أطفال حديثو الولادة يموتون.. وأمهات يكافحن لإطعام أطفالهن بينما يحكم الحصار الإسرائيلي على سكان غزة بالمجاعة

الشرق الأوسط
نشر
11 دقيقة قراءة

تجلس أنوار عبد النبي على حافة سرير في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، وعيونها غارقة بالحزن، وتمسك الأم الشابة بأصابع ابنتها ميلا بحنان. قبل دقائق فقط، ماتت الفتاة التي تبلغ من العمر 7 سنوات بسبب الجوع.

وقالت النبي لشبكة CNN الاثنين وهي تبكي في أحضان قريب مسن: “لقد انتقلت ابنتي إلى رحمة الله بسبب نقص الكالسيوم والبوتاسيوم والأكسجين.. فجأة انخفض كل شيء، لأنها لم تكن تأكل أي شيء به حديد أو بيض. كانت تأكل البيض كل يوم قبل الحرب. الآن لا شيء. لقد توفيت."

في الوقت الذي تستنزف فيه القيود الإسرائيلية الصارمة على دخول المساعدات إلى قطاع غزة الإمدادات الأساسية، قال النازحون الفلسطينيون لشبكة CNN إنهم يكافحون من أجل إطعام أطفالهم. يقول الأطباء إن الأمهات الجائعات غير قادرات على إنتاج ما يكفي من الحليب لإرضاع أطفالهن. يصل الآباء إلى المرافق الصحية المكتظة للتسول للحصول على حليب الأطفال. وفي شمال غزة، يهرع الناس للحصول على المساعدات الإنسانية النادرة التي يتم اسقاطها. ويقول العاملون في مجال الصحة إنهم لا يستطيعون تقديم العلاج المنقذ للحياة لسكان غزة الذين يعانون من سوء التغذية لأن القصف والحصار الإسرائيلي أدى إلى سحق النظام الطبي.

وقالت وزارة الصحة في غزة، الثلاثاء، إن 364 من العاملين في المجال الصحي قتلوا منذ بداية الحرب؛ تم اعتقال 269 من الطاقم الطبي؛ 155 منشأة صحية “دُمرت” و155 سيارة إسعاف “تم استهدافها”. ولا تستطيع CNN تأكيد هذه الأرقام بشكل مستقل بسبب عدم وصول وسائل الإعلام الدولية إلى غزة.

شنت إسرائيل هجومها العسكري على غزة بعد أن قتلت حركة حماس المسلحة ما لا يقل عن 1200 شخص واختطفت أكثر من 250 آخرين في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر.

ومنذ ذلك الحين، أدت الهجمات الإسرائيلية على غزة إلى مقتل ما لا يقل عن 30,717 فلسطينيًا وإصابة 72,156 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع، في حين أدى حصارها إلى تقليص الإمدادات الحيوية بشكل كبير وترك سكان القطاع البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون شخص معرضين لمستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد أو ما هو أسوأ، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي يقيم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية على مستوى العالم.

قال الدكتور أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة، الأربعاء، إن 18 فلسطينيا على الأقل ماتوا جوعا في شمال قطاع غزة. وأصغر طفل مات جوعا في القطاع كان عمره يوما واحد، بحسب الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان. وقد يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك، حيث أن محدودية الوصول إلى شمال غزة أعاقت قدرة وكالات الإغاثة على تقييم الوضع هناك بشكل كامل. واتهم خبراء الأمم المتحدة إسرائيل بـ"تجويع" الفلسطينيين عمداً في غزة. وتصر إسرائيل على أنه لا يوجد "حدود" لكمية المساعدات التي يمكن أن تدخل غزة، لكن نظام التفتيش الذي تطبقه على شاحنات المساعدات يعني أن جزءا صغيرا فقط من كمية الغذاء والإمدادات الأخرى التي كانت تدخل غزة يوميا قبل الحرب، تدخل الآن.

