أكثر من مليار روح تهفو إلى مكّة

الحجّ تجسيد لرحلة المسلم

(CNN) -- رغم أنّ ذروة الشعائر هي الوقوف على صعيد عرفات، في مكة، إلا أنّ أيام الحجّ العشرة، تظلّ حلم أكثر من مليار مسلم في العالم يتوارثونه جيلا بعد جيل منذ ظهور الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.

ويظلّ الحجّ حلما رغم أنّه خامس أركان الإسلام بمعنى أنهمشروط بالقدرة والاستطاعة، وليس مثل شهادة أن "لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله" أو الصوم، ذلك أن الإسلام أراد التيسير وجعله فرضا على "من استطاع إليه سبيلا" إلا أنّ ذروة أحلام أي مسلم هو أن يحجّ نظرا لما يعيده ذلك من تجسيد رحلة الإنسان منذ جعله الله خليفة له في الأرض، مثلما تشدد على ذلك الرسالة المحمدية.

وربما يعدّ مفهوم "غسل الذنوب" أكثر ما يبتغيه المسلم من رحلة الحجّ المرهقة جسديا ولكنها عميقة برموزها.

فثياب الإحرام البسيطة وناصعة البياض، تخرج الحاج من حيز رؤية المتاع وتضعه في حيز رؤية الكفن، الذي يودّع به الحياة وهو تجسيد إسلامي لما سيكون عليه الأمر يوم القيامة.

ومع بلوغ الحجّ أيامه الأخيرة في عيد الأضحى يكون المليونان و700 ألف نسمة، قد غسلوا ذنوبهم ويعود كلّ واحد منهم إلى منزله أيا كان، كيوم ولدته أمه، وهي بالتالي فرصة ليفتح سجّلا جديدا أبيض مع خالقه.

ويوم الأضحى نفسه، عندما ينهر الحجاج في مكة، ومئات الملايين في كلّ أصقاع الأرض، دماء أضاحيهم وتعلو في الآفاق أصوات التكبير أن "الله أكبر" يعيد المسلمون تجسيد تضحية النبي إبراهيم مستخلصين منها مبادئ التضحية والإخلاص والتي اضيفت إليها قيمة التضامن.

ويأتي حجّ عام 2008 والمسلمون يشاركون بقية شعوب العالم وطأة الأزمة المالية العالمية التي حتى وإن زادت من نفقاتهم لتنفيذ هذه الشعيرة، إلا أنّها لم تقلّص أعدادهم.

ويكفي مثالا على هذا أنّ أعداد العراقيين الذين يؤدون الفريضة هذا العام تناهز 30 ألفا للمرة الأولى.

وساعد تحسن الأوضاع الأمنية في زيادة أعداد الحجيج رغم أنّ التكاليف ارتفعت مقارنة بالسنوات الماضية.

ورغم أنّ الوضع يراوح مكانه بالنسبة إلى عدد من النزاعات مثلما يتعلق الأمر بالنسبة إلى الفلسطينين الذين يقضون في غزة، التي تحكمها حركة المقاومة الإسلامية، موسم الحجّ تحت حصار، إلا أنّ الصورة العامة تبدو أفضل نسبيا بالسنوات القليلة الماضية.

فقد شهد العام الماضي توطيدا لعلاقة المسلمين ببقية الأديان من خلال الكثير من المؤتمرات التي شهدتها أنحاء العالم.

كما أنّ الظرف يشهد تغييرات متنامية وعلى جميع الأصعدة، لاسيما بفعل الأزمة المالية، وتعبير قوى العالم عن حاجتها لروح جديدة، تمنح شيئا من الاختلاف لحج هذا العام.