عمرو حمزاوي يكتب عن "الإمعان في إماتة السياسة " بمصر: قمع ومزيد من تغول السلطة التنفيذية

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي يكتب عن "الإمعان في إماتة السياسة " بمصر: قمع ومزيد من تغول السلطة التنفيذية
عناصر من القوات الخاصة في الشرطة المصرية Credit: MAHMOUD KHALED/AFP/Getty Images

هذا المقال عمرو حمزاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أن الآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

حين تشتد حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية أو تتزايد دلائل فشل السياسات العامة المطبقة أو يتسم أداء المؤسسات والأجهزة الرسمية بالعشوائية والقصور أو تتآكل القاعدة الشعبية المؤيدة للحكم أو تخرج صراعات مراكز القوى المختلفة إلى العلن وتلحق الضرر بفرص الحكم في البقاء، فإن حكومات استبدادية وسلطوية كثيرة تحاول من خلال الانفتاح السياسي احتواء الضغوط التي تحاصرها والبحث عن سبل لاستعادة شيء من التوازن المفتقد في علاقتها مع المواطن والمجتمع.

حين تقرر حكومات استبدادية وسلطوية الانفتاح السياسي، فإنها عادة ما تبدأ بتضييق نطاقات إجراءاتها وممارساتها القمعية، وتتراجع عن بعض الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، وترفع شيئا من القيود المفروضة على الحريات المدنية وأبرزها حرية التعبير عن الرأي وعلى الحريات السياسية وأبرزها حرية التنظيم والعمل السياسي، وتتوقف عن تعقب وتهديد ومعاقبة الحركات النقابية (العمال) والمهنية (موظفو الجهاز الحكومي) والشبابية (الطلاب) ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق وحريات المواطن.

ولا تنظر مثل هذه الحكومات إلى الانفتاح السياسي إلا كعلقم تتجرعه لكي تحتوي الضغوط التي تحيط بها، ولا تطبقه إلا بالقدر الذي تراه لازما لاستعادة شيء من التوازن والحفاظ على البقاء، وتظل على مقاومتها الشرسة لأمور كتداول السلطة وصندوق الانتخابات الحر واكتساب معارضيها المهارات الضرورية للحكم.

***

حين تقرر حكومات استبدادية وسلطوية الانفتاح السياسي، فإنها عادة ما توقف أيضًا بعض الإجراءات والممارسات التي تسمح للمؤسسات والأجهزة التنفيذية بالتغول على السلطات العامة الأخرى واستتباعها تكوينا وأفعالا وقرارات.

هنا يتحول الانفتاح السياسي إلى مرادف لتمكين المؤسسات التشريعية والقضائية من قدر من الاستقلالية النسبية، ومن صياغة أدوارها على نحو به حرية نسبية وربما شيء من مقارعة دور السلطة التنفيذية، ومن ثم اكتساب مصداقية شعبية كسلطات عامة فاعلة تشارك في إدارة شؤون البلاد ولا تترك أمر المواطن والمجتمع للتنفيذيين.

هنا يتحول الانفتاح السياسي إلى مرادف لتقوية الهيئات المنوط بها رقابة المؤسسات والأجهزة التنفيذية، إن هيئات حكومية (كالجهاز المركزي للمحاسبات في الحالة المصرية) أو شبه حكومية (كالمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر)، وغل يد التنفيذيين عن العبث باستقلاليتها واستتباعها.

هنا يتحول الانفتاح السياسي إلى مرادف لغل "اليد النافذة" للأجهزة الأمنية عن العبث باستقلالية أدوار المؤسسات التشريعية والقضائية وعن الفرض الدائم للقيود على عمل الهيئات الرقابية، وقد يتطور ذلك إلى إخضاع الأجهزة الأمنية ذاتها لشيء من الرقابة ولبعض من إجراءات المساءلة والمحاسبة.

في كافة هذه السياقات، إذا، تستهدف الحكومات الاستبدادية والسلطوية بالانفتاح السياسي البقاء في مواقعها والحفاظ على سلطتها، وترى في الحد من الإجراءات والممارسات القمعية وفي إلغاء بعض القيود الواردة على الحريات المدنية والسياسية وفي التوقف عن تعقب المجتمع المدني وفي غل يد السلطة التنفيذية عن التدخل في أدوار المؤسسات التشريعية والقضائية وعمل الهيئات الرقابية "تنازلات" واجبة التقديم لكي يتم احتواء الضغوط التي تحاصرها ويستعاد شيء من التوازن المفقود بسبب الأزمات المتصاعدة.

***

أما في مصر، فالحكومة السلطوية الراهنة تشتد حدة الأزمات المحيطة بها وتتسارع معدلات تآكل تأييدها الشعبي بينما هي تصر على الإمعان في إماتة السياسة وتسفيهها عوضا عن إحيائها، وتوسع نطاق القمع عوضا عن الحد منه، وتمكن للمزيد من تغول السلطة التنفيذية وتطلق اليد النافذة للأجهزة الأمنية عوضا عن إخضاعها لشيء من إجراءات الرقابة والمحاسبة. ويكفي للتدليل على توجه الحكومة المصرية النظر في بعض أحداث الأيام القليلة الماضية؛

١) حملة ممنهجة جديدة لقمع منظمات المجتمع المدني، وإخضاع عملها للمزيد من القيود، وتعريض العاملين بها لخطر التعقب المستمر.

٢) تغول لرأس السلطة التنفيذية على الجهاز المركزي للمحاسبات والعصف باستقلاليته بعزل رئيسه، المستشار هشام جنينة، في ممارسة نتيجتها الوحيدة هي الإلغاء الفعلي لإمكانية مراقبة الجهاز للسلطة التنفيذية دون تحسب لتهديد أو خوف من قمع.

٣) يرتب إطلاق اليد النافذة للأجهزة الأمنية تراكما كارثيا للمظالم ولانتهاكات حقوق الإنسان وتعاملا مأساويا مع جريمة قتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني والتي أضيف إليها مؤخرا جريمة قتل خمسة مصريين خارج القانون ممن ألصقت بهم عضوية "عصابة خطف الأجانب" المزعومة.

٤) عزل عدد من القضاة المحترمين كالمستشار محمد ناجي دربالة أو إحالتهم إلى التقاعد كالمستشار زكريا عبد العزيز بسبب تعبيرهم عن رأيهم بحرية أو معارضتهم لبعض السياسات الرسمية.

لا انفتاح سياسي قادم في مصر، ولا احتواء للضغوط التي تحاصر المواطن والمجتمع والدولة. فقط المزيد من القمع، والمزيد من تغول السلطة التنفيذية، والمزيد من تراجع التأييد الشعبي.