CNN CNN

رأي: الطريق إلى الاستدامة بين العصا والجزرة

الأربعاء، 18 كانون الأول/ديسمبر 2013، آخر تحديث 16:16 (GMT+0400)
 إمارة أبوظبي أضافت "التراث" كبعد رابع للاستدامة

 

الاستدامة هي الكلمة الرنانة هذه الأيام حيث نجد أن المؤسسات الحكومية والخاصة، بالإضافة لجل الساسة ومسؤولي الشركات في معظم دول العالم، يجاهروا بفضائل الاستدامة والحاجة الملحة لها.

ومع هذا المستوى من "الدعم"، يتوقع المرء أن نكون قادرين على التحرك بسهولة وبسرعة إلى نمط معيشه أكثر استدامة، ولكن هذا ليس الواقع.. والسؤال المطروح هو: لماذا نحن لا نتحرك نحو تحقيق الاستدامة بوتيرة أسرع؟

المشكلة تكمن في أن معظم الناس لديهم انطباع خاطئ عن الاستدامة، بحيث لا يتعدى فهمهم للاستدامة كونها قضية تقنية بحتة، من خلال إيجاد وتنفيذ الحلول التقنية للممارسات المختلفة، التي تؤثر سلباً على البيئة.

والحقيقة أن البيئة ما هي إلا واحدة من ثلاثة أبعاد رئيسية للاستدامة، والتي تشمل أيضاً الاقتصاد والجوانب الاجتماعية، وقد أضاف برنامج "استدامة" في أبوظبي مؤخراً التراث كبعد رابع، وللأسف فإن معظم الناس لا تعترف بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية للاستدامة، أو ربما تتجاهلها.

وحقيقة الأمر أن معظم قراراتنا في الأنشطة اليومية تستند إلى الاعتبارات الاقتصادية بصورة رئيسية، وتعتبر هذه الاعتبارات أكبر عقبة في طريق اعتماد العديد من الحلول التقنية المعروفة واللازمة لتحقيق الاستدامة.

ويزداد هذا الوضع سوءاً بصفة خاصة في المناطق التي يتم فيها توفير دعم حكومي  كبير للطاقة والمياه، مثل الإمارات العربية المتحدة بصورة خاصة، ومنطقة الخليج العربي بشكل عام.

وبما أن هنالك عدد قليل جداً من الأفراد المستعدين لاستثمار مبالغ من المال مقدماً، كنوع من الاستثمار الذي ينتج عنه توفير مادي على المدى البعيد، إضافة إلى ذلك هنالك نسبة كبيرة من السكان المتنقلين وغير المستقرين بصورة دائمة، مما يعني أن فئة قليلة من السكان لديها الحافز للاستثمار في الاستدامة، لقناعتها بأنها لن تكون في نفس الموقع لفترة طويلة بما يكفي لاسترداد الاستثمار في تقنيات الاستدامة.

وكحل على المدى القصير، تلجأ الحكومات حالياً إلى استخدام نهج "العصا" لإجبار الناس والمنظمات على تطبيق مجموعة من تدابير وتقنيات الاستدامة، على الرغم من أنها ليست مجدية اقتصادياً، ويتحقق ذلك عن طريق اعتماد أنظمة حديثة للبناء والترخيص، كما هو الحال لكل من استدامة في أبوظبي وبلدية دبي.

وعلى الرغم من أن استخدام "العصا" يمكن أن يؤدي إلى تطبيق عدد من تدابير الاستدامة بسرعة، إلا أن لهذا الأسلوب جوانب سلبية عديدة، بالإضافة إلى كونه غير مجدياً على المديين المتوسط والبعيد.

فعندما يكون المستهلك غير مقتنع بأهمية شيء ما، و يشعر بأنه مجبر على القيام بذلك، فإنه سيميل إلى اللجوء إلى طرق متعددة وملتوية لتجنب القيام بهذا الأمر "القسري"، مما يعني أن الاعتماد على العصا يتطلب اللجوء لعمليات متابعة وتدقيق واسعة النطاق، مما يجعل هذا الأسلوب صعب ومكلف وغير واقعي، لضمان الالتزام الشامل به.. كما أن هذه الأنظمة والقوانين بحاجة إلى تحديث بانتظام ومتابعة، وعليه فإن إستراتيجية العصا ليست حلاً عملياً طويل الأمد.

لذلك ينبغي على المسؤولين استخدام "الجزرة" على المدى القصير، وفي نهاية المطاف استبدال العصا، على المدى  المتوسط والبعيد، وهذا يتطلب من المسؤولين تقديم الحوافز وخيارات تمويل خلاقة، لتشجيع المستهلك على تبني التكنولوجيا التي تعزز الاستدامة.

ويعد تحويل بعض الدعم الحكومي للطاقة نحو تحقيق هذا الهدف بداية جيدة، وأحد الأساليب التي تنظر حكومة أبوظبي فيه حالياً.. ولكن حتى الجزرة ليست حلاً طويل الأجل قابل للاستمرار، كما يتبين من تجارب البلدان الأوروبية، والتي قامت بتنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات منذ الثمانينات، مثل ألمانيا.

ويكمن الحل طويل الأجل في التطوير والنهوض بالتكنولوجيات المستدامة، مما يجعلها أكثر فعالية وأقل تكلفة.. ويحتاج هذا الأمر لزيادة التمويل في البحث العلمي وتطوير التكنولوجيات الجديدة والقائمة، مثل وحدات الطاقة الشمسية.

وبالتوازي مع ذلك، فإنه من الضروري تغيير الحالة الذهنية للناس إلى النقطة التي تكون فيها الممارسات المستدامة ليست فقط القاعدة، ولكن أيضاً التزاماً أخلاقياً.. وهذا ينطوي تحت البعد الثالث للاستدامة، وهو الجانب الاجتماعي.. فالمجتمع، لاسيما الأطفال، بحاجة إلى أن يتلقى تعليماً حول ضرورة الاستدامة، وأساليب تحقيقها إلى النقطة التي يصبح فيها السلوك والممارسات المستدامة سلوكاً طبيعياً.

وهناك بعض المبادرات في دولة الإمارات العربية المتحدة على هذا النمط، ولكنها لا تزال قليلة ومشتتة، منها تدريس الاستدامة بشكل إلزامي في المدارس، ودمجها في نظام التعليم، ابتداءً من المراحل الأولى، بما في ذلك مرحلة رياض الأطفال.. وهذا يتطلب مستويات جديدة وغير مسبوقة من التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الحكومية المختلفة، بما يتجاوز المستويات الحالية.

وهذه خطوة حاسمة نحو تحقيق الاستدامة، وذلك لأن شكل مستقبل البشرية في المستقبل يعتمد بشكل أساسي على قرارات الاستثمار التي  نتخذها اليوم في كل من تطوير التكنولوجيا وفي تعليم وتثقيف الأجيال القادمة.

كاتب المقال الدكتور بسام أبوحجلة، عميد كلية الهندسة وتقنية المعلومات بالجامعة البريطانية في دبي، ولا يعكس بالضرورة رأي CNN بالعربية.



ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.

الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.