دمشق، سوريا(CNN)-- يجد الممثل أيمن رضا صعوبةً بوصف يومياته في دمشق، فثمّة "أشياء لا يمكن الحديث عنها" على حد قوله، لكنّه يواصل العمل، قدّم أدوراً ناجحة في موسم دراما 2014 الفائت، وأنهى مؤخراً تصوير دوره بمسلسل "عناية مشددة"، وهو عمل سوري جديد "يرصد صورة الواقع الأليم الذي يعيشه السوريون وسط الحرب"، العمل من إنتاج شركة "قبنض"، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد، عن نص لعلي وجيه، ويامن الحجلي، وغالباً ما سيكون عرضه قبل الموسم الرمضاني المقبل 2015.
وفي حديثٍ خاص لـ CNNبالعربية؛ يلخّص رضا دوره بمسلسل "عناية مشددة"، بأّنه يعبرّ عن "لسان حال الشعب السوري اليوم"، فـ"صبحي" (اسم الشخصيّة التي يؤديها في العمل: "لا يحسب على الموالاة ولا المعارضة، هو مغنيّ، يساري، يكتشف مؤخراً أنّه الوحيد الذي بقي وفيّاً لهذا الاتجاه السياسي، وينتهي به المآل وسط تناقضات الحرب، للغناء في أحد مطاعم دمشق، يغني فيه لنوعيات مختلفة من الساهرين، أغانٍ لا تنسجم مع مزاجه، يصطدم مع أناسٍ وصوليين، ويحس بأنه وحيد في هذا العالم." الدور الجديد لأيمن رضا، بعيد تماماً عن الكوميديا التي كان ولازال أحد أبرز نجومها في الدراما السوريّة، ويأتي بعد عدةّ أعمال قدمّها في موسم دراما 2014 الفائت، أبرزها دوره بمسلسل "ضبّوا الشناتي" (تأليف ممدوح حمادة، وإخراج الليث حجو)، وإلى جانب مشاركته المكثّفة بلوحات عاشر أجزاء السلسلة الانتقادية الشهيرة "بقعة ضوء" (تأليف عدة كتّاب، وإخراج عامر فهد.
يرى العديد من النقّاد أنّ هذين العملين (من إنتاج شركة سما الفن)؛ أعاداك إلى الواجهة، بعد إخفاقك بأدوار لم يحالفك الحظ بها في المواسم السابقة. ما رأيك؟
أيمن رضا: عن أي واجهة تتحدثون؟! "أما فيما يتعلق بالإخفاقات التي حدثت، فالفن دائماً خاضع للتجريب، ونحن حاولنا أن نصنع كوميديا في زمن الحرب، ولم ننجح، وأحد أسباب فشلها النص، والإخراج، واختيارات فريق العمل الذي هو عمل جماعي بالنهاية، ولا يتوقف على شخص، وحينما يكون غير مضبوط، فهذا سيؤثر بالجميع، كانت تلك محاولات قدمّناها لِنُخْرِجَ الناس من الحالة التي يعيشونها، لكننا فشلنا، فحينما كنّا نصور مسلسل (سيت كاز) 2011، بينما يمر كل يوم ثلاث أو أربع شهداء أمامنا، تصبح الكوميديا صعبة، ولا تأتي في زمنها الصحيح، لم نفشل، ولكن الزمن الذي قدمّناها فيه هو من أفشلنا، لذلك أقلعت عن الأدوار الكوميدية خلال الفترة الأخيرة."
ولكنّك شاركت بعملين خلال الموسم الفائت، لا يخلوان من الكوميديا، وإن كانت تلك التي تصنّف بـ"الكوميديا السوداء"، ونجحت؟!
أيمن رضا: "في (بقعة ضوء)10 الوضع مختلف، ثمّة شيء أردت أن أقوله من خلال اللوحات، وشاركت بها بشكلٍ مكثف، وحققت ما أريد بنسبة 10%، لأن ما اقترحته في العمل كان مكلفاً إنتاجياً، وعوضّت عن ذلك في لوحات (غداً نرتقي) التي شكلت فيها ثنائياً مع زميلي قاسم ملحو، وتناولنا ثلاثين موضوعاً، بثلاثين حلقة." وفي مسلسل (ضبّوا الشناتي)، كان النص جيداً، ومتقناً، ولديه مقولة تلامس اللحظة المعاشة، المخرج جيد، وكذلك انتقاء الممثلين المشاركين بالعمل، وللمفارقة شخصيّة (عادل) التي لعبتها في المسلسل لم أكن أحس بها في البداية، ولم أدرك إلى أين ستصل؟، ولكن حينما انتهيت من أداء الدور، أصبحت أحسّ به أكثر، لأنني بدأت أعيش الظروف ذاتها التي عاشها، ففي المكان الذي أسكن فيه بدمشق، أصبحنا نُحِسّ بأن المراحل التي مرّت بها شخصيّات العمل، تتكرر معنا، وبدأنا نعيش أزمات مشابهة تماماً، كانقطاع الماء والكهرباء، سقوط القذائف، والخوف اليومي... فثمّة أشياء في النهاية لا يمكن الحديث عنها، مَنْ لا يعيش في قلب الحدث لا يحسّها، وربما المقيمون خارج البلاد لا يصدّقونها، إذا تحدثنا لهم عنها، هناك ما يفوق الخيال فيما نواجهه في حياتنا اليومية وسط الحرب، ومنها ما يخلو من الإنسانية... ويتجاوزها بمراحل."
