"وكالين رمضان" في الجزائر.. بين احترام الحريات الفردية و"استفزاز" مشاعر المسلمين

العالم
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير حمزة عتبي
"وكالين رمضان" في الجزائر.. بين احترام الحريات الفردية و"استفزاز" مشاعر المسلمين
متظاهر يشرب الماء في نهار رمضان بمدينة تيزي أوزوتصوير: "وكالين رمضان" في الجزائر.. بين احترام الحريات الفردية و"استفزاز"

الجزائر (CNN)-- في كل رمضان، يعود النقاش مجددا في الجزائر حول ما يصطلح عليهم بـ"وكالين رمضان"، ممن لا يمارسون شريعة الصيام ويُقدمون على الإفطار علنا بالأماكن العمومية، بمبرّر أنها تدخل ضمن غطاء حرياتهم الشخصية، في المقابل، يراها المجتمع عملية استفزاز لمشاعر المسلمين، والى وقت قريب كانت هذه الظاهرة لصيقة بمنطقة القبائل دون سواها، إلا أنها مع مرور الوقت أخذت في الانتشار.

وتوجه أصابع الاتهام إلى حركة الحكم الذاتي في منطقة القبائل المعروفة اختصارا بـ"الماك" على أنها تقف وراء هذه العمليات الاستعراضية في المنطقة، حتى أصبحت تهمة "انتهاك حرمة الصيام رديف" لاسمها، وهو ما جعل سكان المنطقة ينتفضون عدة مرات ضدهم وتنظيم إفطار جماعي، كما قاموا بأداء صلاة التراويح في الساحات العمومية حتى يردون على سلوك الإفطار العلني.

وفي هذا الشأن يقول المهتم بالحقل الديني والسياسي ياسين إعمران في تصريح لموقع الـCNN بالعربية، أن الإفطار العلني في رمضان يعدّ "ردّ فعل عن سوء فهم لشعيرة الصيام من طرف المسلمين ، وكذا رغبة هذه الأقليّة (الماك) في إبراز تميّزها عن بقية الجزائريين لتمرير رسالة سياسية تعزز طرحها الانفصالي".

وعلى سبيل الذكر، قام نشطاء من بلدية أوقاس شرق ولاية بجاية، قبل أيام، بتوزيع منشورات وإعلانات استعداد لانتهاك للإفطار العلني، معتبرين أن خطوتهم تبقى تكريسًا لـ"الحرية الفردية"، وهذا ما ردّ عليه السكان بتنظيم إفطار جماعي شارك فيه المئات من المواطنين.

وأخذت الظاهرة في الانتشار ولم تعد مختصرة على منطقة بعينها، وبات عدد من غير الصائمين يتناولون الطعام والشراب علنا في كل الولايات، كان آخرها، قيام مجموعة من الشباب على تنظيم جلسات في جبال تامدة ببلدية أحمد راشدي الواقعة غرب ولاية ميلة، لأجل لتناول مختلف المأكولات والمشروبات الكحولية في نهار رمضان ، وفقا لما تناقلته تقارير إعلامية.

ويتضح من كلام إعمران أن هناك اختلاف بين فقهاء الدين في التطرّق لمسألة المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان، بين من يراها اعتداء على شعيرة إسلامية مقدّسة وبالتالي وجوب على الحاكم فرض احترامها، وبين من رآها تعود لضمير الفرد المخاطب بهذه العبادة في النص القرآني، رافضا إدراج "انتهاك حرمة رمضان" في إطار الحرية الشخصية في مجتمع يعطي قداسة دينية لهذا الشهر.

من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع مصطفى راجعي أن هذه الظاهرة تدخل تحت الحريات الشخصية، مبينا أن القانون الجزائري لا يعاقب عليها إلا إذا كانت ممارسة علنية تمس النظام العام، وفي نظر محدثنا، أنها موضوع استهجان اجتماعي "يعتبر الشخص الذي لا يحترم شهر رمضان يجاهر بسلوكه أنه شخص منحرف عن قيم الجماعة".

وكان يوصف الشخص الذي لا يصوم رمضان في الموروث الشعبي الجزائري، أنه شخص موعود بعقاب جهنم ودليل ذلك تلك العبارة التي كانت متداولة ولازالت في الوسط الشعبي "وكال رمضان محروق العظام "، التي تستند إلى "مرجعية اجتماعية وليس مرجعية دينية"، وفقا لما خلص إليه الراجعي.

ويعلل راجعي ذلك، في حديثه لـ CNN بالعربية، أن الفرد الذي لا يصوم بدون مبرر طبي أو شرعي يعدّ في نظر الجماعة شخصًا معاديًا لقيم المجتمع، في حين أن الشخص الذي لا يصلي يعدّ شخصا لا يسئ إلا لنفسه ولا يتعرض إلى موقف سلبي مثلما يتعرض له من لا يصوم رمضان، رغم أن مكانة الصلاة أعلى من مكانة الصيام في الإسلام.

وقد قامت مؤخرا مصالح ولاية سكيكدة ( 400 كلم شرق العاصمة) بتوقيف سبعة أشخاص على خلفية "انتهاكهم" حرمة الشهر الكريم في مكان عمومي، الأمر الذي اعتبره سكان هذه المنطقة استفزازًا لمشاعرهم، هذه الحادثة التي سبقتها حوادث مماثلة في كل من ولايات وهران ومستغانم وبعض الولايات في الوسط الجزائري.

ومن وجهة نظر القانون الجزائري، يوضح المحامي عبد الغني بادي، في تصريح لـCNN بالعربية، أنه عادة ما يحال المتهم بـ"انتهاك حرمة رمضان" أمام المحكمة بتهمة الاستهزاء بالمعلوم من الدين أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام، حسب المادة 144 مكرر2، غير أنه أنه لا يوجد نص صريح في الجزائر يعاقب من يفطر علنًا في رمضان.

وإذا سلمنا بهذا فان السلطة تعاقب فئة دون أخرى وهذا يشكل تناقضا، ففي اعتقاد بادي، الذي يضيف: "علينا طرح إشكالية الدولة الدينية أو الدولة المدنية قبل طرح إشكالية الحريات الفردية، فالتزام الدولة بنهج واضح في السياسة يمكنه تبيان حدود الحريات الفردية". متسائلا: "ماهي عقوبة غير المصلين أو مانعي الزكاة أو الملحدين؟ فهل وجدت السلطة فئة "وكالين رمضان" دون غيرهم؟".