CNN CNN

تحليل: خطأ المالكي الجسيم مع السنّة ولماذا "تتجاهله" واشنطن؟

الخميس ، 09 كانون الثاني/يناير 2014، آخر تحديث 18:43 (GMT+0400)

بقلم تشارلز ليستر الباحث في مركز بروكينغز الدوحة في العاصمة القطرية.

(CNN)-- ربما استأثرت الأحداث الدموية في كل من الفلوجة والرمادي بكل الأضواء في الآونة الأخيرة، لكن محافظة الأنبار، التي تقع فيها المدينتان، كانت ومازالت منذ مدة طويلة، معقل معارضة لرئيس الحكومة الشيعي نوري المالكي.

وتأثرت الأوضاع العامة في العراق، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بالعلاقة بين الطائفتين أي السنة والشيعة. والآن تبدو الفلوجة والرمادي بعيدتين عن سيطرة الحكومة المركزية، وتتنازعها بدرجات متفاوتة سلطات ميلشيات سنية وشرطة محلية مدعومة من عشائر المنطقتين، وأيضا من قبل مليشيات متشددة تنتمي لتنظيم "داعش."

وبعد أن أطلق حملة عسكرية مشددة على تنظيم "داعش" في صحراء الأنبار في 23 ديسمبر/كانون الأول، ينقل الجيش العراقي الآن معظم اهتمامه لتأمين مدن وقرى المحافظة.

وقد شكّل اعتقال النائب البرلماني السني البارز أحمد العلواني وما تخلله من قتل شقيقه في الرمادي في 28 ديسمبر/كانون الأول، سببا كافيا للسكان المحليين للتعبير عن غضبهم، لكن قرارا حملة إزالة مخيم اعتصام إثر ذلك بيومين، كان ببساطة خطوة غير محسوبة.

فقد دفعت تلك الخطوة العشائر المحلية إلى الدعوة للتسلح وطالبت بسحب القوات الفيدرالية من المحافظة ولاحقا ظهرت قوافل مسلحين تابعين لتنظيم "داعش" في شوارع الفلوجة والرمادي.

اقرأ ايضا..رأي: العنف بالأنبار دليل على فشل المالكي

والآن، يبدو الجيش في حالة تأهب لشنّ عملية واسعة في الفلوجة التي باتت تحت سيطرة العشائر و"داعش" فيما بعض عشار الرمادي السنية قررت خطوات براغماتية وباتت تتعاون مع قوات محلية لتغيذ عمليات محدودة ضدّ "داعش."

وكان أمن العراق أصلا هشا قبل انفجار الوضع في الأنبار، فقد كان 2013 من أكثر الأعوام دموية منذ عام 2008. ويمكن تحميل المسؤولية في شن جزء كبير من تلك العمليات خلال 2013 لتنظيم "داعش" مستفيدا من توسع عملياته في سوريا المجاورة.

والآن ومع اقتراب موعد الانتخابات في أبريل/نيسان، يبدو نوري المالكي في وضع لا يحسد عليه حيث أنه يوجد تحت ضغط أن يظهر نفسه في صورة الرجل القوي ولاسيما لحلفائه من بقية الأحزاب والحركات الشيعية.

اقرأ ايضا..المالكي يطلب دعم مجلس الأمن ومفتي السنة يهاجم الجيش

وفي الشهور الأخيرة، كان استخدام رئيس الوزراء نوري المالكي مقاربة طائفية واضحا عندما كان يشير إلى "عناصر سنية" تعارض حكومته، بل إنه اعتبر في بعض المرات الاعتصام في الرمادي على علاقة بتنظيم القاعدة.

وفي غياب أدلة واضحة على ذلك، تزايد الاقتناع بأن الإشارة إلى "القاعدة" هو مجرد استخدام سياسي. غير أن ذلك لا يعني البتة أنّ "تنظيم داعش" الذي أعلت رسميا انتهاء علاقته بالقاعدة منذ 2007، لا يمثل تهديدا. لكن الأمر يعد مستفزا للعشائر المؤثرة في الأنبار والتي كان دورها المؤثر في قوات الأمن المحلية أحد العوامل التي منعت "داعش" في السابق من اي وجود في الصحراء التي تقع فيها المحافظة.

