عاصرت الزميلة هيام حموي، المقيمة في باريس منذ نحو ثلاثة عقود، التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الساحة الفرنسية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية المتعددة.
ومع بداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي ستجري في الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان الجاري، سوف تشارك هيام حموي قراء موقع CNN بالعربية، بمشاهداتها لما يجري على الساحة الفرنسية، بشوارعها، وصالوناتها، وإعلامها، ومقاهيها الشهيرة مع اقتراب ساعة الصفر لاختيار الرئيس القادم لفرنسا. | ساركوزي يفكر بالرئاسة كلما حلق ذقنه! | العد العكسي وحلاقة الذقن! في 20 نوفمبر/تشرين الثاني2003، حلّ نيكولا ساركوزي ضيفا على أحد البرامج التلفزيونية.. وعندما سأله الصحفي عما إذا كان يفكر بالمنصب الرئاسي لفرنسا في الصباح وهو يحلق ذقنه، ابتسم السياسي الشاب المتحمس، وأجاب بخبث ضاحكا: "ليس فقط عندما أحلق ذقني!" كان هذا قبل قرابة 4 سنوات... العد العكسي بدأه بعض المرشحين، من أمثال نيكولا ساركوزي، وسيغولين روايال، قبل أسابيع طويلة، بل قبل شهور من انطلاق الحملة الترويجية الفعلية والرسمية لهذه الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي ستدخل البلاد على إثرها، دون شك، مرحلة تجديد كبرى نتيجة وصول جيل أكثر شبابا من السياسيين الفرنسيين إلى سدة الرئاسة، ومواقع القرار. الفرق بين عمري المرشحيْن الأكبر والأصغر سنا 46 عاما! الحملة الانتخابية الرسمية انطلقت فعليا الاثنين 9 أبريل/نيسان الماضي، بعد أن أُعلن عن أسماء المرشحين الاثني عشر. وفيما عدا المرشح جان ماري لوبن، زعيم حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، البالغ من العمر 78 عاما، والذي يخوض الحملة الرئاسية للمرة السادسة، فإن غالبية المرشحين يراوحون في العقد الخامس من العمر، مع إشارة خاصة إلى صغر سن أحد مرشحي التيار التروتسكي، أوليفييه بيزانسنوه، الملقب بـ"البوسطجي" لأنه يعمل موظفا في هيئة البريد، والذي لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره، وقد سبق أن ترشح في رئاسيات عام 2002، ودائما عن حزبه "الرابطة الشيوعية الثورية". | هذا ما آلت إليه لافتات الرمشحين في شوارع باريس |
أربع نساء ولكن... ليست هذه هي المرة الأولى التي تخوض فيها المرأة الفرنسية الحملات الانتخابية الرئاسية.. لكنها المرة الأولى التي تصل فيها إحدى المرشحات، وهي سيغولين روايال، المرشحة عن الحزب الاشتراكي، إلى هذه النسبة من التقدم في استطلاعات الرأي. حتى أن صحيفة "لوباريزيان" الشعبية، عنونت في صفحتها الأولى، هذا الثلاثاء، إلى جانب أحداث جامعة "فرجينيا" الدامية، بأن التنافس بين المرشحيْن الأوفر حظا في استطلاعات الرأي حتى الآن، ساركوزي وروايال، يضعهما في كفة التعادل، إذا ما وصلا إلى الدورة الثانية. ساركو ـ سيغو 50 / 50 وفي تفاصيل استطلاع الرأي هذا، والذي انفردت به صحيفة "لوباريزيان" أظهرت التوقعات ساركوزي متقدما على روايال في الدورة الأولى، باحتمال حصوله على 27 في المائة من الأصوات. وتأتي سيغولين في المرتبة الثانية، بنسبة 25 في المائة من التوقعات، بينما لا يتجاوز مرشح الوسط، فرنسوا بايرو نسبة 19 في المائة. شبح 21 أبريل لكن التجربة المريرة التي عاشها الاشتراكيون، مثلما