الأطفال والأمهات في خطر

أصبحت الطفلة وتين، التي تبلغ من العمر عاماً واحداً، في شمال غزة، متعبة وضعيفة بسبب الجفاف. وبدلاً من شرب حليب الأطفال، تعيش على تمرة أو تمرتين في اليوم.

وقال والدها، إخلاص شحادة، الذي يكافح من أجل الحصول على ما يكفي من الطعام لإطعام طفلته الصغيرة: "إنها تتناول وجبة واحدة فقط.. لقد أمضت وقتا طويلا دون أي حليب". وقال لشبكة CNN الثلاثاء: "هذه الطفلة تعاني من عدم القدرة على الحركة.. نحن لا نعرف ماذا نفعل."

ذكر تقرير الوضع الإنساني التابع لمنظمة اليونيسف في الأراضي الفلسطينية، الثلاثاء، أن أطفال آلاف النساء "اللواتي من المقرر أن يلدن في الشهر المقبل في قطاع غزة معرضون لخطر الموت". وقال التقرير إن ما لا يقل عن 5500 امرأة حامل "لا تستطيع الحصول على فحوصات ما قبل الولادة أو ما بعد الولادة بسبب القصف ويحتجن إلى الفرار بحثا عن الأمان". 

وأضاف التقرير نقلاً عن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن "القلق يؤدي أيضًا إلى الولادة المبكرة". وقال التقرير أيضًا إن أكثر من 90% من الأطفال "الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا والنساء الحوامل والمرضعات يواجهون فقرًا غذائيًا حادًا مع إمكانية الوصول إلى مجموعتين غذائيتين أو أقل يوميًا".

وتفيد التقارير أن نقص الغذاء هو الأسوأ في شمال غزة، حيث ركزت إسرائيل هجومها العسكري في الأيام الأولى من الحرب. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن سوء التغذية لدى الأطفال في المنطقة أعلى بنحو ثلاثة أضعاف مما هو عليه في جنوب غزة. وقال ريتشارد بيبيركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأرض الفلسطينية المحتلة، إن الفحوصات التي أجريت في المرافق الصحية وجدت في السابق أن طفلاً واحداً على الأقل من بين كل ستة أطفال دون سن الثانية يعاني من سوء التغذية الحاد. وحذر من أن هذه الأرقام "من المرجح أن تكون أكبر اليوم". وتواجه النساء الحوامل والمرضعات أيضًا "تهديدات خطيرة لصحتهن" بسبب سوء التغذية، حسبما أفادت مجموعة التغذية العالمية، وهي تحالف من المنظمات غير الحكومية، في فبراير/شباط.

وقال الدكتور محمد صالحة، القائم بأعمال مدير مستشفى العودة شمال غزة، لـCNN، إن العاملين الطبيين يعالجون حالات الجفاف والتهاب المعدة والأمعاء والتهاب الكبد لدى النساء والأطفال.

وقال، الاثنين، إن هناك أطفالاً ماتوا في أرحام أمهاتهم، وتم إجراء عمليات جراحية لإخراج الأجنة الميتة. وأضاف أن “الأمهات لا يأكلن بسبب الظروف التي نعيشها، وهذا يؤثر على الرضع… هناك أسباب تجعل الكثير من الأطفال يعانون من الجفاف وسوء التغذية، مما يؤدي إلى الوفاة". 

وأدى القصف الإسرائيلي إلى نزوح ما لا يقل عن 1.7 مليون فلسطيني قسراً، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ويتكدس العديد ممن فروا من القتال في ملاجئ مكتظة دون مرافق الصرف الصحي الأساسية، مما يؤدي إلى انتشار العدوى. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وخاصة أولئك الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، معرضون بشكل أكبر لخطر الوفاة بسبب أمراض مثل الإسهال والالتهاب الرئوي.

وقال طبيب آخر في شمال غزة، أحمد سالم، إن المرضى في العناية المركزة ووحدات الأطفال حديثي الولادة يموتون بسبب سوء التغذية ونقص الأكسجين، وهو أمر يصعب إدارته وسط نقص الوقود. وقال العامل الطبي في مستشفى كمال عدوان لـCNN: "نعاني من مجاعة الأمهات.. لا نستطيع إيجاد بديل لحليب الأم، الأمر الذي يؤدي إلى وفاة هؤلاء الأطفال".

