مواقف متباينة حيال القطاع
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تشير عدة تقارير اقتصادية إلى أن الأزمة المالية العالمية الحالية دفعت المصرفيين وكبار المسؤولين في القطاع المالي العالمي إلى الاهتمام بالتعاملات المصرفية الإسلامية، التي ظلت - إلى حد ما - بمنأى عن تداعيات الأزمة بسبب ابتعادها عن المجازفة الاستثمارية بالسندات من جهة، وطبيعة أحكام الشريعة الإسلامية من جهة أخرى.
غير أن بعض الخبراء يرى أن تلك المصارف والمؤسسات المالية لم تنج فعلياً من الوضع العالمي الحالي، وإن الآثار الحقيقية ستظهر في تعاملاتها خلال الأشهر المقبلة، مع استمرار تراجع أسعار العقارات والطاقة، دون أن يؤثر ذلك على حقيقة أن أساليبها في بناء العلاقات التجارية جديرة بالاهتمام.
ويحدد أولئك الخبراء عوامل أساسية تميّز التعاملات الإسلامية المصرفية على المستويات الشخصية، أبرزها الشفافية الناجمة عن طبيعة عملها ذاته، إلى جانب كسرها لحاجز انعدام الثقة لدى المستثمر من خلال العلاقات الشخصية التي تنشأ بينها وبين زبائنها جراء عقود التمويل والائتمان التي تقدمها.
ومع أن الأصول المالية للمؤسسات العاملة وفق الشريعة الإسلامية تأثرت بسبب تراجع العقارات والطاقة، إلا أنها لم تتأثر مباشرة بالأزمة المالية لأنها ظلت بمنأى عن الاستثمار في القطاعات التي تعثرت لاحقاً.
وتنطلق الخصائص الأساسية لهذا النظام المالي من واقع تحريم التعامل بالفائدة (الربا) ما يعني على المستوى الاقتصادي حظر استعمال المال كسلعة للمتاجرة بها وجني المال، أو ما يمكن وصفه بأنه "صنع المال من المال."
ونتيجة لهذا المبدأ الراسخ، تجد المصارف الإسلامية نفسها ملزمة باستثمار كل المبالغ التي يضعها المودع في أصول ومشاريع منتجة لأرباح حقيقية.
وبتعبير آخر، فإذا اقترضت المال من مصرف إسلامي، يصبح هذا المصرف شريكاً لك في الأعمال، وتنبع أرباحه من أرباحك، كما قد يكون معرضاً للخسارة، وتصبح الأصول بالتالي ملكية مشتركة.
ومع هذا الاشتراك، تشترط المصارف الإسلامية وجود معرفة كاملة بتفاصيل الأعمال والنشاطات التي يقوم بها المدينون، الأمر الذي ينعكس زيادة في الشفافية، ويبعد شبح التلاعب.
ويقول كين إيغلنتون، وهو مدير مختص بشؤون المصرفية الإسلامية لدى "إيرنست أند يونغ" لشبكة CNN، إن التعاملات المصرفية الإسلامية: "لا تتيح وجود مموّل صرف، بل يجب على صاحب المال - بصورة أو بأخرى - ربط نتائج استثماراته التمويلية بنتائج النشاط الاستثماري الحقيقي."
وتعتمد العمليات المصرفية الإسلامية على منتجات مالية، أهمها الصكوك الإسلامية، والتي - بخلاف الصكوك الصادرة عن حكومات - مدعومة من أصول فعلية، ويعود لحملتها جزء من الأرباح التي تحققها الأصول.
وقد مولت عمليات إصدار الصكوك مشاريع عملاقة، مثل اندماج "موانئ دبي" وشركة P&O والاستحواذ على "ثكنات تشلسي" بلندن.
وسبق أن درست الحكومة البريطانية إصدار صكوك سيادية، ولكن هذا المشروع جُمّد الآن، رغم أن رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، كان قد أعلن عزمه جعل لندن مركزاً عالمياً للمصرفية الإسلامية، وذلك بسبب حجم هذه العمليات المالية.
ورغم الثبات الذي أظهرته المصارف الإسلامية خلال الأزمة المالية العالمية الراهنة، بسبب ابتعادها عن الاستثمار في السندات والأوراق المالية ذات المخاطر العالية، غير أنها تدفع اليوم ثمن تركيز نشاطها على قطاع الطاقة والنشاط العقاري، مع بدء تراجعهما.
وفي هذا الإطار، تقول ألكا بانرجي، المحللة الاقتصادية لدى مؤسسة "ستاندرد أند بورز": "خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، كانت المؤسسات المالية الإسلامية أفضل من سواها، ولكن في الربع الثالث، تركزت الأضرار في الشركات العاملة بقطاع الطاقة، والتي تأذت بشدة."
ويرى كين إيغلنتون بالمقابل، أن المصارف الإسلامية لا يمكنها فك ارتباطها بالاقتصاد العالمي، وهي بالتالي ستتأثر بالركود الذي سيطال جميع القطاعات، ويشرح وجهة نظره بالقول: "خسارة الائتمان في الاقتصاد العالمي سيؤدي إلى ركود في الأعمال وطرد موظفين وتعثر مشاريع، وهذا سيقود النهاية إلى تأثر المصارف الإسلامية كما سواها."
يذكر أن مؤسسة "موديز" المالية تقدّر حالياً حجم التعاملات المصرفية الإسلامية بقرابة 700 مليار دولار، وترجّح أن لديها القدرة على الوصول إلى أربعة ترليونات دولار.