CNN CNN

الفلسطينيون والتصاريح... معاناة تطول في انتظار الفرج

تقرير: عاهد جرايسة
الخميس ، 19 كانون الثاني/يناير 2012، آخر تحديث 18:00 (GMT+0400)

القدس (CNN) -- في منطقة الجبال الواقعة شمال الخليل، وبجانب مستوطنة "كفار عتصيون" المقامة على أراضيها منذ عام 1967، تقع منطقة عسكرية إسرائيلية، تسمى بالارتباط أو الإدارة المدنية، والتي تشهد يوميا معاناة مئات الزوار والمراجعين الفلسطينيين.

"فعصيون" كما يسميها الفلسطينيون، تعتبر واحدة من عدة أماكن مماثلة منتشرة في الأراضي الفلسطينية، تحت مسميات مختلفة، فيها مركز لجميع المعاملات المدنية التي يحتاجها الفلسطينيون من إسرائيل لتسيير أمور حياتهم، إضافة لكونها المنطقة التي تشتهر بأنها مركز للتوقيف والتحقيق مع النشطاء السياسيين الفلسطينيين.

المكان الذي رممته إسرائيل قبل عدة أعوام ليشهد جدرانا لأول مرة في قاعة انتظاره، ولتزيل عنه أرضيته الطينية، ما زال كما هو من حيث الجوهر، فهو يتكون من غرفة انتظار صغيرة عادة ما تكون مكتظة بزائريها، تتوسطها كاميرات لمراقبة نشاطهم، وفيها باب جانبي تتركز عليه الأعين، فهو باب دوار يسميه الفلسطينيون "بالمعاطة" نسبة إلى آلة ذبح الدجاج، يؤدي إلى غرفة أصغر حجما، من المفترض أن معاملاتهم تتم فيها.

ينتظر المواطنون في غرفة الانتظار ساعة أو يزيد، ينتظرون أن يرأف بهم جندي إسرائيلي بنداء، الكل يرقب الباب، وينتظر سماع مكبر الصوت مطالبا منه التوجه نحو الباب الدوار، وفي لحظات الانتظار التي تطول، ترى مجموعة شبان طلبتهم إسرائيل للتحقيق بحجة نشاطهم السياسي، يتنقلون من زاوية إلى أخرى جيئة وذهابا، ينادون على جندي هنا فيرسلهم إلى باب أخر، يعيدهم الجندي من الباب الأخر، أو يرسلهم إلى باب ثالث، وهكذا حتى يتفق الجنود على مكان لدخولهم، فتفقد الجموع أخبارهم، لأن التحقيق قد يطول أو ينتهي بالاعتقال، فيبقى في الغرفة أصحاب طلبات التصاريح بمختلف أشكالها، إضافة إلى طلبات ما يعرف بـ"البطاقات الممغنطة".

وهنا تتنوع الأحوال وتختلف القصص، فبعد السماح لمجموعة بعبور الباب الدوار إلى الغرفة الصغرى، يعود الانتظار ليسيطر على أجواء المكان، يبدأ بصمت، فالكل يتأمل لحظة الفرج المتمثلة في استلام الجنود للمعاملات، ولكن اللحظة التي تطول على المواطنين، تعطيهم فرصة للحديث والكلام، لعل مشاركة الهم تزيح عنهم شقاء الانتظار.

يتبدد الهدوء لحظة بعد أخرى، ويسيطر الحديث على أجواء المكان، معظم من يتواجد بالمكان ينتظر الحصول على "بطاقة ممغنطة،" التي تعطي حاملها فرصة تقديم طلب الحصول على تصاريح العمل، والزيارة، والصلاة، ومرافقة المرضى، أما الجزء الأخر من المواطنين فهو يطلب الحصول على تصاريح، وهنا تتعدد الأسباب وتتنوع القصص.

الحاجة أم محمود سبعينية جلست في طرف الغرفة، يدها تلاعب مسبحة صغيرة، وشفتاها تهمسان بتمتمات أقرب إلى الدعاء، تنتظر منذ ساعات الحصول على تصريح لزيارة القدس، فهي التي تزوجت في الضفة منذ القدم، تشتاق لزيارة أقاربها، ومدينتها التي أحبتها، تضطر للمجيء إلى هذا المكان والانتظار، ولكن بالنسبة لها، تعب الانتظار وقسوته تمحوه لحظات رؤية مدينتها العتيقة بسورها ومسجدها، إضافة إلى الأحبة الموزعين في أرجاء الوطن.

وفي الغرفة التي وضعت فيها مقاعد لا تكفي لنصف الحاضرين، يقف العدد الأكبر في انتظار فرج قريب، فينادي جندي على المواطنين لتقديم معاملاتهم، يشعر الحضور بالارتياح ويباشرون تنظيم دخولهم، إلى أن يصدمهم الجندي الذي يبدو أنه شعر بالملل بالخروج من المكتب، الكل ينتظر العودة القريبة لكن دون جدوى، يرونه يمر حاملا كأسا من القهوة، أو الشاي، يلتهم قطعة شوكولاتة أو بسكويت، دون أن يعيرهم أي اهتمام، فيعاودون الجلوس لإكمال الحديث.

قد تمضي ساعات طويلة قبل حصول أي منهم على مراده، فهذا عجوز أتى منذ ساعات الصباح الأولى، يريد أن يحصل على تصريح لزيارة ابنه المريض، فابنه الذي تعرض لحادث عمل موجود في مستشفى إسرائيلي بسبب خطورة حالته، ولا أحد يسمح له بالحصول على تصريح لزيارته غير والده العجوز، فينتظر العجوز ساعات تطول ولا تقصر، تجتاحه ملامح الإنهاك، وترتسم على وجهه الذي كسته التجاعيد صور الصبر المشوب بالغضب، فهو لم يعد قادرا على الجلوس أو المشي من شدة التعب.

أما الفئات الأخرى الباقية فهي إما تريد الحصول على تصاريح للعمل في إسرائيل، أو مجموعة تنتظر الحصول على تصريح للصلاة، ففي هذه الأوقات من السنة يكثر المسيحيون ممن يريدون الصلاة في كنائسهم المقدسية، أما في شهر رمضان فترى المسلمين بالمئات يتوافدون يوميا محاولين الحصول على تصريح يسمح لهم بالدخول إلى القدس لزيارة مسجدهم الأقصى.

وأمام هذه الحكايات التي تبدد قسوة الانتظار، لا تملك إلا أن تستمع إلى كل ما يدور، ففي كل تجمع قصة، متشابهة الأحداث مختلفة الأبطال، فتستمع حتى يمل منك الاستماع، منتظرا عودة الجندي إلى مقعده، يعود الجندي ويبدأ من جديد في أخذ المعاملات، ويبدأ انتظار آخر، يكسوه بالفرح هذه المرة عدة محظوظين أنجزوا معاملاتهم في أقل من ساعة، ليكونوا باب أمل لأعداد كثيرة أخرى ما زالت تعيش تحت رحمة الانتظار.