بيروت، لبنان (CNN)-- دخل الجدل حول دور المسيحيين في "الربيع العربي" ومواقف الكنائس التي أصدر بعضها مواقف علنية تنتقد التحركات الاحتجاجية، وخاصة في سوريا، منعطفاً جديداً الأحد، إذ تناقش قوى مسيحية لبنانية وثيقة رفضت وضع أبناء الطائفة في مواجهة ثورات المنطقة و"ربط مصيرهم بأنظمة القمع،" في سياق متصل مع ما أدلى به النائب أنطوان زهرا، الذي قال لـCNN إن المسيحية موجودة بسوريا منذ ظهور المسيح، أما عمر النظام البعثي فلا يتجاوز أربعة عقود.
وجاءت الوثيقة بعد اجتماع لقوى مسيحية تنشط بمعظمها ضمن تحالف "14 آذار،" الذي تصنفه سوريا ضمن خصومها على المستوى السياسي اللبناني. كما حملت توجهات مخالفة لما جاء في مواقف بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، الذي أعرب عن "خشيته" على مصير المسيحيين في سوريا من بروز نظام "متشدد" في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
وتلا النائب السابق، سمير فرنجية، بنود الوثيقة المقترحة للنقاش، فذكّر بدور الكنيسة في إطلاق "ربيع لبنان الذي شكل الإشارة الأولى لربيع العرب،" قاصداً بذلك "ثورة الأرز" التي أدت لخروج الجيش السوري من لبنان، كما لفت إلى أن الكنيسة كانت "سباقة في مطالبتها بقيام الدولة المدنية، الحديثة والديمقراطية القائمة على التمييز الصريح، حتى حدود الفصل، بين الدين والدولة."
وأضاف فرنجية أن الوثيقة المقترحة تؤكد "رفض وضع المسيحيين في مواجهة ربيع العرب الذي يرتكز إلى قيمتي الحرية والعدالة، ورفض ربط مصير المسيحيين بمصير أنظمة القمع والاستبداد التي حولت العالم العربي الى سجن كبير، فأخرجت شعوبها من الحاضر والمستقبل ووضعتها على هامش التاريخ."
وذلك إلى جانب ما قال النائب السابق أنه "رفض كل المشاريع الهادفة إلى ضرب الحضور المسيحي الأصيل في هذا الشرق وتحويل المسيحيين إلى مجرد أقلية تبحث عن حماية لها من هنا أو هناك."
وأضاف: "الخلاف ليس، كما يصوره البعض، خلافا حول اختيار الجهة التي يوكل لها مهمة تأمين الحماية - حماية خارجية سورية، إيرانية أو غربية، أو حماية داخلية شيعية لمواجهة خطر سني أو سنية لدرء خطر شيعي - إنما هو خلاف حول مبدأ الحماية الذي يحول المسيحيين إلى أهل ذمة،" رافضاُ "عنف الأنظمة الاستبدادية في مواجهة مطالب الشعوب المشروعة."
وبحسب فرنجية فإن السلام في لبنان "يحتاج إلى إنهاء حقبة سوداء في تاريخ العلاقات اللبنانية- السورية ودعم القوى التي تناضل من أجل قيام نظام ديمقراطي في سوريا.. وطي صفحة الماضي مع الفلسطينيين، ودعم الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة هي شرط السلام في المنطقة".
ومن المقرر أن تصدر الوثيقة بشكلها المعدل في مؤتمر صحافي يعقد الخميس، علماً أن اللقاء حضرته قيادات في أحزاب "القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الوطنيون الأحرار،" ونواب من كتل برلمانية ضمن تحالف "14 آذار."
وكان النائب أنطوان زهرا، عضو كتلة "القوات اللبنانية" البرلمانية قد، تحدث لـCNN بالعربية حول ما تردد عن "هواجس" لدى المسيحيين وقلق حيال الثورات في المنطقة، وما قد تحمله معها من توازنات جديدة.
وحول مواقف البطريرك الراعي التي رأى البعض أنها تصب في صالح النظام السوري قال زهرا: "ما فهمناه من كلام البطريرك أنه سمع عن هواجس حول التطورات في الشرق الأوسط، ووضعت في تصرفه لأسباب سياسية بعض المعطيات والأرقام التي نرى نحن أنه مبالغ فيها وليست في مكانها وتهين المسيحيين."
