الجدل تجدد مع ذكرى الاستقلال.. كيف وصل "ضباط فرنسا" إلى سدة الحكم في الجزائر؟

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير حمزة عتبي
الجدل تجدد مع ذكرى الاستقلال.. كيف وصل "ضباط فرنسا" إلى سدة الحكم في الجزائر؟
Credit: GETTY IMAGES

الجزائر (CNN)-- تزامنت الذكرى 54 من استقلال الجزائر، مع عودة الجدل الذي يتجدد في كل مناسبة وطنية، حول وصول الضباط الجزائريين الفارين من الجيش الفرنسي، ممن يطلق عليهم وصف "ضباط فرنسا"، إبان الثورة إلى سدة الحكم، مصحوبا بتضارب تصريحات وشهادات كل من عايشوا تلك المرحلة بين من يعتبر التحاق البعض منهم بالثورة ووصولهم إلى الحكم "تحوم حوله شكوك" وبين من يعتبره ضرورة تاريخية أملتها الظروف آنذاك.

وبالرغم من أن الجزائريين يطلقون وصف "ضباط فرنسا" على فئة الضباط الفارين بالجيش الفرنسي، غير أن العديد من الكتابات التاريخية بيّنت جوهر الفرق بين الوصفين، إذ يُميز البروفيسور رابح لونيسي في حديثه لـCNN بالعربية، بين ثلاثة أصناف منهم، فهناك "من أشعلوا فتيل الثورة المسلحة كانوا في هذا الجيش، وتعلموا فيه استخدام السلاح، وهناك صنف ثان التحق بالثورة المسلحة في بداياتها".

واستدرك لونيسي وهو باحث في التاريخ، كلامه قائلا: "يحوم الغموض والشك حول صنف ثالث من هؤلاء الضباط المقصودين تاريخيا بمصطلح (ضباط الجيش الفرنسي)"، معتبرا أن هذا الوصف "له حمولة اتهامية غير مقبولة".

وخلافا لما سبق ذكره، كشفت شهادات تاريخية أدلى بها مسؤولون جزائريون، والتي كان أغلبها ينحصر في اتهام "ضباط فرنسا" واعتبار التحاقهم بالثورة "تحوم حوله شكوك"، ومن بين تلك الشهادات التي خلقت جدلا واسعا، شهادة رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام لجريدة "الشروق"، التي جاء فيها أن التحاقهم "كان خيارا مُبرمجًا ومُمنهجا"، وجاء هذا حسبه، وفقا للمخطط الذي أعده الجنرال ديغول لـ "إدماج هؤلاء في الثورة".

وعلى ضوء هذه الشهادات التي خلّفت وراءها زخما إعلاميا، خرج اللواء المتقاعد خالد نزار، المحسوب على فئة "ضباط فرنسا"، للرد عليها، وبرر نزار الذي انضم للجيش الفرنسي سنة 1956 والتحق بالثورة سنة 1958 وكان الرجل القوي في الدولة سنوات التسعينات، في إحدى المقابلات الصحفية مع قناة الشروق، أن تأخر التحاقه بصفوف الثورة الجزائري كان راجع إلى "نقص وعيه السياسي إضافة إلى صغر سنه آنذاك".

وعلى هذا الأساس، تعاظمت أسئلة كثيرة، في الفترة الأخيرة، حول الدافع الحقيقي وراء وصول "ضباط فرنسا" إلى مناصب الحساسة في الجيش خلال الفترة التي أعقبت انقلاب جوان 1965 الذي قاده هواري بومدين على الرئيس احمد بن بلة، أين "أسند بومدين وقتها، عدة مسؤوليات إلى البعض منهم، بيد أنه مع مرور الزمن تمكن فَصيل منهم بالإمساك بزمام الأمور في البلاد"، وفقا لما صرح به الباحث سيد أحمد أوبصير لشبكتنا.

ويُعد الرئيس بومدين الذي أصبح قائدا للأركان العامة في 1960، حسب لونيسي، من أكبر المدافعين عن هؤلاء الضباط، لأنه "وظف خبرتهم العسكرية الاحترافية في إدارة مراكز التدريب والتكوين، وبلغت درجة الدفاع عنهم بعد استرجاع الاستقلال أن وقف إلى جانبهم بشكل قوي وحاد في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في 1964 عندما رفض فكرة تطهير الجيش الوطني الشعبي التي طرحها شعباني وبعض المؤتمرين".

وضمن هذا السياق، دافع الدكتور سيد أحمد أوبصير عن استعانة الرئيس هواري بومدين ب"ضباط فرنسا"، بقوله "بومدين استعان بهم في شكل ميزان قوة على فرضية أنهم لا يمثلون تهديدا له ولمصالحه وقوته"، وتحدث اوبصير لـCNN بالعربية، عن فكر وتصورات بومدين كرئيس دولة الذي "وقف أمام حقيقة أن هؤلاء يجب الاستفادة منهم في تكوين الجيش الجزائري وحاجة الجزائر آنذاك إلى جيش نظامي".

ومع منتصف الثمانينات أحكم "ضباط فرنسا" قبضتهم على السلطة في الجزائر، وظهر ذلك جليا بعد توقيف المسار الانتخابي مع بداية التسعينات عقب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، واستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد من منصبه، وهو ما رآه البروفيسور صالح لميش في حديثه لـ CNN بالعربية أنه "جاء نتيجة ظروف ومعطيات والتي هي من إفرازات الثورة ذاتها".

واعتبر لميش الباحث في التاريخ، أن ما عاشته الجزائر في المرحلة الأخيرة "مخاض لهذه الثورة ذاتها وحاصل لبعض السياسات الخاطئة على مستوى كل المجالات، بسبب عدم تجسيد مبادئ هذه الثورة في بناء الدولة الوطنية الجزائرية بكل أبعادها ومكوناتها".

واستناد لعدة معالجات إعلامية، يبدو أن هذه الحقيقة التاريخية لم تكن لتخفي على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فمنذ توليه الحكم سنة 1999، صبّ اهتمامه في سبيل تفكيك هذه النواة الصلبة، إذ بدأً بالجنرال العربي بلخير الذي أُبعد عن منصب مدير ديوان الرئاسة مرورا بالجنرال خالد نزار، لتتوالى بعدها أحجار "الدمينو" في السقوط.