رأي.. بشار جرار يكتب عن خلاصة "الربيع العربي": "هرمنا فندمنا"

الشرق الأوسط
نشر
4 دقائق قراءة
رأي.. بشار جرار يكتب عن خلاصة "الربيع العربي": "هرمنا فندمنا"
Credit: STR/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

لا أفلام قديمة أو مفبركة ولا تسجيلات مقاول ممثل "كومبارس" قادرة على ذر الرماد في عيون المصريين الذين خبروا في سنين عجاف فرية الربيع العربي المذموم المشؤوم. المصريون وغالبية شعوب المنطقة ما زالوا يذكرون ذاك التونسي الذي صاح أمام عدسة الجزيرة: هرمنا باكيا من الفرح على "رحيل" بن علي، ليعود بعد سنين إلى إعادة الحركة ذاتها ماسحا على هامته قائلا: ندمنا، ندمنا..


من منا لم يرى حلم ثورة الياسمين كما ظننا في تونس يتهاوى أمام ناظرينا فتتحول تونس الخضراء في جمال طبيعتها إلى خضراء سياسيا وتنظيميا. وحش كاسر نهش بالجميع ولم يوفر لا عسكريا ولا مدنيا ولا سائحا ولا رجل دين حتى في بلاد المهجر حيث عاش العالم بأسره كابوس الخلايا النائمة والذئاب المنفردة.


يتوهم منتسبو التيارات الإسلامية سياسية كانت أم فصائلية، رفعت خطابها "المدني" أو "الديني"، أن يسكت العالم أو الدول العميقة في المنطقة لا بل وعامة الناس على تكرار الأخطاء والخطايا القاتلة التي وقعت عام ٢٠١١. لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. ولا قوة إقليمية أو دولية سترضى لنفسها التواطؤ في اللعب القذر القاتل الذي أزهق الأرواح وبدد الطاقات والإمكانات.


بصراحة سقط القناع لا بل وورقة التين عن عورات الخطاب الديني الرجعي والإرهابي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
في المقابل، من غير المقبول إمعان البعض في دول عربية نجت من أتون "الربيع العربي" في استفزاز الناس. ثمة قضايا فساد وقمع حقيقية كانت أم يشوبها سوء فهم، لا بد من التصدي لها وفي أقرب وقت ممكن. المخيف في حالات مصر والجزائر والأردن والسلطة الفلسطينية والعراق مثلا هو فشل نظم الإدارة والإعلام في رفد الدولة العميقة ومؤسساتها بما يلزم من عون وإسناد. فصارت مصدر قلق واضطراب وإضعاف على غير المأمول منها.


إن تسلل بعض تلك الأصوات المعارضة إسلامية كانت أم يسارية أم قومية أم وطنية "شوفينية" عبر آليات الإضراب أو العصيان المدني أو التظاهر بقصد الاشتباك مع قوات حفظ الأمن والنظام، مسألة في غاية الدقة والخطورة. وما لم تكن حكومات تلك الدول متواطئة في دفع الأمور إلى الاضطراب والتأزيم على أمل التوطئة لتغيير ما في الاتجاه أو لربما الاستدارة السياسية أو الأيدولوجية الكاملة، فإن الأمور ستخرج لا محالة عن السيطرة وحينها سيندم الجميع.


الأمانة العلمية تقتضي القول إن عيوب التقصير والضعف لا تقف عند العامة فقط ولا عند مؤسسات الدولة الرسمية فالفتق أكبر من الراتق ولن يصلح العطار ما أفسده الدهر ما لم تتصدر قيادات المشهد بشجاعة وتضع حدا لثقافة الكذب وتبدأ بمراجعة شاملة وعميقة لكل شيء، مراجعة تقوم على الصدق المطلق، مراجعة لا تحقق نتائج عملية على الأرض يلمس ثمارها الناس كافة إلا بالشفافية التامة.


أزعم أن مجتمعاتنا العربية لم تعرف أبدا معنى الثورة بمعناها العلمي الحقيقي. وبالتالي فإن أي عمل عنيف منظم كان أو غير منظم لن يكتب له النجاح. كما وأن بقاء الأمور في إطار دائرة الفعل ورد الفعل ضمن معادلات الداخل والخارج والجوار وقوى المجتمع التقليدية لن يفضي إلى شيء سوى الفوضى أو القمع.
طوق النجاة يتمثل في نظري إلى العودة إلى الأصول، فالإصلاح يبدأ كالفساد والحروب بالكلمة والفكرة والضمير. متى صلحت صلح الحال، أما دون ذلك فستبقى الأمور اجترار للأخطاء واستجلاب للكوارث.