ثلاث سنوات من الثورة... تونس انتفضت من أجل الكرامة وليس من أجل ربيع عربي

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
ثلاث سنوات من الثورة... تونس انتفضت من أجل الكرامة وليس من أجل ربيع عربي
Credit: getty images

بقلم لينا بن مهني - مدونة وجامعية وناشطة تونسية

(تعيش كاتبة المقال في تونس، وتعمل مدرسة جامعية في اللسانيات في جامعة تونس. كما أنها ناشطة ولها مدونة معروفة باسم Tunisian Girl. تم ترشيحها لجائزة نوبل للسلام قبل عامين لدورها في ميدان حرية التعبير في تونس. وما يرد في المقال يعبّر فقط عن رأي لينا بن مهني، ولا يعبّر عن رأي CNN أو سياستها التحريرية.)

(CNN)-- مرت ثلاث سنوات على إطاحة الدكتاتور زين العابدين بن علي من تونس، مما أدى إلى ما عرف-خطأ- باسم الربيع العربي. في ذلك الوقت، نزل التونسيون إلى الشوارع تهزهم مشاعر الأمل والغضب من تردي أوضاعهم المعيشية، وتظاهروا سلميا من أجل تغيير حقيقي. لم يكن الأمر بالنسبة إلينا ربيعا عربيا وإنما ثورة الكرامة التي عبّر عنها الشعار الذي رفعناه "شغل، حرية، كرامة وطنية."

فكيف سارت الأمور إثر ذلك؟ وهل هناك جهود حقيقية لتحقيق مطلب الديمقراطية؟ وهل نحن فعلا نعيش انتقالا ديمقراطيا؟

بعد رحيل بن علي، وخلال الشهور التي أعقبت ذلك، عشنا فورة ثورية في ظل حكومتين مؤقتتين، إلى ان وصلنا إلى موعد 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 والتي كان يتوقع أن تكون أول انتخابات نزيهة وشفافة لاختيار المجلس التأسيسي الذي سيتولى أعضاؤه كتابة دستور جديد في غضون عام.

فاز الإسلاميون ممثلين بحزب النهضة بنحو 40 بالمائة من المقاعد، ثم انضم إليهم حزبا التكتل والمؤتمر ليشكلوا ائتلافا ثلاثيا حاكما.

والآن بعد مرور عامين ونصف العام، مازالت تونس في انتظار الدستور. كما أن غالبية التونسيين غير راضين عن أداء الترويكا الحاكمة، فرغم أن البلاد تفادت ما آل إليه الوضع في الدول الأخرى التي شهدت أحداثا مشابهة، إلا أنّ الأمور تحتاج إلى إعادة نظر.

لنكن منهجيين ولنعد إلى فحوى الشعار الذي لخّص مطالب المتظاهرين. لقد كان "شغل، حرية، كرامة وطنية."

فقد كان البؤس الاقتصادي والإحباط الاجتماعي والتوق السياسي، أبرز أسباب الانتفاضة.

وقدرما لعب اليأس الاقتصادي دورا مركزيا في الثورة، نرى اليوم تونس وهي تفشل في توفير الوظائف والفرص التي طالما تاق الناس إليها. ولا يمكن لأي أحد أن ينكر أن الوضع الاقتصادي في البلاد اليوم كارثي.

أما البطالة فارتفاع وعدد فرص العمل في تضاؤل ويلعب الوضع الأمني المتردي دورا مهما في ذلك. وفي أمر نادر شهدت البلاد اغتيال قياديين اثنين من المعارضة، وانفجرت عبوات ناسفة وقتل العديد من الجنود ورجال الأمن في جبل الشعانبي، ثم شهد منتجع سوسة هجوما انتحاريا، مما أدى إلى مزيد من تدهور الوضع.

لقد أدى الارتباك إلى عدم استقرار البلاد مما كان له أثر سلبي عميق على الاقتصاد.

عندما نتحدث عن الحرية وحقوق الإنسان والكرامة لا يبدو الوضع مختلفا فلطالما تم انتهاك الحريات الشخصية بعد رحيل بن علي. وأبرز مثال على ذلك الشاب جابر الماجري الذي أصبح أول سجين رأي في تونس بعد بن علي. فقد قضت محكمة بسجنه سبع سنوات ونصف لمجرد كونه عبّر عن آرائه من خلال فيسبوك. وحالته ليست الوحيدة حيث أن عدة صحفيين ومدونين وفنانين جرى اعتقالهم أو التحرش بهم بسبب آرائهم.

وتم تسريب وثائق بشأن تعذيب وصل بعض المرات حتى الموت، ويشير المدافعون عن حقوق الإنسان إلى عدة حالات لوفيات مشتبه بكونها حدثت تحت التعذيب.

وفي تونس اليوم يمكن أن تتعرض للمتاعب والمضايقات أو الاعتداءات وحتى التهديد بالقتل إذا أردت التعبير عن رأيك مع تنامي مظاهر الرغبة في زيادة التشدد الديني بالبلاد وإذا كنت أنثى فتوقعي أن تتعرضي للمضايقات بسبب ارتدائك ثيابا "غير ملائمة" أو الخروج ليلا.

كما وقع تسجيل هجمات من الشرطة على مظاهرات سلمية عدة مرات مثل التي حدثت في التاسع من أبريل/نيسان 2012، حيث تم الاعتداء بالضرب والهراوات من قبل رجال الأمن فيما كان المتظاهرون، الذين سقط عدد منهم جرحى، يحيون ذكرى عيد الشهداء الذي يخلد أرواح من قتلهم الاستعمار الفرنسي عام 1938 وقد خرجوا ببرلمان تونسي في البلد التي شهدت إنشاء أول هيئة استشارية لتنظيم شؤون الحياة قرونا قبل الميلاد.

وباعتباري ناشطة، تعرضت بدوري لعدة مضايقات خلال نظام بن علي، ولكنها لم تصل حتى التهديد بالقتل ولم أكن مضطرة لأن أمارس حياتي تحت حماية الشرطة مثلما هي حياتي اليوم.

كل ما أفعله هو التعبير عن آرائي مثلما دأبت على ذلك وأحاول التعليق على الحالة وفقا لما أراه كما أنني أحاول أن أعبر عمّا مشاكل ومعاناة أولئك الذين لا يملكون منبرا للتعبير عن مواقفهم.

لذلك، هل من الممكن أن نستمر في الحديث عن الكرامة في الوقت الذي لا يملك فيه الناس وظيفة وحقوقهم الإنسانية منتهكة؟ وهل من الممكن الحديث عن الكرامة فيما الأفواه مغلقة؟

والآن بعد طول انتظار واغتيالين سياسيين، نجحت الأحزاب السياسية في التوصل إلى اتفاق بشأن رئيس الحكومة المقبل.

إنني أعتقد أن ثورتنا وأحلامنا سرقت، ورغم ذلك مازلت متفائلة بشأن بلدي-- لينا بن مهني. فالتونسيون، ولاسيما الشباب والمجتمع المدني والنساء، يقاومون محاولات سرقة أحلام ثورة الكرامة وتحريفها عن مسارها الحقيقي وأهدافها. ومحاولات إسكات شباب تونس تجابه بالمقاومة وكلنا نتحرك من أجل بناء تونس التي حلمنا بها.

ما ورد في المقال يعبّر فقط عن رأي لينا بن مهني، ولا يعبّر عن رأي CNN أو سياستها التحريرية