(CNN)-- طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الاثنين، لويس مورينو-اوكامبو، إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة، وجرائم أخرى في دارفور.
وفي حال إصدار المحكمة الدولية لمذكرة الاعتقال، تفتح بذلك محكمة لاهاي سابقة من نوعها بتوجيه تهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد رئيس أثناء ولايته.
وعرض أوكامبو الاثنين "أدلة إدانة" البشير على قضاة المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، ويتعين عليهم الآن أن يتخذوا قرارهم بشأن إصدار المذكرة، وترجّح أغلب التكهنات قبولهم بذلك، ناهيك عن أنهم صادقوا على جميع طلبات مذكرات الاعتقال الـ11 السابقة، التي تقدّم بها أوكامبو.
وأشار أوكامبو، في طلبه إلى المحكمة، إلى وجود أسس معقولة تدعو للاعتقاد بتحمل البشير المسؤولية الجنائية في ارتكاب خمس جرائم إبادة جماعية، وجريمتين ضدّ الإنسانية، وجريمتين أيضا من جرائم الحرب.
وقال المدعي العام إنّ البشير استهدف إبادة ثلاث مجموعات عرقية تعيش في دارفور هي قبيلة فور، التي اتخذت منها المنطقة اسمها أي "دار فور"، وكذلك قبيلتي المساليط وزغاوة.
وقال المدعي إنّ الرئيس السوداني يتحمل المسؤولية لأنّه حمى ظهر الحكومة، مشيرا إلى أنّه "بالنسبة إلى أن مثل هذه الجرائم، والتي تم ارتكابها على مدى خمس سنوات، وفي مختلف أنحاء دارفور، تعيّن على البشير تعبئة جميع أجهزة الدولة، ومازال مستمرا في ذلك، وكذلك مراقبة وتوجيه المنفذين والتنسيق في مخطط الإبادة."
أوكامبو: لن أستسلم
وقال أوكامبو في تصريحات خاصة بـCNN من مقر المحكمة في لاهاي، إنه كانت عليه "مسؤولية، وهي توجيه الاتهام للرئيس البشير."
وأوضح أنّ "مجلس الأمن حوّل القضية إلّي، وطلب مني التحقيق، وبعد ثلاث سنوات حصلت على أدلة قوية على كون البشير ارتكب إبادة."
وأضاف: "لا يمكن ابتزازي، ولا يمكن أن استسلم، والصمت لم يساعد يوما الضحايا، بل على العكس، فقد ساعد المنفذين، ولا ينبغي على المدعي أن يصمت."
وفي قراره الاتهامي الذي استند عليه في طلب اعتقال البشير، كتب أوكامبو يقول: "لقد دمّروا ضيعات، ومزارع، ونهبوا مخازن الحبوب أو أضرموا فيها النيران. كما أحرقوا تجمعات سكنية ومنشآت جماعية، بما فيها المدارس والمساجد والمستشفيات. كما سمّموا مصادر المياه، بما فيها الآبار العمومية، ودمروا أنابيب المياه، وسرقوا المؤن."
كما أضافت لائحة طلب الاعتقال "أدلة" على كون السكان الذين فروا، كثيرا ما تمّ تعقّبهم ومهاجمتهم أو تركوا في العراء ليواجهوا مصيرا صعبا.
وأوضحت أنّ الهجمات أضعفت من قدرة المجموعات العرقية المستهدفة على النجاة في دارفور، "حيث أنّ تدمير منازلهم بعثر تجمعات بأكملها، زيادة على أنّ العنف الجنسي والاغتصاب، واسع الانتشار ضدّ النساء والبنات- اللاتي كان استهدافهن يتمّ عندما تخرجن لجلب الماء أو الخشب- مزّق عائلات بأكملها."
وقال المدعي العام في تقريره، إنّ الاغتصاب "يعدّ جزءا لا يتجزأ من نسق العنف الذي مارسته الحكومة على المجموعات العرقية في دارفور."
وأضاف: "لقد كان من تداعيات ذلك أنّه جعل النساء منبوذات، وزواجهم في حكم المستحيل تقريبا، كما أنّ الأطفال كانوا يقتلون عند الولادة أو يتمّ التخلي عنهم."
