المطربة المقتولة سوزان تميم
القاهرة، مصر(CNN)--قصة مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم هي النسخة العربية من زواج الجنس بالمال والسياسة وكذلك صورة "مخملية" تستعيد أيام شهريار الذي ينتقل بين النيل والخليج.
وملخص القصة أنّ مطربة لبنانية معروفة تذبح في شقتها الفخمة بدبي، التي تعاني فيها آلاف مؤلفة من مشاكل السكن، والتحقيق بمقتلها يطال واحدا من أبرز أعضاء الطبقة التي تربط السياسة بالأعمال حيث اتهمته السلطات بدفع مبلغ مليوني دولار ثمنا لحياتها.
وتجاوزت قضية قتل المطربة سوزان تميم إلى أكثر من مجرد عملية قتل دنيئة إلى جدل أكثر أهمية: العلاقة الوطيدة بين الحكومة المصرية ورجال الأعمال الأقوياء الذين ينظر إليهم على أنّهم فوق القانون.
كما أنّ القضية، تسلّط الضوء على العلاقة بين مجتمعات مثل المجتمع المصري، أين يتزايد تزاوج السياسة بالمال، ودبي التي أطلقت مؤخرا حملة مشددة ضدّ الفساد.
ولطالما رأى الناس في العالم العربي، بكثير من الإعجاب وربّما كثير من الامتعاض أيضا، لعلاقة السياسيين ورجال الأعمال بالممثلات والفنانات والراقصات والتي تعود إلى غابر الزمان على أية حال.
غير أنّه وحتى بمثل هذه المعايير، فإنّ قصة مقتل سوزان تميم تحتوي على الكثير من علامات الاستغراب ولاسيما في الطريقة البشعة التي عثر فيها على جثتها ولاسيما جرحا غائرا في مستوى عنقها بعمق 20 سم.
وفي وقت سابق من الأسبوع، أمر النائب العام المصري عبد المجيد محمود، بإحالة رجل الأعمال وعضو البرلمان النافذ، هشام طلعت مصطفى، إلى محكمة الجنايات، لتورطه في القضية.
وبالنسبة إلى الكثيرين فإنّ المفاجأة ليست في الاشتباه في علاقة طلعت بالقضية وإنمّا اعتقاله.
وتبدو أوساط كثيرة من المصريين على اقتناع، أو على الأقلّ قبل اعتقال هشام، بأنّ الحكومة لن "تمسّ" رجال الأعمال المؤثرين، لاسيما بعد أن أمرت السلطات بحظر نشر ما يتعلق بالقضية أول الأمر.
وجاء في بيان صحفي صدر عن مكتب النائب العام الثلاثاء، أنه "تقرر إحالة المتهمين محسن السكري، وهشام طلعت مصطفى، إلى محكمة جنايات القاهرة، لمعاقبتهما عن واقعة قتل المطربة اللبنانية في إمارة دبي، في 28 يوليو/ تموز الماضي."
ونسبت النيابة إلى السكري أنه "ارتكب جناية خارج القطر، إذ قتل المجني عليها، سوزان عبد الستار تميم عمداً مع سبق الإصرار، بأن عقد العزم وبيت النية على قتلها، فقام بمراقبتها ورصد تحركاتها بالعاصمة البريطانية (لندن)، ثم تتبعها إلى إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استقرت هناك."
وأضافت أن "المتهم أقام بأحد الفنادق بالقرب من مسكنها، واشترى سلاحاً أبيض (سكين) أعده لهذا الغرض، وتوجه إلى مسكنها وطرق بابها، زاعماً أنه مندوباً عن الشركة مالكة العقار، الذي تقيم فيه لتسليمها هدية وخطاب شكر من الشركة.
كما ذكرت النيابة أن السكري قام بارتكاب جريمته، "بتحريض من المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى، مقابل حصوله منه على مبلغ نقدي مليوني دولار، ثمناً لارتكاب تلك الجريمة."
كما ساعده بأن أمده بالبيانات الخاصة بها، والمبالغ النقدية اللازمة للتخطيط للجريمة وتنفيذها، وسهل له تنقلاته بالحصول على تأشيرات دخوله للمملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة، فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة."
ويعتبر الملياردير هشام طلعت مصطفى أحد أبرز قيادات الحزب الوطني الحاكم، حيث أنه يُعد الرجل الثالث في لجنة السياسات بالحزب، التي يترأسها جمال مبارك، نجل الرئيس المصري.
وذكر مصدر مطلع لـCNN بالعربية أن مكتب النائب العام قد أمر الأسبوع الماضي باستدعاء مصطفى للتحقيق، بعدما تم رفع الحصانة البرلمانية عنه بصورة "غير معلنة"، حيث وجهت النيابة إليه اتهاماً بالتحريض على قتل المغنية اللبنانية.