ولسخرية القدر فإنّ الحملة التي أمر بها المالكي ضد احتجاجات الرمادي والاعتقال الدموي للعلواني وراء خلق الظروف المواتية لانتقال مسلحي "داعش" إلى داخل المدن. لكنهم ليسوا القوة الوحيدة الموجودة على الأرض. ففي الفلوجة، عارض رجال أمن منشقون ورجال عشائر مسلحون أي وجود للقوات الفيدرالية بل إنهم الآن يشكلون القوة الأوضح في المنطقة.

ويعد وقف الاحتجاجات والتظاهرات المعارضة قبل الانتخابات أمرا حيويا بالنسبة إلى المالكي. غير أن المقاربة التي اعتمدها باستغلال التهديد الذي يمثله تنيم "داعش" لفرض سيطرته العسكرية على الأنبار ذات الأغلبية السنية، كان قرارا أعمى.

كما أن إرسال قوات عسكرية من محافظات شيعية مثل ذي قار وميسان والبصرة يوضح رغبته في الاعتماد على قوات يرى أنها موالية ومحل ثقة، بما يزيد من نذر قتال دموي ماثل.

ورغم أن هناك فرصة للحوار والتفاوض، فإنّ اتخاذ إجراءات عسكرية يبدو أمرا لا مفر منه. ومن المرجح أن تكون باستخدام عمليات قصف جوي وإطلاق قذائف للإعداد لعملية برية، بما يرجح سقوط ضحايا مدنيين بما يزيد من تنامي مشاعر العداء للحكومة.

وخبرت القوات الأمريكية عام 2004 صلابة الفلوجة واقتنعت أنّ حصارها لا يفيد سواء استمر أياما أو أسابيع.

وأخذا بعين الاعتبار خطورة التهديد الذي يمثله تنظيم "داعش" لم يكن مفاجئا أن يعبّر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن دعم بلاده للعملية التي أمر بها المالكي في الأنبار، رغم التلميح إلى عدم الارتياح لأي عملية تتضمن نشر قوات على الأرض.

وفي ديسمبر/كانون الأول، أرسلت واشنطن 75 صاروخ "هلفاير" إلى الجيش العراقي كما تعهدت بالتسريع في صفقة بيع 100 صاروخ إضافي بحلول الربيع، كما أنّ طائرات استكشاف بدون طيار أمريكية ستمثل دعما للقوات العراقية.

وربما يعد ذلك أمرا معقولا على الورق، لكن عندما نضعه في إطاره الجيوسياسي الأخير والذي شهد تغيرات في علاقة الولايات المتحدة بحلفائها السنة في السابق وجعلها تقترب أكثر من القوى الشيعية التي تمثلها إيران، يكون الأمر بحاجة إلى مزيد من النظر. ولا يمكن لاستخدام تجهيزات عسكرية متطورة جدا وعملية عسكرية معقدة ضد سنة من قبل قيادة عسكرية شيعية وباستخدام قوات شيعية إلا أن تزيد من تدهور الوضع.

وفي العراق، وغيرها من دول المنطقة، يلعب رجال العشائر دورا حيويا في حل مثل هذه الأوضاع لاسيما بعد أن سيطر تنظيم "داعش" على أجزاء في المحافظة. ولكن الآن يبدو رجال العشائر ينظرون إلى المالكي، وليس "داعش" على اعتبار أنه عدوهم الأول. كما أنه من نافلة القول إنّ قوات الأمن المحلية وليست الفيدرالية تتمتع بعلاقات قوية ومثمرة مع العشائر وستكون العمود الفقري لأي قوة قتالية في الأنبار، مثلما تبدو ملامح ذلك في الرمادي.

وإذا قرر الجيش المضي فعلا في عملية شاملة، فسيكون "تنظيم داعش" المستفيد الأكبر من ذلك. وقبل عقد من الزمان، شنّ الجيش الأمريكي عمليتين ضخمتين ضد مسلحين في الفلوجة. ورغم أنّ أطراف النزاع تبدو أنها تغيرت إلا أنه وعلى ما يبدو فإنّ التاريخ يعيد نفسه.

ملاحظة المحرر: ما ورد في المقال لا يعبر عن وجهة نظر CNN ولا يعكس سوى رأي كاتبه



ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.

الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.