تقرير: محمود غريب
المرضى الطرف الأكثر تضررا
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- وسط حالة من الشد والجذب بين الحكومة والبرلمان، ألقت بظلال من التشاؤم على عامة المواطنين في الشارع المصري، تواصل الأجهزة الرقابية التحقيق في واحدة من أسوأ جرائم الفساد، تركت خلفها آلاف المرضى دون علاج، ضمن ملف ما يُعرف بنظام "العلاج على نفقة الدولة."
ومبعث التشاؤم أن من بين المتورطين في القضية، وفقا للتحقيقات الرسمية، عدد من أعضاء مجلسي الشعب والشورى، وهم المفترض أنهم مكلفون بمراقبة الحكومة، بالإضافة إلى تراجع عدد من مسؤولي الأجهزة الرقابية، التي تتولى التحقيق بالقضية، عن أقوالهم السابقة، كما أن الاتهامات لم تقتصر فقط على النواب، بل اتسعت لتطال أيضاً رئيس الحكومة.
وتباينت التقارير الرسمية بشأن عدد النواب المتورطين في الجريمة، حيث تضمن التقرير الأولي لجهاز مباحث الأموال العامة، ارتكاب 41 نائباً لـ"تجاوزات خطيرة"، عند حصولهم على قرارات بالعلاج على نفقة الدولة، إلا أن تقارير لاحقة، قلصت عدد المتورطين إلى 15 ثم إلى 14 نائباً.
وفي تطور لأحداث القضية، تقدم النائب المستقل مصطفى بكري ببلاغ إلى النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، يطلب فيه استدعاء رئيس مجلس الوزراء، أحمد نظيف، ووزير الصحة حاتم الجبلي، والرئيس السابق للمجالس الطبية المتخصصة، وهي الجهة المختصة بإصدار قرار العلاج على نفقة الدولة.
وكشف بكري، في تصريحات لـCNN بالعربية، أن هناك العديد من القرارات التي أصدرها رئيس الحكومة، بالعلاج على نفقة الدولة في الخارج مخالفة للقانون، مشيراً إلى أنه لجأ إلى النيابة العامة، بسبب "تراخي" الحكومة عن إبلاغ مجلس الشعب بمضمون التقارير، حول وقائع تضمنها طلب إحاطة مقدم منه في فبراير/ شباط الماضي.
وتساءل بكري، وهو أيضاً كاتب صحفي معروف في مصر، عن ما وصفه بـ"السر" وراء الاختلاف الذي ظهر بين أقوال عدد من ضباط الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، أثناء التحقيقات التي تجريها نيابة الأموال العامة، وما ورد في التقارير الرسمية الصادرة عن كلا الجهتين.
وقال في هذا الصدد، إنه فوجئ خلال التحقيقات، بأن أقوال الضباط تتناقض مع التقارير التي سبق إعدادها، أو شاركوا في إعدادها، عندما أفادوا بعدم وجود شبهات لاتفاقات جنائية، بين النواب وبعض المستشفيات الخاصة والاستثمارية، لإصدار قرارات للعلاج على نفقة الدولة، بالمخالفة للقانون.
وفيما طلب النائب العام إجراء مزيد من التحريات حول التقرير السابق تقديمه من مباحث الأموال العامة، لإيضاح سبب هذا "اللبس"، حذر عدد من أعضاء مجلس الشعب مما أسموه "تنويم" القضية، بل وطالبوا بتدخل الرئيس حسني مبارك، وفق ما نقل موقع "أخبار مصر"، التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون.
من جانبه، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، عبد الرحمن شاهين، لـCNN بالعربية، أن الوزير حاتم الجبلي كان أول من أثار قضية التجاوزات بمشروع العلاج على نفقة الدولة، بعدما لاحظ أن حجم الإنفاق على القرارات الصادرة عن المشروع، تجاوزت ملياري جنيه، رغم أن الموازنة المخصصة للمشروع، عند بداية إطلاقه قبل 35 عاماً، لم تكن تتجاوز 95 مليون جنيه.
وقال شاهين إن هذه المبالغ لا تمثل مشكلة، في حد ذاتها، لوزارة الصحة، ولكن المشكلة تتمثل في أن تتضمن قرارات العلاج على نفقة الدولة مبالغ يتم إنفاقها بصورة "غير مبررة."
وأوضح المتحدث الحكومي أن اللجنة التي شكلتها الوزارة لمراجعة قرارات العلاج على نفقة الدولة عام 2008، خلصت إلى وجود "تجاوزات"، سواء بالنسبة للقرارات الصادرة لصالح أعضاء بمجلس الشعب أو غيرهم، مشيراً إلى أن الوزير أبلغ رئيس مجلس الشعب، أحمد فتحي سرور، بتلك التجاوزات.
وفيما أكد شاهين أن أحد أعضاء مجلس الشعب تمكن من استصدار قرارات علاج على نفقة الدولة تصل قيمتها إلى 38 مليون جنيه، خلال ثلاث سنوات، فقد أقر بأن المجالس الطبية المتخصصة "كان لديها قواعد غير محكمة"، ووصف اللائحة الخاصة بها بأنها "كانت مطاطة للغاية."
كما كشف شاهين لـCNN بالعربية، أن الوزير حاتم الجبلي أقر مؤخراً مجموعة من المعايير الجديدة، والتي من شأنها ضمان وصول "أموال الشعب إلى مستحقيها"، وتتضمن تلك المعايير أن تصدر قرارات العلاج على نفقة الدولة بمعرفة لجنة ثلاثية متخصصة، وأن يتم العلاج بالمستشفيات الحكومية.
وقال إنه تم تحديد ما وصفه بـ"المجموعات المرضية" الأكثر استحقاقاً للعلاج، وتشمل خمس مجموعات، بالإضافة إلى الحالات الطارئة، فضلاً عن عشر مجموعات أخرى يمكنها أيضاً الاستفادة من مشروع العلاج على نفقة الدولة.
وكان النائب العام قد أمر بإحالة ملف مخالفات قرارات العلاج على نفقة الدولة إلى نيابة الأموال العامة العليا، للتحقيق فيها بعد أن استعرض مع المستشار علي الهواري، المحامي العام الأول للنيابة، ملف التحقيقات، والذي يتضمن تقارير الأجهزة الرقابية، وما انتهت إليه تحرياتها ومعلوماتها حول أعضاء مجلس الشعب، الذين أساءوا استخدام قرارات العلاج علي نفقة الدولة.
وأشارت تقارير هيئة الرقابة الإدارية إلى تورط عدد من نواب مجلس الشعب في إساءة استخدام قرارات العلاج علي نفقة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية، من خلال إجراء علاج بمستشفيات خاصة وجراحات مكملة تجميلية، قُدرت بملايين الجنيهات، الأمر الذي تعتبره جهات التحقيق إهداراً للمال العام.
وكشفت أوراق القضية أن عدد القرارات التي تم استصدارها لصالح بعض نواب مجلس الشعب، بالمخالفة للقواعد القانونية، يصل إلى 67 ألفا و626 قرار، تُقدر قيمتها بنحو 350 مليون جنيه.