بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية عمداً.. هل نرى حرباً ضروس بين الأتراك والرّوس؟

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير شمس الدين النقاز
بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية عمداً.. هل نرى حرباً ضروس بين الأتراك والرّوس؟
Credit: Getty images

هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

لا يمكننا في أيّ حال من الأحوال انتظار اندلاع حرب عالمية ثالثة كما عنونت بعض الصحف والمواقع الإخباريّة بعد اسقاط الجيش التركي لطائرة روسيّة قاذفة من طراز سوخوي 24 يوم الثلاثاء 24 نوفمبر الجاري بدعوى أنّها اخترقت المجال الجوّي التّركي وتمّ تحذيرها 10 مرّات متتالية دون أيّ تجاوب من قبلها.

يمكننا القول بعد أن وصلت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين إلى ذروتها، إنّ حادثة اسقاط الطّائرة الرّوسيّة كانت مقصودة من الجانب التّركي بهدف توجيه رسائل عديدة لروسيا منها الواضحة ومنها المشفّرة، وقد وصلت هذه الرسائل وأخذتها روسيا على محمل الجدّ وقامت باتخاذ الإجراءات اللّازمة كردّ يليق بحجم روسيا كدولة عظمى.

 لقد كان التّخبّط الحاصل في تصريحات الجهات الرسميّة التركيّة واضحا وجليّا خلال السّاعات الأولى للحادثة خاصّة فيما يتعلّق بتحديد المدّة الزمنيّة التّي ظلّت فيها طائرة السّوخوي الرّوسيّة تحلّق في سماء تركيا، فمن جهتها نقلت وكالة الأناضول الرسمية عن بيان أصدرته رئاسة الأركان التركية “قامت طائرتان تركيتان من طراز “F 16″ كانتا تقومان بدورية في المنطقة، بإسقاطها في تمام الساعة 09:24 صباحًا بالتوقيت المحلي بعد توجيه 10 تحذيرات للطائرة الحربية التي اخترقت الأجواء التركية خلال 5 دقائق، إلا أنها واصلت انتهاكها”، لكن وبعد يوم من بيان رئاسة الأركان قال وزير الخارجية الرّوسي سيرغي لافروف إنّه أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو استمرت قرابة الساعة، وحاول فيها الوزير التركي تبرير قرارات سلاح الجو التركي عبر تأكيده أن الطائرة حلقت لمدة 17 ثانية في المجال الجوي لبلاده،وأن سلاح الجو التركي لم يعرف لمن تتبع.

هناك تناقض واضح بين بيان رئاسة الأركان التركيّة الّتي أعلنت أنّ الطائرة الرّوسيّة اخترقت مجالها الجوّي لمدّة 5 دقائق وبين ما برّره مولود جاويش أوغلو للافروف من أنّ الطائرة المجهولة حلّقت 17 ثانية فقط داخل المجال الجوّي التّركي وهو ما زاد من الشكوك حول أهداف تركيا من اسقاط الطائرة الروسية.

هذه الضّبابيّة في تحديد المدّة تدفعنا أيضا إلى التّساؤل عن سرّ التّضارب بين تصريح الجهتين التركيّتين الرسميّتين دون أن ننسى التسجيل الذي بثته احدى القنوات التركيّة لما قالت إنّه تحذير من الجانب التركي للطائرة الروسيّة لتغادر المجال الجوّي لتركيا وهو تحذير لم يتجاوز مدّته 25 ثانية في حين قالت السّلطات إنّها حذّرت الطيّار 10 مرّات فهل من المعقول أن لا تتجاوز التّحذيرات العشرة 25 ثانية؟

وكالة رويترز نقلت عن مسؤولين أمريكيين معلومات مفادها "أنّ الطائرة الروسية ضربت داخل أجواء سوريا بعد اختراق وجيز لأجواء تركيا" وهو ما يزيد من الشّكوك حول حقيقة ما حدث خاصّة بعد تمسّك الجانب الرّوسي بأنّ الطائرة لم تدخل المجال التّركي أصلا وأنّ قصفها تمّ داخل الأراضي السّوريّة.

وحدها الجهات الرّسميّة للبلدين بالإضافة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة قائدة التّحالف الدّولي تعرف حقيقة مسار طائرة السّوخوي الرّوسيّة قبل اسقاطها لكن من المؤكّد أيضا أنّ تركيا قد ضاقت ذرعا بتصرّفات سلاح الجوّ الرّوسي، فمنذ تدخّل روسيا عسكريا في سوريا لمواجهة التنظيمات الجهادية وانقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أعلن الجيش التركي في أكثر من مرّة عن تعرّض مقاتلاته "للمضايقة" من طائرات "ميغ" مجهولة قرب الحدود السّورية.

وفي هذا السّياق يرى إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة الأمركية السابق إلى حلف شمال الأطلسي في مقابلة مع شبكةCNN   يوم الجمعة أنّ سبب إسقاط تركيا للطائرة الروسيّة يعود لاستمرار روسيا بالتحليق بصورة قريبة وخطيرة من المجال الجوي التركي وفي منطقة لا يتواجد فيه عناصر تنظيم الدّولة بل يوجد بها قوات معارضة مدربة للإطاحة بنظام بشار الأسد.

