زعماء الشرق الأوسط والولايات المتحدة حاولوا إخفاء القضية الفلسطينية.. لكن هذا قد لا ينجح بعد الآن

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة

تقرير من إعداد عباس اللواتي، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)

(CNN)-- تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أغسطس بأن القضية الفلسطينية أصبحت مجرد "صندوق اختيار" للدول العربية التي تتطلع إلى إقامة علاقات مع الدولة اليهودية، مما يوحي بأن الأمر مجرد كلام عن قضية عفا عليها الزمن.

وقال: "عليك أن تتحقق منها لتقول أنك تفعل ذلك." وأضاف أن القضية الفلسطينية يتم طرحها "بأقل بكثير مما تعتقد" في المفاوضات مع الدول العربية.

وبعد شهر، اعترف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بوجود محادثات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال إنه سيتعين على إسرائيل "تسهيل حياة الفلسطينيين" في مقابل الاعتراف، وتوقف عن الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية وتخلى فعليا عن التعهد السعودي الذي دام عقدين من الزمن بعدم تحقيق السلام مع إسرائيل إلا بعد انسحابها الكامل من الأرض التي تحتلها.

لكن الهجوم الدموي الذي شنته حماس في نهاية الأسبوع على إسرائيل أعاد القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء الدولية وربما يكون قد ألقى بثقله على جهود إسرائيل لتوسيع ما يسميه نتنياهو "دائرة السلام"، في إشارة إلى الدول العربية التي تجاوزت القضية الفلسطينية من أجل إقامة علاقات مع إسرائيل.

كان الهجوم، الذي أودى بحياة 1200 شخص في إسرائيل وأدى إلى غارات جوية إسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 شخص في غزة، "حدثًا يغير قواعد اللعبة" بالنسبة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفقًا لعمر الرحمن، الزميل في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية الذي يركز على القضايا الفلسطينية.

وقال لشبكة CNN: "على مدى سنوات، اعتقد القادة (الإسرائيليون) أن بإمكانهم عزل الفلسطينيين في مقاطعة معزولة إلى أجل غير مسمى. يبدو أن المجتمع الدولي لم يعد يهتم، كما أن حلفاء الفلسطينيين العرب يتقبلون بسرور الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وقد ترك هذا الفلسطينيين بلا أمل أو أفق سياسي، ويواجهون مستقبلًا من القهر الدائم."

كان من الممكن أن يكون الاتفاق السعودي الإسرائيلي بمثابة انتصار دبلوماسي كبير لنتنياهو في جهوده لإنهاء العزلة الإقليمية لإسرائيل دون تقديم تنازلات ملحوظة للفلسطينيين، وإنجازًا مهمًا في السياسة الخارجية لإدارة بايدن قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

بدأ الاتجاه العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في العام 2020، عندما اعترفت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان بالدولة اليهودية بينما قدمت الدعم الخطابي للقضية الفلسطينية. تم تسهيل الصفقة، التي أطلق عليها اسم اتفاقيات إبراهيم، من قبل إدارة ترامب ووُصفت بأنها نقطة تحول تاريخية في المنطقة.

التطبيع كحجر زاوية في السياسة الأمريكية

لقد جعلت الولايات المتحدة من التطبيع العربي الإسرائيلي حجر الزاوية في سياستها في الشرق الأوسط، وهو ما يقول منتقدون إنه جاء على حساب مسائل أكثر إلحاحًا. وقد تعرض تهميش الفلسطينيين في مثل هذه الصفقات لانتقادات في العديد من الأوساط.

وعندما اعترفت الإمارات بإسرائيل في العام 2020، قالت إن القيام بذلك مشروط بتخلي إسرائيل عن خططها لضم أجزاء من الضفة الغربية، لكن المنتقدين قالوا إن نص الاتفاق لم يذكر الشرط ولم يشر إلى القضية الفلسطينية إلا مرتين.

وقال خالد الجندي، زميل أول في معهد الشرق الأوسط ومدير برنامجه حول فلسطين والشؤون الإسرائيلية الفلسطينية: "إن إدارة بايدن تطارد هذه اللعبة الجديدة اللامعة التي تسمى التطبيع."

وقال إن المجتمع الدولي قد أصبح راضيًا عن محنة الفلسطينيين ومضى قدمًا، مضيفًا أن أحداث نهاية الأسبوع الماضي يمكن أن تعيد القضية "إلى أجندة القوى الإقليمية والدولية والقوى العظمى."

