هل ساعدت التغيرات السياسية بإعادة تعريف الهوية العربية؟

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
هل ساعدت التغيرات السياسية بإعادة تعريف الهوية العربية؟
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

بمناسبة افتتاح المشروع الجديد لقناة السويس والذي يعد- بلا شك- نقلة حضارية واقتصادية تذكرنا بعبدالناصر وتأميم قناة السويس والمد المصري العربي القومي، أردت ان أشارك القرّاء بمؤتمر دولي عقد يومي 2-3 يوليو بقبرص يضم وفوداً من 16 دولة عربية وأوروبية وامريكية تحت رعاية "ديار" المنظمة الفلسطينية والتي أسسها ويرأسها د.القس متري الراهب الذي قام بافتتاح المؤتمر مع مساعد وزير خارجية قبرص لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا وأعقب الافتتاح تقديم أربع أوراق "دراسة حالة "من مصر وسوريا ولبنان وفلسطين وباقي الأوراق قدمت في جلسات تالية.

قدم ورقة مصر كاتب هذه السطور. وينقسم البحث الى أربعة أقسام الاول محاولة الإجابة على سؤال ماذا نعني بمصطلح الهوية؟ والهوية تعني الماهية أو الكينونة وأيضاً اللون فعندما نسال شخصاً ما ما هي هويتك؟ نعني ما هو لونك؟ وتتكون الهوية من بعدين أساسيين خارجي وراثي وداخلي مكتسب والأول يحدد الجنس "ذكر- أنثى "والعرق "ابيض-اسود- اصفر "والثاني مكتسب وهو ما يقوم به المجتمع والأسرة والبيئة المحيطة في تكوين الانسان وبناءه الداخلي وهكذا نجد الهوية دوائر متعددة لا يمكن الاستغناء عن واحدة منها في الوقت الذي فيه لا نستطيع ان نحدد أين تبدأ احداها وأين تنتهي ولا مساحة الواحدة تجاه الأخرى. تبدأ بالهوية الانسانية المتسعة ثم تضيق شيئاً فشيئاً إلى دائرة الجنس والعرق ثم الدائرة الثقافية التي تشمل الدين والعادات والتقاليد ...إلخ .

وهنا يبدأ الجزء الثاني من البحث والذي يتناول الهوية المصرية وتطورها عبر السنين ووجدنا أن أقرب وأكثر ما يعبر عن الهوية المصرية هي بردية مصرية قديمة لإنسان مصري فرعوني يسجد تحت شجرة وارفة على أرض حقله التي هي جزء من أرض مصر بجوار نهر النيل وصلاة الشكر التي يرفعها لإلهه مكتوبة على خلفية البردية وهذه البردية مأخوذة من على حائط مقبرة "مدينة الدير" وصاحب المقبرة الميت يدعى "فاشيدو". هذه البردية قمنا باختيارها كفريق عمل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لتكون صورة غلاف كتاب الحالة الدينية في مصر والذي صدر عام 1994.

 ثم استعرض البحث كل الجنسيات التي غزت مصر بداية من الهكسوس إلى اليونان فالرومان ثم دخول المسيحية إلى مصر في القرن الأول الميلادي والإسلام في القرن السادس ثم انتقل البحث إلى حقبة مصر الحديثة التي أسسها محمد علي"1805-1841" وحركة النهضة ثم الاحتلال البريطاني 1881 فحركة القومية العربية والتي انتكست عام 1967 وتلاها انتصار 1973 وواكب الحدثين الأخيرين انتشار بل انفجار التيار الاسلامي المتطرف والذي ازداد عنفاً مع الحرب العراقية الإيرانية وغزو العراق للكويت وانفصال غزة عن منظمة التحرير الفلسطينية والاتجاه نحو الغرب والفساد السياسي وفي عصر مبارك لم بعد الانسان المصري يدرك ان كان يعيش في دولة مدنية علمانية ام دولة دينية وانقسم الشعب الى أقلية تملك كل شيء "الثروة والسلطة" وأكثرية لا تملك شيئاً وقد تفشي الفساد في حماية عنف بوليسي شديد مبالغ فيه .

