قال السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عبد المحمود عبد الحليم محمد لـCNN: "لقد بلغ إلى مسامعنا أنّ المدعي سيعلن بعض الأسماء، من المحتمل أن يكون من بينهم قيادة البلاد. إنها حركة إجرامية ينبغي مقاومتها من قبل الجميع."
وقال محمد: "سنقاوم أي قرار مثل هذا بكل الوسائل الشرعية المتاحة".
في الوقت الذي اعتبر فيه أي خطوة مماثلة بمثابة "كارثة وخطأ جسيم"، قال مسؤول أمني رفيع المستوى: "من المؤكد أن المتمردين سيبنون على هذا الأمر. فماذا تتوقعون من المتمردين أن يقولوا إذا جرى اتهام الرئيس؟ سيقولون: دعونا نرى ما سيحدث قبل أن ندخل في أي مفاوضات جدية، ولذلك فإنه ما من أحد سيتحدث عن المفاوضات."
ووصف سفير رفيع المستوى، يعمل في القصر الجمهوري الرئاسي في الخرطوم القرار المحتمل بالغبي، محذرا من كون الشعب السوداني سيعتبرها دليلا على مؤامرة واسعة النطاق ضدّ الأمة.
وكان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، أوكامبو، قد قرر عقد مؤتمر صحفي الاثنين يعقب مباشرة الموعد المفترض لإصدار مذكرة الاعتقال.
والجرائم المفترضة تمّ ارتكابها ضمن حملة حكومية لمكافحة تمرد اتسع نطاقه في دارفور في 2003، وهو ما تصفه الولايات المتحدة بكونه جرائم إبادة.
وخلال الحملة، كانت قوات حكومية مدعومة بمليشيات عربية تنفذ حملات تمشيط قرية إثر قرية في دارفور، حيث تقتل وتعذّب وتغتصب سكانها، وفق الأمم المتحدة وحكومات غربية ومنظمات حقوقية دولية.
ولقي في دارفور نحو 300 ألف شخص مصرعهم وفق تقديرات الأمم المتحدة، فيما تمّ تهجير أكثر من مليونين ونصف المليون آخرين.
وفي 2005، فتح مجلس الأمن الطريق نحو عقد محاكمات بتهم ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضدّ الإنسانية حول دارفور، بناء على معاهدة وقعتها 106 دول من أعضاء الأمم المتحدة ليس من ضمنها السودان.
وقال المدعي العام لمجلس الأمن الشهر الماضي إنّ "جهاز الأمن السوداني بأكمله" تمّت تعبئته "للتخطيط وارتكاب وتغطية الجرائم."
وأضاف أنّه "خلال السنوات الخمس الماضية، باتت جميع منطقة دارفور مسرح جريمة."
في الأثناء، قال منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة جون هولمز، إنّ الموظفين يستعدون لتداعيات هذه المذكرة.
وأضاف: "نحن بصدد اتخاذ إجراءات، مع أملنا بأن لا يحدث شيء لأنه يتعين على موظفي الإغاثة أن يستمروا في أعمالهم، بغضّ الطرف عن مجريات الملفات السياسية."
وحتى الآن وجّهت المحكمة الاتهام لاثنين من أعضاء الحكومة السودانية، هما علي كشيب، زعيم إحدى المليشيات، وأحمد هارون الوزير السابق والمسؤول الحالي للشؤون الإنسانية في حكومة الخرطوم.