كان منتظرا أن تقوم تركيا بإسقاط أيّ طائرة مقاتلة روسيّة بعد أن قامت منتصف شهر أكتوبر الماضي بإسقاط طائرة بدون طيار مجهولة المصدر من نوع أورلان-10، وقد وجّه رئيس الأركان التركي وقتها أصابع الإتّهام لروسيا لأنّ الطّائرة المُسقطة روسية الصنع رغم تفنيد التّهمة من قبل الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف الّذي قال في تصريحات نقلتها عنه وكالة "تاس" للأنباء "إنّ كل الطائرات الروسية في سوريا عادت إلى قاعدتها الجوية في "حميميم" والطائرات الروسية بدون طيار التي تراقب الوضع وتجمع المعلومات تعمل بشكل طبيعي كما هو مقرّر".

روسيا تعلم جيّدا أنّ تركيا أردوغان مختلفة عن تركيا أسلافه، فقد أضحت اليوم قوّة اقتصاديّة وعسكريّة وإقليمية هامّة يتكلّم قادتها فيُسمعون وعندما يهدّدون ينفّذون زد على ذلك عضويّتها في حلف الناتو الّذي اجتمع أعضاؤه ال28 في اجتماع طارئ على خلفية تواصل الإنتهاكات غير المقبولة للمجال الجوي التركي في شهر أكتوبر الماضي، وقد أعلن أمينه العام يِنس شتولتنبرج وقتها عن احتجاج الحلف على الحوادث المتكررة من جانب الطيران الروسي الذي حلق عدة مرات فوق الأراضي التركية.

اسقاط تركيا للطّائرة الرّوسيّة كان عمدا لأنّها سبقت وأن حذّرت روسيا من قبل من أنها ستتّخذ التدابير اللازمة لإسقاط الطّائرات الّتي تخترق مجالها الجوّي في المستقبل، وهو ما حذّر منه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري منذ شهر عندما عبّر عن قلق الولايات المتّحدة الشديد من امكانيّة ردّ الفعل التّركي بإسقاط الطّائرات الرّوسيّة.

الملفت للإنتباه في خضم هذه التطوّرات الأخيرة غياب التّصريحات النّاريّة للرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين وهو الّذي ما فتئ يحذّر ويتوعّد خصومه بالدّمار إذا ما تعرّضت المصالح الرّوسيّة في أيّ منطقة في العالم لأيّ اعتداء، فقد اكتفى هذه المرّة بالقول "إنّ تركيا وجّهت لنا طعنة في الظّهر" كما رفض الإجابة على اتّصال الرّئيس رجب طيّب أردوغان بالإضافة إلى اتخاذ اجراءات اقتصاديّة لن تظرّ كثيرا الجانب التّركي وهو ما يظهر عجز "الدبّ الرّوسي" عن الوفاء بنذره لشعبه ولجمهوره بتدمير كلّ المعتدين.

الرّئيس الرّوسي كما وزير خارجيّته سيرجي لافروف يعلمان جيّدا أنّ روسيا في عزلة دوليّة تستوجب منها دراسة كل تحرّكاتها وتصريحاتها ومواقفها لوقف التّصعيد مع الولايات المتّحدة الأمريكية وحلف النّاتو وهو ما ترجم له لافروف بقوله في مؤتمر صحفي الأربعاء "إنّ روسيا لن تعلن الحرب على تركيا رغم أنّ الأخيرة استهدفت الطائرة الروسية وهي داخل المجال الجوي في استفزاز يبدو أنّه متعمد من جانب أنقرة".

المصالح الإقتصاديّة التركيّة الروسيّة المشتركة وصلت إلى أرقام قياسيّة في السّنوات الماضية رغم الخلاف الواقع في معالجة الملفّ السّوري الّذي بدأ يلقي بظلاله على علاقات البلدين في الفترة الأخيرة خاصّة مع انفتاح القيادة التّركيّة على الدّول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربيّة السعوديّة وقطر كإجراء وقائي لتعويض ما يمكن خسارته جرّاء امكانيّة توتّر العلاقات بين روسيا وتركيا.

روسيا هي من هي في قوتها، وفي عنجهيتها الإمبراطورية، ولدى الأتراك ما يشبه ذلك من العنجهية الموروثة من العصر المديد للسلطنة العثمانية، لكن ورغم ذلك فليس مرجحاً أن تتدهور الأمور نحو حرب عسكرية معلنة رغم أنّنا نرجّح فرضيّة اسقاط روسيا في المستقبل القريب لطائرة تركيّة تخترق المجال الجوّي لمناطق الأسد وهو ما دفع الأتراك لتعليق ضرباتهم داخل سوريا حتّى تهدأ الأوضاع التّي ستكون حربا دبلوماسية بين البلدين في الأسابيع القادمة خاصّة مع دخول لاعبين جدد كانوا يترقّبون وينتظرون حدوث ما حصل.

فماذا تخفي قمّة المناخ في باريس من مفاجآت في علاقات البلدين؟