عند هذا المنحنى خرج الشعب المصري الى ميدان التحرير ليتعرف على هويته الحقيقية ويستعيدها وقد عبر عنها في الشعار المرفوع "عيش-حرية-عدالة اجتماعية". وهنا نصل الى القسم الثالث من البحث الذي يتناول تأثير ثورة 25 يناير على الهوية المصرية وقفز التيار الاسلامي عليها بعد وعود بتحقيق ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية الا ان المفاجأة كانت في محاولة أخونة الدولة باندفاع شديد مما أدى إلى ثورة 30 يونيو والتي فيها خرج الشعب يساند جيشه والعكس صحيح لكي يستعيد ثورته وقد ظهر تأثير ذلك التحرك على هوية المصريين في أربعة أبعاد الأول من الانسحاب الداخلي إلى قبول التحدي الخارجي والتعامل معه، لقد كان واضحاً أن هوية المصريين تميل إلى الانسحاب الداخلي وعدم المواجهة والطاعة المثلى لرؤسائهم الدينيين والسياسيين لكن المفاجأة كانت الخروج على جميع القيادات بكل نوعياتها. تغيرت هوية المصرى المستكين الى المصري الواعي الذي تجاوز الديني الطائفي الى السياسي الاجتماعي من جانب والوطني من الجانب الآخر.

لقد عاشت مصر لأكثر من أربعة عقود اختصرت فيها السياسة الى ثنائيات فجة حقوق الأقباط مقابل حقوق المسلمين علمانية مقابل دينية، شريعة إسلامية مقابل قانون مدني...الخ. لقد رأى هؤلاء الشباب أن مشاكل مصر لا تحل جزئياً لكن تحل كلياً بالديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية والحريّة والكرامة الانسانية.

أما البعد الآخر لتغير الهوية فقد كان تغير هوية المكان لقد صار ميدان التحرير رمزاً لتجديد رابطة المواطنة المصرية تلاشت فيه الفروق الجنسية والدينية والطبقية لصالح المصلحة الوطنية لقد استعاد المصريون في التحرير حالة الاندماج الوطني بين المسيحيين والمسلمين التف الأقباط حول المسلمين وهم يصلون والعكس صحيح. أما التغيير الثالث في الهوية فكان من نصيب المرأة لقد حدث تغيير جذري في هوية المرأة المصرية لقد خرجت بأعداد ضخمة إلى الميدان وعاشت فيه 18 يوماً ليلاً ونهاراً وكان هذا مستبعداً تماماً. بسبب العادات والتقاليد والاعراف والنظرة الاجتماعية للمرأة، كان الرقص والغناء الجماعي بأهازيج وطنية بداية بسيد درويش حتي الشيخ امام واحمد فؤاد نجم مروراً بعبد الحليم حافظ وشادية وغيرهم. وكان البعد الأخير في تغير الهوية في فقه ولاهوت الثورة لقد تم تقديم لاهوت وفقه جديدين موضوعه الانسان المقاوم سلميا ورسالته نبذ العنف ومحاربته في المجتمع ولقد كانت هناك محاولات فردية سابقة لمثل هذا اللاهوت لكنها لم تجد التفاتاً في حينها بل وجدت مقاومة على سبيل الحصر "الوجه الآخر لتعاليم المسيح "لكاتب هذه السطور1991 و"المسيح ثائراً" للد.القس صمويل حبيب 1995 ولكن بعد الثورة ظهرت عدة كتب منها "المفهوم اللاهوتي للثورة" رؤية مسيحية وكنسية للاحتجاجات للقس نصر الله زكريا 2011 الاقباط إلى أين؟ الأنبا ألد. يوحنا قلته2013 و"من النخبة الى الثورة" الدولة والإسلام السياسي والقومية والليبرالية "د.نبيل عبد الفتاح2013، وغير هذا الكثير. قام شيخ الأزهر بفتح باب الحوار مع القوى الاسلامية السياسية ومرشحي الرئاسة والأهم الحوار مع صفوة كبار المثقفين وصدر العديد من البيانات المهمة (ثلاثة بيانات) اعادت للأزهر نسبياً بعضاً دون دوره البارز مجدداً لكن ما تزال محاور الأزمة المؤسسية قائمة في هذا الصدد.

 تبقى لنا الحديث عن الهوية المصرية الجديدة والمستقبل وهو ما سوف نتحدث عنه في مقالنا القادم لأنه يستحق بعد الأحداث الأخيرة تركيزاً شديداً لمحاولة الإجابة عن سؤال المستقبل للثورة.