"لقد أصبحنا مثل الكلاب"

وتظهر اللقطات التي حصلت عليها شبكة CNN عشرات من المدنيين اليائسين وهم يتسلقون فوق بعضهم البعض للحصول على حصص الإعاشة من المساعدات التي يتم إسقاطها في شمال غزة.

وقالت وزارة الدفاع الإماراتية إن الإمارات ومصر أرسلتا، الثلاثاء، 42 طنا من الإمدادات الطبية والأغذية عبر طائرات إلى المنطقة. وقال الجيش الأمريكي إنه قام، بالتعاون مع سلاح الجو الملكي الأردني، بإلقاء أكثر من 36800 وجبة بالمظلات على شمال غزة في ذلك اليوم.

لكن جماعات حقوق الإنسان انتقدت عمليات إسقاط المساعدات باعتبارها طريقة غير فعالة ومهينة لتوصيل المساعدات إلى سكان غزة، وحثت السلطات الإسرائيلية على رفع القيود على المعابر البرية إلى القطاع. وحثت ميلاني وارد، مديرة جمعية العون الطبي للفلسطينيين غير الحكومية ومقرها المملكة المتحدة، إسرائيل على “فتح جميع المعابر إلى غزة على الفور أمام عمال الإغاثة لمساعدة المحتاجين".

وقالت في بيان السبت: “فقط الوصول الآمن وغير المقيد للمساعدات وعمال الإغاثة، ورفع الحصار، والوقف الفوري لإطلاق النار، يمكن أن ينهي المجاعة في غزة".

وحتى عندما تصل المساعدات إلى القطاع، فإن استلامها قد يكون خطيراً.

قال شهود عيان لـCNN، إن القوات الإسرائيلية فتحت النار على أشخاص كانوا ينتظرون المساعدات، الاثنين، شمال قطاع غزة، في حادث وقع قبيل منتصف الليل عند دوار الكويت بشارع الرشيد بمدينة غزة. وتواصلت CNN مع الجيش الإسرائيلي للتعليق.

والخميس الماضي، قُتل ما لا يقل عن 118 شخصًا أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات الغذائية في مدينة غزة، في واحدة من أسوأ المآسي التي شهدتها الحرب حتى الآن. 

وقال مسؤولو صحة فلسطينيون إن القوات الإسرائيلية استخدمت الذخيرة الحية بينما كان المدنيون الفلسطينيون الجياع واليائسون يتجمعون حول شاحنات الغذاء، حيث أشار رياض منصور، السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إلى الحادث باعتباره “مذبحة شنيعة”.

 وقال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق أولا النار باستخدام طلقات تحذيرية للسيطرة على الحشود، قبل إطلاق النار على “اللصوص” الذين توجهوا نحوهم. 

وقال شهود عيان والجيش الإسرائيلي إن معظم القتلى قتلوا في حادث دهس عندما حاول سائقو شاحنات المساعدات الهروب من إطلاق النار والفوضى. 

ولم تتمكن CNN من تأكيد هذه الأرقام بشكل مستقل.

وتمكن فرج أبو ناجي، الذي أنجبت أخته طفلتين توأم قبل أسبوع، من الحصول على ثلاث كرتونات فقط من الحليب لبنات أخته حديثي الولادة خلال عملية توزيع مساعدات في شمال غزة. وقال لـCNN إنه أصيب في قدمه أثناء محاولته شراء الدقيق في شارع الرشيد.

وقال أبو ناجي، الثلاثاء: “نحمد الله على إسقاط مساعدات إنسانية من الطائرات الأردنية والإماراتية.. أحاول قدر الإمكان الحصول على الحليب من الطائرات التي تنزل المساعدات حتى نتمكن من توفير الحليب لبنات أخي لأطول فترة ممكنة".

وأضاف: “الطائرات تسقط مساعدات على شمال غزة، وقد أصبحنا مثل الكلاب التي تركض للحصول على العظم”.