وأوضح المدعي أنّه بدلا من مساعدة ضحايا العنف، أجبرت الحكومة السودانية نحو 2.5 مليون لاجئ على العيش "في ظروف حياة تمّ ترتيبها لتفضي تقريبا إلى التدمير الجسدي."
ومن ضمن تلك الوسائل، قال أوكامبو لـCNN "الاغتصاب."
وأضاف: "إنهم يغتصبون النساء والبنات، يغتصبونهم جماعيا...الاغتصاب لتدمير التجمعات. لقد كان الاغتصاب وسيلة في عملية الإبادة، بل إنها الوسيلة الأهم اليوم."
وكان السودان قد استبق قرار الإعتقال، بالتحذير من أن اتخاذ أي خطوة من هذا القبيل سيكون لها آثار سلبية كبيرة، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل على الاستقرار والأمن الإقليمي.
"استهداف الموظفين الدوليين سيكون جريمة إضافية"
ونقل مصدر سوداني مسوؤل، رفض كشف هويته، لـCNN بالعربية أن طبيعة القرارات التي سترد بها الخرطوم على إعلان المحكمة الدولية الاثنين، ستكون عنيفة.
وأورد المصدر أن من بين جملة القرارات التي اتخذت الأحد، وقف كافة المنظمات الدولية العاملة في إقليم دارفور.
وأشار إلى أن البشير أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بالقرار التي ستتبناه حكومته بسحب رخص كافة المنظمات التابعة للمنظمة الأممية، خلال مكالمة هاتفية الأحد.
لكنّ الأمين العام للأمم المتحدة قال، إثر صدور قرار المدعي العام، إنّه يتوقع من حكومة الخرطوم حماية جميع الموظفين الدوليين.
ومن جهته، قال أوكامبو إنّ أي هجوم يستهدف أعضاء فرق حفظ السلام سيكون سببا آخر لجلب البشير إلى العدالة.
طه: إنها محض ادعاءات سياسية
وردّت الحكومة السودانية على قرار أوكامبو، بالتأكيد على أنّها ستقاومه بكل الوسائل المتاحة.
ونفى نائب الرئيس السوداني طه عثمان إسماعيل حصول أي إبادة في بلاده "التي تعاني من مؤامرة واسعة النطاق لزعزعة استقرارها."
وأضاف قوله في مؤتمر صحفي الاثنين، أنّ ما ورد في تقرير أوكامبو هو "مجرد ادعاءات ذات طبيعة سياسية."
وذكّر طه بأنّه لا سلطة للمحكمة الجنائية على بلاده التي لا تعترف بها وهي ليست من الدول الـ106 التي وقعت على معاهدة إنشائها.
وقال إنّ الصراع في دارفور "قبلي ولا دخل للسلطة فيه" مضيفا أنّ السلاح الموجود هناك سببه هو الصراع التشادي الليبي.
وإلى ذلك، شهدت الخرطوم الأحد مسيرات احتجاجية للتنديد بالمحكمة رفع وندد خلالها المتظاهرون بالمحكمة الدولية والولايات المتحدة.
وبادر السودان بدعوة جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع طارئ، وفور صدور قرار أوكامبو، قالت الجامعة العربية إنها دعت أعضاءها إلى اجتماع على مستوى وزاري لمناقشة الموضوع، السبت.
أما البيت الأبيض فقد أعلن أنّه "سينظر" في تقرير أوكامبو، غير أنه دعا "جميع الأطراف إلى الهدوء."
وفي شأن متصل، أعربت منظمة المؤتمر الإسلامي عن قلقها البالغ إزاء قرار المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة بعض مسؤولي الحكومة السودانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
ومن جانبها رحبت قيادات التمرد في دارفور بالخطوة، وقال عصام الدين الحاج، الناطق الرسمي باسم جيش حركة تحرير السودان، الذي عارض اتفاق أبوجا عام 2006 وواصل حمل السلاح، لـCNN بالعربية في وقت سابق، إن تقديم الرئيس السوداني للمحاكمة، وإصدار مذكرة توقيف بحقه أمراً مبرراً، وذلك باعتبار أن النظام السوداني "رئاسي والقرارات تصدر كلها عن رئاسة الجمهورية ولو صدرت الجريمة عن أصغر جندي فالرئيس هو المسؤول."(مزيد من التفاصيل).