لَمْعَلْمِينْ..حرفيون يقبعون في قاع سلم الترتيب الطبقي بموريتانيا

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
لَمْعَلْمِينْ..حرفيون يقبعون في قاع سلم الترتيب الطبقي بموريتانيا
تصوير: ِCNN

التار ولد أحمدا، موريتانيا (CNN)-- رغم دورهم الرائد في المجتمع، وإبداعاتهم المشهودة، وإسهاماتهم المعروفة في شتى صنوف الحياة، تقع شريحة "لَمْعَلْمِينْ"-  فئة العمال الحرفيين الذين يمارسون مهن الحدادة والدباغة - في قاع سلم الترتيب الطبقي الذي يحكم المجتمع الموريتاني، فقد ظلت هذه الشريحة لعقود من الزمن وهي عرضة لثقافة تعمل على تبخيسها و إهانتها وتهميشها، وهي ثقافة تغذيها خرافات يُعزيها بعضهم خطأ أو عمدا إلى الدين كالمقولة الشهيرة " لا خير في الحداد ولو كان عالما".

أحمد محمود صانع تقليدي ورث حرفته أبا عن جد، فهو ينحدر من فئة الصناع التقليديين المعروفين باسم "لَمْعَلْمِينْ" وهم أولئك الذين يمتهنون الصناعة اليدوية التي برعوا فيها وأبدعوا بشكل منقطع النظير حتى أصبح لموريتانيا لونها وميزتها الخاصة في هذا المجال بفضلهم .

يتجه أحمد محمود صباحا الى ورشته المتواضعة في قلب العاصمة نواكشوط في "مرصة لحموم"، والتي تختصر محتوياتها على أتون صغير لمعالجة المعادن بالحرارة ومطرقة وسندان من الفولاذ وبعض قطع الحديد والخشب والفحم و بقايا المواد التي يستخدمها في عمله.

حُلم أحمد محمود كما صرح لنا لا يتعدى الحصول على مبلغ بسيط يمكنه من العيش الكريم مع زوجته وأولاده الثلاثة شأنه شأن المئات من الصناع التقليديين في موريتانيا الذين ورثوا الصنعة عن آبائهم، ويصرون على التمسك بها.

ينفي أحمد محمود أن تكون الصناعة الحديثة مهددا لمهنته التي لا يبغي بها بديلا، وقد أصبح هو وزملاؤه جزءا من تراث المجتمع الموريتاني الذي تسعى السلطات والهيئات الى دعمه عبر برامج متعددة و ورشات تكوينية .

يعتمد الصناع التقليديون في صناعاتهم عادة على الخشب والفولاذ والذهب والفضة والنحاس، هذا فضلا عن الأحجار والجلود ، حيث ينتجون منها مقتنيات كالوسائد والفرش والحلي والأواني وغيرها.

العالية، صانعة تقليدية التقاها موقع CNN  بالعربية في سوق "لَمْعَلْمِينْ"  تقوم هي الأخرى بصناعة الأثاث المنزلي كالوسائد والحصير والآنية المنزلية المطرزة، حيث يتم صبغ بعض الآنية بمختلف الألوان وتتم زركشتها بالألوان الزاهية، وتشتري الأسر الموريتانية هذه المقتنيات كجزء من ديكور البيت لدى بعض الأسر الموريتانية المعاصرة.

تقول لنا إن "الصناع التقليديون أصبحوا يتنافسون في افتتاح محلات خاصة في الأحياء التى تقع فيها السفارات الاجنبية طمعا فيما تدره عليهم من عملات أجنية من لدن مرتادي هذه المعارض من الأجانب".

وفي السوق الكبير بمدينة نواكشوط تتزاحم عشرات المحلات التي تكتظ بمنتوجات الصناعة التقليدية ، تنتظر زوارا أغلبهم من السياح الأجانب، ويتطلع أصحاب هذه المحلات إلى أي فرصة، ليعلنوا الشكوى من ركود بضاعتهم وإعراض السلطات الرسمية عن دعمهم.

العالية صرحت لنا أن معظم أصحاب هذه المتاجر يشكون من تعامل الحكومة مع فئة قليلة من الصناع التقليديين فهم "يستحوذون على كل ما يقدم لهم من مساعدة، ويحتكرون صفة تمثيلهم أمام السلطات وفي الخارج، وعندما تكون هناك فرصة للسفر الى المعارض الدولية التي تنظم عبر العالم من حين لآخر، فإن هؤلاء يقومون باختيار أقاربهم والمقربين منهم فيما يتم حرمان آخرين لأن علاقاتهم بهؤلاء غير جيدة، أو لأنهم لا يعرفونهم أصلا".

أما السلطات فتنفي أي علاقة لها بالمشاكل الداخلية لهذه الفئة، وتقول إنها تتعامل معهم عن "طريق اتحاديات يتم انتخابها من طرف الصناع التقليديين أنفسهم، وأنها غير معنية بالصراعات الداخلية لهؤلاء"، وقد أصدرت الحكومة الموريتانية مؤخرا مدونة قانونية تحمل اسم 'مدونة الصناعة التقليدية' تحدد من خلاله طبيعة العلاقة بينهما ، وهو ما أثار انتقادات كبرى من طرف بعض قادة هذا الحقل .

ففي مقال نشره جدو ولد البشير، منسق حراك "لَمْعَلْمِينْ" - حركة حقوقية تهتم بالدفاع عن شريحة "لَمْعَلْمِينْ" - يقول بالحرف :

 "فلا الدولة أخذت مسؤوليتها في إصلاح قطاع الصناعة التقليدية تشريعا ورقابة وتكوينا وتمويلا ولا المتحايلون تركوا الصناع التقليديين في حالهم، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن مدونة الصناعة التقليدية بدل أن تكون في مصلحة القطاع وأهله كانت ضدهم بثغراتها المفضوحة، لذلك تجب مراجعتها"

ومنذ 25 يونيو 2015 قرر الصناع التقليديون في موريتانيا مقاطعة أنشطة الوزارة الوصية، وأعلن المكتب الجهوي للصناعة التقليدية والحرف بمدينة نواذيبو(العاصمة الاقتصادية) مقاطعته أنشطة الوزارة، لاسيما تلك المتعلقة بالمشاركة في معرض ميلانو الإيطالي، إذ ذكر فى بيان أنه ينوي اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الوزارة الوصية، معللاً موقفه برفض الوزارة جميع مطالبه.

ويواجه الصناع التقليديون في موريتانيا صعوبات جمة، تتمثل في "رداءة التجهيزات، وصعوبة الحصول على التمويل، وغياب أسواق تستوعب الكم الهائل من هذه الصناعات ، فضلا عن غياب التكوين".

لكن بعض الاقتصاديين يرون أن معاناة القطاع تعود الى انعدام وتدني الجودة في منتوج الصناع التقليديين، وهو ما أصبح يشكل عائقا أمام ترقية المنتوج ويهدد بانقراض النمط الأصيل، من حيث الإتقان الفني والعائد التجاري المُكون لأحد أوجه عبقرية الإنسان الموريتاني.

ويرى المهتمون بالثقافة في موريتانيا أن بقاء الصناعة التقليدية أمرا حيويا وضروريا، باعتبار أنها مهنة نبيلة لشريحة كبيرة من المجتمع، في بلد أصبحت الصناعة فيه الغائب الابرز في عصر الصناعة .