الجزائر (CNN)-- مضت سنتان على ميلاد حركة "بركات" الجزائرية في 2 مارس/آذار 2014 التي تزامن ظهورها مع عيد ميلاد الرئيس بوتفليقة (77 سنة)، وقال عنها مؤسسوها يوم ذاك أنها "ولدت من رحم الحزن والضمير الوطني لما أصاب البلد من طوفان الفساد وبيع الذمم وتمييع الحياة السياسية"، معتبرين إياها "منبر الأحرار وشوكة في حلق الطغاة لا ينبذها سوى فاسد أو مستبد".
وقتها، خلّف ميلاد بركات مواقف متضاربة، أبان عن التوجس العام الذي طبع موقف الجزائريين تجاهها والشكوك التي حامت حولها، وجاءت على شكل حملة تشكيك لم تقتصر على جزء من الرأي العام بل امتدت لتشمل بعض الأحزاب والشخصيات التي أبدت تحفظها تجاه الحركة وأهدافها، بينما البعض الآخر راح يقارنها بحركات مماثلة ظهرت فيما عرف بدول الربيع العربي.
ورغم تجرد مؤسسي "بركات" من الانتماء والتبعية السياسية لأية جهة كانت، إلا أن هذالم يجنبها العديد من الأسئلة حول أهدافها وما تملكه من وسائل وأدوات الاستمرارية، فعلى المستوى الشعبي، اعتبر البعض وجودها من عدمه "سواء"، فيما اعتبرها البعض الآخر مجرد سحابة عابرة لا تمطر، في خضم تلك الظروف التي كانت تطبع المشهد السياسي الجزائري قبيل الانتخابات الرئاسية بشهر تقريبا.
وفي تلك الأثناء، اعتبرت الأحزاب الموالية للنظام أن الحركة "مشبوهة" هدفها تنفيذ أجندة خارجية لزرع الفوضى والعبث بأمن واستقرار البلاد، بينما رأت أحزاب معارضة بأن "بركات" تمثل رقما مهما في معادلة الصراع السياسي الدائر بينها وبين السلطة القائمة في البلاد، كل هذا جعل الحركة تحت سيل من محاولات التشويه والتشكيك في قدرتها على الاستمرار.
وزاد في رفع أسهم بركات، الوقفات التي كانت تنظمها في العاصمة، ثم توالت بعدها احتجاجات متفرقة في عدة مناطق من القطر الجزائري، فضلا عن توسع دائرة الرفض حينها للعهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، الأمر الذي جعلها تسبب صداعا للنظام، وحرجا لأحزاب المعارضة التي كانت قابعة داخل مقراتها بعيدا عن الشارع الذي كان يعيش حالة غليان غير معهودة.
وعرفت حركة بركات تفككا على مستوى قياداتها بعدما تضاءلت فرص الالتقاء على قواسم مشتركة، بحكم أن مؤسسيها يختلفون في توجهاتهم الفكرية والإيديولوجية، غير أن هذا الأمر ساهم بشكل مباشر في انفجارها بعد انسحاب الناشط حفناوي غول، أحد مؤسسيها، والذي صرح لـ CNN بالعربية أن "حركة بركات قامت ضد التوريث والإقصاء والانحراف بالديمقراطية وليست ضد العهدة الرابعة أو ضد بوتفليقة"، عكس ما كان يروج له.
وضمن هذا السياق، أكدت الطبيبة أميرة بوراوي، وهي إحدى مؤسسات الحركة، قائلة " عكس ما ترسخ في أذهان الناس، فنحن لم نخرج إلى الشارع ضد العهدة الرابعة فحسب، بل ضد النظام ككل بكل أجنحته التي تتحمل المسؤولية التاريخية في ما نعيشه الآن".
و في نفس الاتجاه، سار عبد الوكيل بلام أحد الفاعلين في الحركة قائلا "منذ اللحظات الأولى للتأسيس تجاوزت بركات المطلب الآني الظرفي لرفض ترشح الرئيس المريض لعهدة رابعة، لتنقل نظرتها إلى ما بعد الرئاسيات وانخرطت في مسعى أشمل وأرحب وهو المطالبة بتغيير النظام والاستعداد لذلك عن طريق هيكلة الحركة وتنظيم صفوفها والانتشار عبر الولايات".
ورغم سقف الطموحات المعبر عنها من قبل المؤسسين، لم تجد "بركات" طريقها للتجسيد ولم تستطع الصمود لفترة طويلة، ويرجع سبب ذلك إلى نقص الخبرة والتجربة، حسب ما أفاد به المؤسس والناشط، سمير بلعربي لـCNN بالعربية، قائلا "لم تصمد الحركة في الساحة بسبب نقص التجربة والخبرة لدى الكثير من قياداتها التي لم تحسن مواصلة مسارها المشرف".
ورغم تميز الحركة بـ "قوة طرحها وخطابها الذي عبّرت عنه عبر قيادتها الجماعية عن مطالب الشعب الجزائري في مواجهة سلطة قمعية أغلقت كل أبواب الحوار وشنت حملة إعلامية شرسة ومسعورة لتشويه الحركة وقياداتها ومناضليها، تبقى حركة بركات رغم غيابها كتنظيم بعد سلسلة من الصراع الداخلي بين أعضائها تجربة رائدة في الجزائر لحركات المواطنة السلمية التي أزعجت وأربكت النظام"، يضيف بلعربي .
ولم تكن السلطة لوحدها في كيل التهم للحركة والطعن في مصداقيتها ونزاهة قياداتها، فحتى من كان صديقا بالأمس، اتهم زملاءه بالتعامل مع الخارج، كما هو الشأن مع حفناوي الذي قال "في نوفمبر 2014 عقدنا لقاء تحت اسم لجنة إنقاذ حركة بركات نظرا لحالة الاحتواء التي كادت أن تعصف بالحركة من طرف لوبي (فرنكفوبربي) وعملاء للنظام وللخارج".
وعن مصير الحركة اليوم، قالت بوراوي: "الحركة ليست حزبا معتمدا ولا تريد أن تكون كذلك، هي روح غضب ورفض سلمي جمعت الناس وما تزال، وقد رأينا ظهور العديد من الحركات المواطنية بعدها، وعدم ظهورنا بنفس القوة لا يعني توقفنا عن النضال، فالحركات التي تجمع المناضلين تعمل بشكل تراكمي مع من سبقها في الميدان، أين تتجمع النضالات وتصب في مصلحة الجزائر دون أي حسابات انتخابية أو شخصية".
أما في نظر المختصين فالأمر مختلف، حيث يرى الدكتور حبيب بلية أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لـ CNN بالعربية، أن "الحركة افتقدت منذ البداية لحاضنة اجتماعية سببت اختفاءها والدليل على ذلك ثلاثة مؤشرات منها قلة عدد التجمعات والتي تعد على الأصابع وضعف عدد الأشخاص المنضوين تحتها، بل إن الكثير منهم كان من الفضوليين، وكذا انحصار الحركة واقتصار وجودها على بعض الولايات فقط".
ويعزو بلية أسباب اختفاء الحركة وتواريها عن المشهد السياسي إلى " تحفظ الجزائريين على مطالبها أولا، وثانيا بسبب تخوف أغلب الجزائريين من الحركات المعارضة عموما والحركات غير المؤطرة وذات المطالب الراديكالية خصوصا، والتي تحيل إلى ذهن الجزائريين مباشرة تجربة الحزب المنحل وآثارها المدمرة المتمثلة في العشرية السوداء، علاوة على آثار الربيع العربي التراجيدية".