وشكّلت الجريمة هاجسا بالنسبة إلى سلطات دبي المعروفة في بعض الأوساط بأنّ "كلّ شيء ممكن فيها" رغم أنّ صورتها "الظاهرة" تؤكد أنها محافظة.
ومؤخرا نفذت السلطات حملات ضدّ العري في الشوارع والشواطئ وكذلك المثليين، زيادة على حملة تستهدف القضاء على الفساد.
وقالت شرطة دبي في مؤتمر صحفي إنّ "القاتل تحايل لدخول شقة القتيلة بإبراز مظروف من الشركة العقارية التي اشترت المغدورة منها الشقة التي تقيم فيها بمرسى دبي بالصفوح عبر عدسة باب الشقة حيث عاجلها بذبح رقبتها بسكين في عملية تصفية مع سبق الإصرار والترصد."
والخميس، نشرت صحيفة "المصري اليوم" نص المكالمات الهاتفية، التي جرت بين المتهمين محسن السكري وهشام طلعت مصطفي، التي اعتبرتها النيابة العامة كأحد أدلة الثبوت لإدانة هشام طلعت في القضية، كما قالت إنها حصلت على تفاصيل محضر ضبط المتهم الأول وبحوزته 1.5 مليون جنيه مصري و300 ألف دولار.
ووفق الصحيفة "فرغت النيابة العامة خمس مكالمات هاتفية دارت بين السكري وطلعت مصطفي، الأولى جاء فيها "هشام.. ألو ازيك محسن عوزك النهاردة ضروري.." "محسن": فيه حاجة.. "هشام": لا.. في مهمة عبارة عن مسألة حياة أو موت.. "محسن": هجيلك النهاردة."
وجاء في المكالمة الثانية "هشام": أنا خلصتلك كل حاجة.. والمبلغ المتفق عليه جاهز.. "محسن": السفر إمتي.. "هشام": بكره.. هي موجودة في لندن.. وأتصرف أنت بأه.. دا انت راجل أمن دولة.. عيب عليك.. "محسن": إن شاء الله كل حاجة تمام.. وأول ما المسألة تنتهي هكلمك."
وفي المكالمة الثالثة اتصل هشام بمحسن وجاء نص المكالمة "هشام": إيه عملت إيه.. "محسن": لم تأت الفرصة.. ومكان التنفيذ تم نقله إلي دبي.. "هشام": بس هيكون صعب هناك.. "محسن": لأ سيبها عليا ودي شغلتي ياريس.. "هشام": طيب أجلت ليه.. "محسن" الحكاية عاوزه تظبيط علشان تمشي كويس.. دي فنانة وناس كثير حواليها "».. طيب خلصنا بقي."
وأكّد مسؤول أمني مصري كبير صحّة ما ورد نقلته الصحيفة.
ومازالت الحكومة المصرية والرئاسة ملتزمتين الصمت إزاء القضية.
غير أنّ أوساطا من المجتمع المصري وجّهت انتقاداتها إلى الحكومة قائلة إنّ عملية الاعتقال تمّت تحت ضغوط من دبي.
وقال رئيس تحرير صحيفة "صوت الأمة" عبد الحليم قنديل، وهو أحد معارضي الرئيس حسني مبارك "لقد كان هناك ضغط جدي من الخليج."
كما أعادت القضية إلى الأذهان قضية العبارة المصرية التي غرقت البحر الأحمر وأودى الحادث بحياة أكثر من ألف شخص.
ومالك العبارة المنكوبة هو رجل أعمال له نشاط سياسي أيضا.
والكثير من رجال الأعمال المصريين يشغلون حقائب في الحكومة وكذلك في لجنة السياسات في الحزب الحاكم التي يرأسها نجل مبارك، جمال، الذي ينظر إليه الكثيرون على أنّه خليفة والده.
كما أعادت القضية إلى الأذهان حقيقة ماثلة يوميا أمام المصريين: الفرق الشاسع بين النخبة الثرية في البلاد وغالبية الشعب الذي يناهز تعداده 80 مليونا، والتي تتناول كثيرا في نقاشاتها اليومية حلقات الدعارة التي من عضواتها فنانات، وكذلك الزواج العرفي والطلاق بين المشاهير والسياسيين والفنانات ورجال الأعمال.
وقال قنديل "خليط الجنس والأعمال والمال والسلطة هو الخليط الذي يحدّد النخبة الحاكمة الآن."
وقال إنّ اعتقال هشام مصطفى ربما يؤشّر على انقسامات داخل النظام بين فئة رجال الأعمال السياسيين والحرس القديم ومن ضمنه الجيش، الذي ينظر بعين الريبة إلى تنامي نفوذ رجال الأعمال.
وأضاف أنّه من المحتمل أنّ الحكومة تريد أن تبعث رسالة مفادها أنّ رجال الأعمال يمكن أن يطالهم القانون أيضا، ولكن "الناس تسأل: إذا كان هشام طلعت مصطفى ارتكب هذا: فماذا يجري وراء الغابة؟"