أبطال "ضبّوا الشناتي"، غادروا البلاد في نهاية المطاف... هل فكّرت يوماً، أو تفكّر بمغادرة سوريا خلال الفترة الحالية؟
أيمن رضا:"القصةّ لا تقتصر على عائلتي الصغيرة، ثمّة والدتي، إخوتي، وأصدقائي، إذا تركتهم، وأصابتهم قذيفة، أو حادثٌ ما لا سمح الله، ماذا سيكون موقفي في تتّمة حياتي... هل أنجو بنفسي فقط لأنني أمتلك القدرة المادّية على ذلك؟!... الجواب: لا... لم أفكر بذلك مطلقاً، لأنني مسؤول عن عائلة بأكملها، سافرت للتصوير أكثر من مرّة خارج البلاد، وعدت، كما أنّه لا يمكنني ترك دمشق وهي مريضة، ولست وحيداً في هذا الخيار، فهناك الكثير من الفنّانين السوريين كذلك... مع أنني عراقي الجنسية، لكنني ولدت هنا --أيمن رضا-ممثل عراقي مقيم في سوريا ."
مع كل هذا الحب الذي تتحدث فيه عن دمشق، التي ولدت وعشت فيها، هناك من يفاجئ لكونك عراقي الجنسية، مع أنّ الجمهور العربي يعرفك كممثل سوري، إلى أي حد تبدو متصالحاً مع الفكرة؟، ألا يسبب لك عدم حصولك على الجنسية السورية نوعاً من الألم الداخلي؟
أيمن رضا: "الدولة ليست من تمنح الجنسية، وإنما الشعب، الشعب السوري هو مَنْ منحني إيّاها، وهناك ممثلون دمشقيّون أدقق لهم لهجتهم، كوني ما زلت أعيش في قلب دمشق، ولدنا هنا، وسنبقى هنا، وإذا خرجنا منها سيكون ذلك (غصباً عن راسنا)."
كيف تعيش يومياتك في دمشق اليوم؟
أيمن رضا: "في حالة ترقب دائماً، وعدم أمان، ليس بوسعنا أن نشرح هذه اليوميات، نحن لم نعد أصحاب فعل، وإنما ردود أفعال، أعود للمنزل بعد انتهاء التصوير، لأواصل سلسلة اتصالاتي الهاتفية للاطمئنان على أولادي، خاصّةً أن الحي الذي نسكن فيه بقلب دمشق، بجوار سوق (مدحت باشا)، بات خط دفاع أوّل عن المدينة القديمة، فهذه المنطقة متاخمة لـ(الغوطة)، والصواريخ، والقذائف تمر من فوق رؤوسنا، وسقط منها في منزلي، والجوار مرّاتٍ عديدة."
ما قصّتك مع "الموتوسيكل"، حيث بات من الأشياء الملازمة لشخصيتك، فلطالما نراك تتنقل بواسطته، في دمشق القديمة، أو خارجها؟
أيمن رضا: "أتخيّل إذا بقيت الظروف سيئة على هذا النحو، سترونني أتنقّل على الحمار، إذ لا يتوفر البنزين باستمرار، وليس لدي مشكلة في ذلك، طالما أنني أصل إلى المكان الذي أريد، ولو على ظهر حمار، لكنّ حقيقة الأمر أن التنقل بالسياّرات صعب في حارتي، حيث نقاط التفتيش، والأزقة المسدودة، لذلك كان (الموتوسيكل) حلاً جيداً بالنسبة لي كوسيلة نقل سهلة، كما أنّه يشعرني بالحريّة، ويرفع نسبة (الأدرنالين) لدي، ألعب مع الطبيعة، وآخذ حجم الهواء الذي أريد، أحس بالخطر دائماً، وألاعبه."
هكذا تبدو يوميات أيمن رضا، بمدينة دمشق اليوم، مزيجٌ من العمل، والعشق للمدينة التي يحب، ومشاكسة الخطر، وفي ختام حديثا معه سألناه عن أكثر ما يتمناه؟، وما يخيفه اليوم؟ تتراجع الابتسامة على شفاه نجم الكوميديا السوريّة، ويختم حديثه لـ CNN بالعربية، قائلاً: "أكثر ما أتمنّاه عودة الشعور بالأمان الذي كنّا نتميّز به، وأكثر ما أخشاه، موت أحد الأحبّة أمامي، مثلما يموت الكثير من الناس في سوريا، بشكلٍ مجّاني... (بلا طعمة)."