نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- يتأرجح مصير التحقيقات الصحفية الكبيرة على تسليم المعلومات من المصدر إلى المراسل.
إذ في "فضيحة ووترغيت" الشهيرة في السبعينيات من القرن الحالي، خلال عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، كان هناك مارك فيلت، المسؤول السابق بمكتب التحقيقات الفديرالي الذي أعطى تفاصيل قضايا الفساد الرئاسي إلى بوب وودوارد وكارل بيرنشتاين، الصحفيان في صحيفة "واشنطن بوست".
وكشف إدوارد سنودن للصحفي الأميركي، غلين غرينوالد، معلومات سرية حول عمليات التجسس التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية من خلال شبكة المراقبة الواسعة.
ولكن في حالة وثائق بنما، انتقلت المعلومات من المسرّب إلى صحيفة ألمانية ثم إلى المئات من الصحفيين في جميع أنحاء العالم. إذ بعدما قدم مصدر مجهول الوثائق إلى صحيفة "دويتشه تسايتونج" الألمانية، اختارت الصحيفة مشاركة الملفات مع الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين.
وكانت الصحيفة قد عملت مع الاتحاد سابقا على تحقيقات مالية دولية كبيرة أخرى، ولكن وثائق بنما تطغى في الأهمية والمستوى على المشاريع الأخرى. إذ أن ضخامة الـ11.5 مليون ملف أو ما يعادل 2.6 تيرابايت من البيانات، تجعل من البرقيات الدبلوماسية التي نشرها موقع "ويكيليكس" تبدو قزمة بالمقارنة.
تكشف الوثائق خطط التهرب من دفع الضرائب التي قامت بها شركة المحاماة "موساك فونسيكا" التي يقع مقرها في بنما، نيابة عن عدد من أغنى وأقوى الشخصيات في العالم. ومن جانبها، قالت الشركة: "رغم أننا ضحية لعمليات سرقة معلومات إلا أنه لا يوجد شيء مما رأيناه في هذه الوثائق، التي حُصل عليها بشكل غير قانوني، يقترح أننا كنا نفعل شيئا خاطئا أو غير قانوني."
وتلقت صحيفة "دويتشه تسايتونج" أول دفعة من الوثائق في وقت مبكر 2015 من مصدر مجهول أخبر الصحيفة: "أريد أن أكشف هذه الجرائم علنا،" من خلال رسالة مشفرة. وظلت الملفات تتراكم في الأشهر التي تلت ذلك، ما جعل الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين الشريك البديهي للصحيفة في التحقيق.
والاتحاد هو مجموعة غير ربحية، تأسست في عام 1997 كذراع لمركز النزاهة العامة، بهدف "جمع الصحفيين المحققين من مختلف البلدان معا في فرق - للقضاء على التنافس والترويج." وحقق الاتحاد بالتأكيد مسعاه عبر وثائق بنما، إذ انتشرت الوثائق عبر الصفحات الرئيسية لعشرات المواقع الإخبارية، الاثنين، وتصدرت العناوين مقالات تبحث الخدمات المالية الغامضة التي قدمتها "موساك فونسيكا" لعملائها، وتشمل قائمة عملاء الشركة قادة الدول والسياسيين والرياضيين المحترفين والفنانين وكبار تجار المخدرات.
وجنّد الاتحاد نحو 400 صحفي يُمثلون أكثر من 100 مؤسسة إعلامية، شملت "ذا غارديان" و"لوموند" و"يونيفيسيون"، عبر أكثر من 80 دولة. وذكرت مجلة "وايرد" الأمريكية أن مطوري البرمجيات في الاتحاد "أسسوا محرك بحث للوثائق المسربة يعتمد على نظام حماية وتوثيق ذو عاملين،" وشاركته مع العشرات من وكالات الأنباء المعنية.
وشبّه مايك هدسون، أحد كبار المحررين في الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، المنتديات المشفرة حيث تواصل الصحفيون مع بعضهم إلى شبكة "فيسبوك خاصة للصحفيين"، وأكد أن الاتحاد أخذ "وقتا طويلا لمعرفة" كيفية الإشراف على العديد من الصحفيين المختلفين.
وأضاف هدسون: "نحن لسنا مدراء الجميع، ولكننا بالتأكيد نحاول التنسيق مع الجميع والتأكد من تعاونهم معا، وأن الكل يعلم ما يعمل عليه الآخرون."
وقالت نائب مدير الاتحاد ومديرة مشروع وثائق بنما، مارينا ووكر غيفارا، لشبكة CNN، الاثنين: "إنه تسريب ضخم للغاية، ولا زلنا نعمل على القصة.. سنُرحب بصحفيين إضافيين ليعموا على بحث البيانات، وخاصة في الدول التي لم يكن لدينا فرصة للعمل فيها حتى الآن.. لذلك أعتقد أن هذه الوثائق ستكون موردا للصحفيين خلال الأسابيع والأشهر المقبلة."