عاشها الفرنسيون، في رئاسيات 2002 لا تزال ماثلة في الأذهان، وتثير الهلع في النفوس، يوم فشل مرشح الاشتراكيين ليونيل جوسبان، رغم كل توقعات استطلاعات الرأي، ذات أمسية أبريلية/ نيسانية من عام 2002، وجاء ترتيبه الثالث، بعد شيراك ولوبن. وذهلت فرنسا يومها أمام نتيجة الدورة الأولى، التي وضعت المواطنين أمام أمرٍ واقع لا خيار لهم فيه سوى بين يمينين، أحدهما متطرف وله وجه جان ماري لوبن، والخيار الآخر، الذي بدا أهون "الأمرّين"، تمثل في إعادة انتخاب جاك شيراك، الذي استطاع، بفضل هذه الرمية من غير رامٍ، أن يحصل على نسبة اقتراع لم تعرفها فرنسا من قبل في جمهوريتها الخامسة، وقرّبته من نتائج الانتخابات في بلدان بعض "أصدقائه العرب!!!" وحسب ما ألمح إليه بسخرية بعض منافسيه، فقد جمع ما يزيد على 82 في المائة من أصوات الناخبين الذين صوتوا ضد لوبن أكثر بكثير مما صوتوا مع شيراك! وذكرى هذه المرحلة هي التي دفعت بصحيفة "ليبراسيون" إلى وضع رسم كاريكاتوري سوداوي على مساحة كبيرة من صفحتها الأولى، وتبدو في الرسم امرأة لها ملامح من سيغولين روايال واقفة أمام جدار وخلفها شبح بملامح ليونيل جوسبان، مع عنوان كبير: "هاجس 21 أبريل"، ويشير إلى هلع اليسار من أن يعيد التاريخ نفسه، وهو ما يعتبره اليساريون "حدثا خطيرا" بالنسبة للديمقراطية، كما جاء في التعليق المرافق للصورة. الحائرون المترددون و"التصويت المجدي" "معركة التصويت المجدي"، هو العنوان المتصدر الصفحة الأولى من صحيفة "لوفيغارو" لهذا الثلاثاء. وتضيف المقدمة أن ساركوزي (مرشح اليمين) يطرح نفسه كوريث القيم الديغولية، كما أنه يعد بالانفتاح.. وروايال (مرشحة اليسار) ترفض نداء شركائها الاشتراكيين، والداعي إلى التحالف مع حزب الوسط.. بينما يؤكد بايرو (مرشح الوسط) أنه الوحيد القادر على التغلب على المرشح ساركوزي. الكل يهاجم الجميع، والعكس بالعكس، واليوم، ووسط الضجيج، باتت أكثر العبارات تردادا هي "التصويت المُجدي".. ففيما عدا بعض المتعصبين والمتشددين في مواقفهم، أصبحت الحيرة تلف الغالبية وتجعلهم يترددون ما بين التعبير عن مؤازرتهم لأفكار بعض المرشحين المقنعين بأفكارهم المدافعة عن البيئة والكوكب الذي يقدمون البراهين الدامغة في أنه بات "على شفير هاوية"، وبعض الذين ينادون بكرامة الإنسان أمام "عولمة طاغية تحصد الأخضر واليابس في طريقها". لكن المشكلة تكمن في أن قواعد اللعبة الانتخابية الدستورية من شأنها أن تشتت الأصوات، ولا أحد هنا يتمنى أن يعيش كابوس 21 أبريل/ نيسان 2002. فما العمل؟ برامج المرشحين عوضا عن المسلسل التلفزيوني الصباحي!!! الحماس على أشده، والإعلام مستنفر تماما بكل وسائله.. حيث ازدادت اعداد القنوات التلفزيونية بشكل كبير، والإخبارية بالذات، منذ الانتخابات السابقة قبل خمسة أعوام.. والإعلاميون جميعا ملزمون بحساب الدقائق والثواني المعطاة لكل مرشح، وذلك على حساب مضمون الحوار أحيانا.. كما أن شبكة الإنترنت أصبحت شريكا فاعلا بشكل هائل في الحملة.. والكتب.. لم يسبق أن قرأ الناخبون مثل هذا الكم من الكتب عن مرشحيهم.. والإذاعات.. حدّث ولا حرج. وأنا، ومثلي كثيرون، حُرمنا من المسلسل التلفزيوني الصباحي المشوّق على القناة الرسمية.. لكن الحق يقال أن مسلسل هذه الانتخابات لا يقل تشويقا... وسنتابعه في الحلقة المقبلة... (يتبع) |