الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" الجديد يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
وفي هذا الأسبوع، يكتب جون زاويته حول تراجع أسعار النفط، وتأثير ذلك على الخليج والدول المحيطة به، كما يتناول قضية توظيف أموال النفط في تنويع الاقتصاد.
الوقت ليس للهدوء أو للتسابق في المنطقة
وقد استفاد الاقتصاد اللبناني، في داخل البلاد وخارجها من هذا الأمر، وإذا سأل البعض، كيف يكون هناك اقتصاد لبناني خارج لبنان؟ أقول له: إن ذلك البلد الذي يقطنه أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعتمد بشكل كبير على المغتربين، بل إن ثلث اقتصاده يقوم على تحويلات يرسلها قرابة 350 ألف لبناني يعملون في الخليج.
ورغم أن ذلك ترك في السنوات الماضية آثاراً إيجابية على الاقتصاد المحلي، إلا أن البعض يخشى أن ينقلب هذا العام، مع امتداد الأزمة المالية العالمية إلى الخليج، واحتمال وصول تداعياتها إلى لبنان العام المقبل.
ويقرّ وزير المال اللبناني، محمد شطح، أن مردود وظائف اللبنانيين في الخليج وحجم نشاط شركاتهم في المجال العقاري والسياحي يفوق بالفعل كامل الاقتصاد المحلي، الذي يقارب 30 مليار دولار.
ومن المرتقب أن ينهي لبنان السنة الحالية بنمو يقارب 6 في المائة، مع أن شطح - وهو المسؤول السابق لصندوق النقد الدولي في بيروت - يتوقع أن يكون النمو الحقيقي أكبر من ذلك.
غير أن نمو العام المقبل سيكون شأناً مختلفاً تماماً، إذ يقول الوزير اللبناني إن الميزانية كانت معدة عند نمو بنسبة 5 في المائة، غير أن ذلك سيُعدل بحيث تتراوح النسبة ما بين 3 و3.5 في المائة، فقط.
ولكن شطح ليس متشائماً، بل على العكس، فهو يتحدث بواقعية عندما يقول إن لبنان سيكون في وضع أفضل من سواه في المنطقة، وذلك بسبب سياسة المصرف المركزي الاستباقية، التي أبقت المصارف المحلية بمنأى عن الاستثمارات الخطرة.
ويوافق شطح على أن شركات البناء اللبنانية قد تضطر للتراجع عن بعض مشاريعها في الخليج، بسبب الأوضاع الراهنة، وعلى غرار سواه من خبراء الاقتصاد، يتجنب الإجابة عن سؤال متصل بالمدى الزمني الذي يحتاجه العالم ليبدأ بالخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
يذكر أن العديد من شركات البناء والمقاولات اللبنانية والتركية كانت تنعم بثمار الفترة التي قفزت فيها أسعار النفط إلى قرابة 100 دولار، غير أن ذلك تراجع مع انحدار أسعار برميل "الذهب الأسود" ودفعها ذلك لمراجعة مشاريع كثيرة في السعودية والإمارات وقطر.
ولا يقتصر التأثير على الخليج فحسب، بل يمتد إلى الدول الأخرى في المنطقة، مثل مصر والمغرب ولبنان والأراضي الفلسطينية والجزائر، والتي شكلت عامل جذب أساسي لاستثمارات التي تموّلها عوائد النفط الهائلة.
ولكن إذا نظرنا بالمقابل إلى تجارب أخرى في المنطقة، فإننا سنحصل على صورة مغايرة، ففي دبي مثلاً، يمكننا متابعة شركة "موانئ دبي" العالمية، التي وقّع رئيسها، سلطان بن سليّم، مؤخراً اتفاقيات مع مرافئ عالمية من الصين إلى البيرو، وهو يخطط لمشاريع بقيمة 700 مليون دولار بالسنغال وأخرى بالقيمة نفسها في مصر.
وتدير الشركة اليوم أكثر من 30 ميناء حول العالم، وقد قامت بكل هذا الجهد خلال فترة قصيرة.
وقد قدمت هذه المعلومات لأقول إن الأزمة الحالية تشكّل برهاناً على أن النفط هو نعمة ونقمة في آن، والطريقة الأمثل لاستخدام عوائده تتمثل في تمويل مشاريع تنويع الاقتصاد وتحسين التعليم ووقف وإنشاء أنظمة رقابة، إلى جانب الأبراج العملاقة التي باتت تغطي سماء مدن المنطقة.
لقد تابعنا تنافساً حامياً خلال الفترة الماضية بين اللاعبين الكبار في المنطقة، كان يهدف لمعرفة من هو الأكبر أو الأسرع أو الأقوى، لكن ذلك يجب أن يتغيّر، فالوقت غير مناسب للراحة... ولا للاندفاع السريع.