(CNN) -- الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" الجديد يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
وفي هذا الأسبوع، يكتب جون زاويته حول الأزمة التي تعيشها دول منظمة أوبك، وبحثها عن سعر عادل للنفط، وسط خطر الركود العالمي وتطوير مصادر طاقة بديلة.
تراجع كبير في أسعار النفط
يعرف الجميع، ومنذ نعومة أظافرهم، قصة ذات الجدائل الذهبية والدبب الثلاث الذين دخلت منزلهم وجربت أوعية الطعام الخاصة بهم، حتى عثرت على واحد ليس ساخناً أو حاراً فأكلت منه.
وهذا ما يبدو أن دول "أوبك" تعيشه حالياً، فالمنظمة المنتجة لقرابة 40 في المائة من نفط العالم تعيش بالفعل أجواء هذه القصة الخرافية، لأنها عاجزة عن إيجاد سعر عادل للنفط في ظل الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها العالم ومخاطر الركود.
فبعد اختيار إبقاء الوضع على ما هو عليه على مستوى الإنتاج، خلال اجتماع المنظمة الذي عُقد في القاهرة، يبدو أن قادة دول "أوبك" كشفوا عمّا يدور في خلدهم حيال أسعار الطاقة، فوزير النفط السعودي، علي النعيمي، وضع هذا السعر عند مستويات 75 دولاراً للبرميل، وقد التقى ذلك مع ما سبق للعاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحديده.
أما نظيره القطري، عبدالله العطية، فقد قال إن سائر وزراء النفط في المنظمة يسعون لتثبيت الأسعار عند مستويات تتراوح ما بين 70 و80 دولارا، بما يضمن استمرار الاستثمارات في الإنتاج مستقبلاً.
وخلال الربع الماضي من هذا العام، خسر برميل النفط 100 دولار من قيمته، ورغم أن دول "أوبك" كانت قد قررت في سبتمبر/أيلول الماضي خفض الإنتاج بنسبة مليون ونصف المليون برميل، غير أن تنفيذ ذلك على أرض الواقع يحتاج لوقت، الأمر الذي انعكس ارتفاعاً في الكميات المخزّنة.
ومن مكتبه الواقع في برج شاهق بإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، شدد حميد جعفر، الرئيس الجريء لشركة "دانة غاز" على ضرورة أن تكون الأمور أكثر استقراراً في السوق، وقال موضحاً: "أسوأ ما يمكن أن يعيشه القطاع والاستثمارات فيه بشكل عام هو سرعة التبدلات، لأنها لا تساعد على خلق استقرار."
وأضاف جفعر، الذي ضخت شركاته، وبينها شركة "نفط الهلال" أكثر من 700 مليون دولار لتطوير حقول نفطية في مناطق كردستان العراق وفي مصر: "هذا أمر غير صحي، لأن تراجع الاستثمارات اليوم سيخلق مشاكل على المستوى المتوسط."
وأعرب جعفر عن توقه لرؤية الشركات النفطية المملوكة من الدولة وهي تسرّع عجلة استثماراتها، بمشاركة مؤسسات القطاع الخاص، رغم أن اتجاه السوق يبدو معاكسا، إذ أن الشرطات الحكومية تندفع لفرض سيطرتها على المزيد من حقول الإنتاج طمعاً في رفع مكاسبها.
وتقول أوساط مطلعة في القطاع النفطي أن شركة "أرامكو" السعودية قد تكون الاستثناء شبه الوحيد على هذا الأمر.
ومع تراجع النفط إلى مستويات لا تتجاوز 50 دولاراً للبرميل، سيكون من الصعب القبول بكل ما جاء في تقرير الوكالة الدولية للطاقة، الذي توقع تضاعف الحاجة للنفط بحلول عام 2015، علما أن التقرير كان قد أشار إلى ضرورة أن تستثمر الدول المنتجة بمبالغ ضخمة لتعويض تراجع المخزونات لدى المكسيك والنرويج وروسيا.
ولا يستغربن أحد الإشارة إلى روسيا في هذا السياق، فالدولة التي تعتبر ثاني أكبر منتج للنفط في العالم اليوم تتوقع تراجعاً في مستويات الإنتاج بحقولها بما بين ستة وثمانية في المائة سنوياً، ما يترك حقول الشرق الأوسط المتنفس الوحيد للعالم في سعيه إلى زيادة المعروض من النفط.
فقد سبق لشركة النفط الكويتية أن أعلنت عزمها رفع إنتاجها بمعدل مليون برميل يومياً خلال الأعوام السبعة المقبلة، ما يرفع إجمالي إنتاج البلاد إلى 3.5 ملايين برميل، ولتحقيق هذا الهدف، يقول مدير التخطيط بالشركة، جمال النوري، إن مستويات تتراوح ما بين 60 و70 دولاراً للبرميل تشكل سعراً جيداً.
ويضيف النوري: "الأمر معقد على مستوى التنقيب والبنية التحتية والحفريات وبناء مرافق التصدير،" حيث أن شركة نفط الكويت مثلاً دخلت في مشروع شراكة بقيمة ستة مليارات دولار لتطوير مصفاة نفطية في فيتنام.
ونعود هنا إلى البداية من جديد، فهناك بالفعل مسائل معقدة على دول الخليج التفكير فيها، فإذا ارتفعت أسعار النفط إلى مستوى 90 دولاراً فسيدر عليها الأمر مكاسب ضخمة، إلا أنه سيجعل مشاريع أخرى لإنتاج الطاقة، مثل استغلال الرمل النفطي في كنداً، أمراً مربحاً، وسيقود ذلك إلى تعديل كفة العرض والطلب ويفقدها تأثيرها الكبير على الأسواق، مع انشغال العالم بالبحث عن مصادر طاقة بديلة.
وهذا الأمر ليس ببعيد عن ذهن المسؤولين عن القطاع النفطي في المنطقة، إذ سبق للمدير التنفيذي لشركة "أبوظبي الوطنية للطاقة" المعروفة باسم "طاقة" أن أشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط سيدفع باتجاه تطوير "استثمارات ذكية" بعيداً عن البترول وأشكال الوقود الأحفوري.
وبانتظار ما ستحمله الأيام، تبدو دول منظمة "أوبك" على بعد خطوات من سيناريو شديد السوء بالنسبة إليها، يقوم على حدوث ركود وتصحيحات عميقة في الغرب، تنعكس تراجعاً في أسعار مادة التصدير الأساسية بالنسبة إليهم، وهذا يدفعهم للبحث في الأطباق، على غرار ذات الجدائل الذهبية.. لكن الأخيرة ليست سوى بطلة من قصة خرافية.