وعن المعطيات التي بلغت البطريريك يقول زهرا: "هي تتعلق بالوجود المسيحي في سوريا واعتبار البعض انه بعد الذي حل بمسيحيي العراق ومصر، هناك استهداف للمسيحيين ولدورهم ويخشى في حال سقوط النظام في سوريا وصول نظام إسلامي متشدد يهدف إلى تهجير المسيحيين من سوريا وانه يجب أن تعالج هذه الهواجس بتأمين حماية للوجود المسيحي."
وقال زهرا أن اعتراض القوى المسيحية ليس موجهاً ضد البطريرك نفسه، بل ضد "من دس هذه المعطيات لديه،" متهماً مجموعة من السياسيين والحزبيين والإعلاميين اللبنانيين المرتبطين بعلاقات تحالف مع سوريا بالوقوف خلف هذا الأمر.
وأضاف: "كانت أجوبتنا واضحة وهي أن المسيحيين موجودون في سوريا من أيام المسيح بينما النظام البعثي والحركة التصحيحية التي أوصلت آل الأسد والعلويين إلى الحكم لا يتجاوز عمرها 40 عاما، وتاليا فإن المسيحيين في سوريا ليسوا صنفا مهددا بالانقراض ويحتاج للحماية."
وحول إمكانية وجود خطر حقيقي على الوجود المسيحي في المنطقة قال زهرا: "الوجود المسيحي في الشرق مرتبط بدوره ورسالته وليس بحماية الأنظمة السياسية أو المجموعات، وإذا تخلى المسيحيون عن دورهم الرائد في تطوير المجتمع ورواد الحريات وحقوق الإنسان فلا مبرر لوجودهم، يمكنهم أن يعيشوا في أي مكان آخر."
ونبه زهرا إلى أنه في حال تحققت المخاوف من وصول أنظمة أكثر تشددا بعد الثورات العربية فإن "المجتمعات التي واجهت الأنظمة المتسلطة الحالية لن تسكت عن أنظمة أسوأ منها، وكما واجهت الظلم فهي ستواجه التطرف."
ورفض النائب اللبناني ما يتردد لدى الأوساط المدافعة عن النظام السوري عن وجود "مشروع شرق أوسطي جديد لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية،" وقال: "لا أوافق على هذا الهاجس المتحكم بالجميع والمدعوم بالموقف الروسي الرافض للعقوبات على سوريا واعتقاد البعض بان بشار الأسد لن يهزم ويبقى ملاذه الأخير الدولة العلوية التي يتم التحضير لها منذ عقود طويلة."
وتابع بالقول: "أنا على قناعة بأن توجه الشعوب العربية ليس نحو الانعزال والتقسيم، بل نحو التنوع والديمقراطية ومن الواضح تماما انه لو كان هذا التوجه لكان تم دعم الإسلاميين المتطرفين من دول الخليج العربي وأوروبا."
وشدد زهرا على أن ما يتم دعمه في سوريا هو "التحرك الشعبي المتنوع المنفتح،" وفي ما يتعلق بـ"الاعتداءات" التي تعرض لها المسيحيون في العراق ومصر قال: "لا يمكن اعتبار أن المسيحيين مستهدفين.. المسيحيون موجودون في هذه المجتمعات وليسوا مختبئين وهذا الحراك المجتمعي يصيبهم كما يصيب باقي شرائح المجتمع."
وأضاف: "هناك حالات تكفيرية سلفية تستهدفهم كما تستهدف آخرين، هذا صحيح لكن هل هذه الحالات هي من سيتولى زمام الأمور في نهاية المطاف؟.. أنا أقول إنها مهمة الجميع وعلى كل من يقوم بهذه التحركات الشعبية أن يمنعوا تكريس هذا الواقع."
وأعرب زهرا عن اطمئنانه حيال استحالة تقسيم المنطقة بسبب التوازنات الدولية، والعامل التركي الذي يقيم التوازن مع إيران حالياً، معتبراً أن أنقرة لن تسمح بحصول حالات انفصال في سوريا نظراً لعدم رغبتها في امتداد ذلك إليها بسبب وجود شرائح علوية وكردية على أراضيها.