وانتقد العاهل الأردني الملك عبد الله عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية الشهر الماضي، قائلًا إنه حتى تلك الدول العربية التي اعترفت بالفعل بإسرائيل تجد نفسها في موقف صعب "عندما يموت الإسرائيليون والفلسطينيون".

وفي مقال افتتاحي لاذع في يوم الهجوم الذي شنته حماس، ألقت صحيفة هآرتس، أبرز الصحف اليسارية في إسرائيل، اللوم بشكل مباشر على نتنياهو لأنه، من بين أسباب أخرى، "تبني سياسة خارجية تتجاهل علانية الوجود والحقوق للفلسطينيين". أثناء محاولته التوصل إلى اتفاق مع السعودية.

وقالت إلهام فخرو، الباحثة المشاركة في تشاتام هاوس بلندن ومؤلفة كتاب سيصدر قريباً عن التطبيع العربي الإسرائيلي، إن محادثات التطبيع السعودية لا يمكن أن تستمر بينما إسرائيل في حالة حرب مع غزة.

وقالت لشبكة CNN: "لقد جعل كل من (الرئيسين دونالد) ترامب و(جو) بايدن التطبيع العربي مع إسرائيل محورهما الدبلوماسي الرئيسي في المنطقة بينما أهملا دفع أي نوع من محادثات السلام الهادفة بين إسرائيل والفلسطينيين. إن التصعيد الدراماتيكي في الصراع الذي نشهده اليوم هو نتيجة مباشرة لهذا الإهمال."

لكن الولايات المتحدة حريصة على عدم السماح لهجمات نهاية الأسبوع الماضي بأن تقف في طريق التطبيع.

وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي يوم الثلاثاء: "ما زلنا نعتقد أن التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية ليس مفيدًا لشعبي هذين البلدين فحسب، بل للشعب الأمريكي ولكل شخص آخر في المنطقة. ولدينا كل النية لمواصلة تشجيع العملية حيث يمكن أن يحدث التطبيع."

السعودية تتخذ نهجًا تقليديًا

يبدو أن احتمالات التطبيع السعودي الإسرائيلي قد وصلت إلى مستوى متقدم في الشهر الماضي، لدرجة أن إدارة بايدن قد قدمت للعالم خطة تاريخية لربط الهند بأوروبا من خلال شبكة تجارة بحرية وسكك حديدية من شأنها أن تربط أيضًا المملكة العربية السعودية بإسرائيل. وكان يُنظر إلى الخطة على نطاق واسع على أنها تتحدى طموحات الصين التجارية، وكان من المفترض أن يتم تفعيلها بعد تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

لكن هجمات حماس على إسرائيل، ورد إسرائيل عليها، دفعا الرياض إلى اتباع نهج أكثر تقليدية في التعامل مع الصراع.

ردًا على الهجوم الذي وقع يوم السبت، ألقت المملكة العربية السعودية باللوم على إسرائيل في "استمرار احتلالها وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة"، ولم تصل إلى حد إدانة حماس، وهي فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها الرياض منظمة إرهابية. وتحدث محمد بن سلمان مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هاتفيًا يوم الثلاثاء وأعرب عن تضامنه.

كتب المعلق السعودي البارز محمد اليحيى في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست يوم الاثنين أن المسؤولين السعوديين يشعرون بالإحباط من فكرة أنهم أصبحوا غير مبالين بالقضية الفلسطينية. لكنه قال إن فكرة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي التي استولت عليها في حرب عام 1967، التي طالبت بها المملكة العربية السعودية في السابق، هي فكرة "قديمة".

ويبدو أن الدول العربية التي قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في العام 2020، قد فعلت ذلك رغم المعارضة العامة القوية لهذه الخطوة، وفقًا لاستطلاع أجراه معهد واشنطن العام الماضي. وقد تزداد حدة المشاعر العامة ضد التطبيع إذا قامت إسرائيل بغزو بري مدمر محتمل لغزة، مما يزيد من الضغوط في الشارع العربي. لقد أظهر الاستطلاع في الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية، أن حوالي ثلاثة أرباع سكانها يعارضون التطبيع مع إسرائيل.

وقال الجندي: "أعتقد أن الهدف النهائي (من عملية حماس) هو ضمان عدم العودة إلى الوضع الذي كان قائما من قبل. كان الهدف هو تحطيم شعور الرضا عن النفس الإسرائيلي."